ٍَالرئيسية

زيارةٌ أم “مشروع سبي”..؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

تتهاوى فرص الحلّ من أمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. فحين أخذت تهدأ الأمور في مضارب الخليج، هبّت العاصفة في الداخل اللبناني أو عملياً ثمة من “نبّش” حتى أعاد إحياءها على شكل تعميق النزاع على وضعية المحقق العدلي في تفجير المرفأ طارق البيطار، ما أعاد صورة الكباش الحكومي – القضائي إلى الواجهة.. وإلى حينه لا تزال العاصفة تهبّ وتهبّ، مرّةً ومرّتين وأكثر، ورأس هرم المتضرّرين يتموضع في مجلس الوزراء.

بمعزلٍ عن الموقف من الوزير السابق علي حسن خليل، هناك سؤال شرعي نشأ عن تصرفات البيطار الأخيرة، من خلفية الإصرار على ملاحقة حسن خليل دون سواه: لماذا يتقصّد القاضي إستفزاز الثنائي الشيعي من وراء تعمّد إتمام هذه الملاحقة بالذات، والمستهدف منها ليس أحد وزراء الثنائي وإنما “كادر” يتمتع بصفة معاون لمرجعية هي رئيس مجلس النواب، ما يمنح هذا الثنائي أسباباً ومبررات كافية وإضافية، تمنعه من العودة إلى إحياء مجلس الوزراء تحت ذريعة تقصّد استهدافه عمداً من جانب المحقق العدلي؟

هذا السؤال تتفرّع منه أسئلةٌ عديدة تتعلق بالتباسٍ يشيّعه البعض من وراء هذه الخلفية، ممجوجٌ بقضية حمّالة أوجه، لا تتمثّل فقط في رغبةٍ باستفزاز الثنائي، وإنما “زركه” على نيّة اتخاذ إجراءات من جانبه، تعزّز “إغراقه” في ملف المرفأ، وتكرّس “تفتيح العين” عليه أكثر. وقد تكون من خلف تلك الإجراءات، رغبةٌ في إبقاء “مجلس الوزراء” ميّتاً سريرياً، لتحميل التكاليف طبعاً لذات الثنائي، وها هو “دولار المنصّات الأسود” ينطح الـ27 ألفاً! نحن نتحدث عن مكرٍ ودهاءٍ في مكان، سيّما مع ملاحظة الإطار الإعلامي الذي يتحرّك فيه البيطار الموظف في خدمة قراراته.

عملياً، إذا كان البيطار يُصنّف من بين الناجحين من وراء هذا المسار لكونه يراكم الفوضى على ظهر الثنائي الشيعي ويأخذ البلاد إلى حالٍ من اللاإستقرار المطلوب من خلفية البحث عن موجبات “تسخينٍ” للوضع الداخلي قبيل الإنتخابات، لكن في المقابل يُصنّف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من بين الخاسرين حكماً. صحيح أنه أوجد “ترياقاً سياسياً” تمثّل بـ”الركّ” على جلسات اللجان في السراي، ما أخرجه من دائرة الإحراج الدولي المتمثّل بغياب الحكومة بشكلٍ كامل، لكن الصحيح أيضاً أن صلاحياته تُصنّف في عمق الدستور بأنها “مبتورة”، لكونه لا يقوم حالياً على مجلس وزراء “فاعل” وإنما يدير أزمةً على طريقة “أبو ملحم”.

الطريقة نفسها يتّبعها مع الخليج وبخاصة السعودية. فحين تناهى إليه “مجرد تفكير” ولي العهد محمد بن سلمان، بالسماح له بأداء “العمرة” كمفتاح لزيارته إلى الخليج على أن يُجرى على هامشها لقاءات، أخذ يغالي في سياسة المديح و “الإستجابة” لشكاوى الإمارات الخليجية على طريقة قوى الأمن في الإعلان عن “غزوات الكبتاغون”، من دون أي مراعاة لقواعد السيادة “الهشّة نسبياً” والتي طالما تغنّى اللبنانيون بها أمام نظرائهم من دول المنطقة، سيّما وأن ما قُدم في بيروت من قبل جمعية حقوقية “لا غبار عليه”، ويعدّ أخفّ بمقاسات بعض تلك الدول التي “فلّتت” رعاهها من ساسة وصحافيين وجمعيات من أجل “النهش السياسي” بفتات الجمهورية.

ومن خارج أي توصيفٍ سياسي لما يجري، يبدو ميقاتي يتجّه رويداً رويداً إلى مقايضة توجّهات سياسية لبنانية، بقرارٍ يتيح له زيارة المملكة ولو بشكلٍ غير رسمي وعلى هامش “العمرة”، لعدة أسباب يبتغيها رئيس الحكومة: فأولاً يريد إعادة تنظيم العلاقات اللبنانية – السعودية، والمساهمة في إحياء البرنامج الفرنسي، الساعي إلى ضمّ الرياض إلى “برنامج الرعاية” لأجل توفير دعمٍ للبنان، وهو ما يبتغيه الميقاتي أيضاً لتحقيق إنجازٍ لحكومته، وثانياً يريد إظهار نفسه كقادرٍ على إعادة إحياء علاقات لبنان مع الخليج، وثالثاً يريد تصريف منتوج ذلك داخل الوضعية السنّية المحلية بوصفه من أعاد فتح أبواب الخليج أمام السُنّة وإصلاح علاقتهم معه، ورابعاً يريد استثمار كل ما تقدّم في صناديق الإقتراع حين يجري فتحها، ثم خامساً وأخيراً ، تكريس نفسه كحالةٍ سياسية مقبولة وناجحة ولا يمكن تخطّيها في تأليف حكومة ما بعد الإنتخابات.

أمّا العرقلة الوحيدة التي تقف حائلاً دون كل ذلك، ليست في عدم انعقاد مجلس الوزراء أو “حالة العرقلة” التي يتبنّاها الثنائي الشيعي ويسعى خصوم الميقاتي إلى الإظهار بأنه أسيرها، وإنما الخلاف على جدول أعمال الزيارة المُفترضة إلى الخليج، وصولاً إلى بيانها الختامي الذي تريده الرياض منسّقاً سلفاً معها. وحُكماً ينظر “الخليجيون” إلى الزيارة على أنها “محاولة اختراق في بطن مثلث الثنائي الشيعي – “التيار الوطني الحر” وحلفائهم” وفق توصيف مصدر سياسي واسع الإطلاع. وطالما أن المعنى “في بطن الشاعر” يُصبح جائزاً القول، إن الميقاتي ومتى اختار “الإعتدال أو النأي بالنفس عن دور “حزب الله” وما يجري في الداخل وعدم تضمينه النصّ المطلوب في خلاصة زيارته، سيبقى أسير المعادلة اللبنانية ولن يخرج إلى رحاب الخليج”.

ويذكر المصدر لـ”ليبانون ديبايت”، أن العاملين على إنضاج الفرصة للميقاتي، “حاولوا المرور عن هذه النقطة عبر اعتماد رؤية خطابية أقلّ خفّة، وتُحاكي لغة الضرورة والإمتداد التاريخي وحتى الديني والإلتصاق الجغرافي/العربي مع الخليج، دون أن يتمكنوا من ذلك، طالما أن الرياض تريد ثمناً أعلى،” شبّهه بـ “اقتياد الجمهورية كسبيّة أو أخذها جارية وإرغامها على إجراء نقدٍ ذاتي، كشرطٍ لتخفيف التدابير عنها. هذا الجو انعكس حكماً على جدول أعمال الزيارة”. فبينما تريدها الرياض على شكل “مراجعة لبنانية للأخطاء مع الخليج، أو بادرة حسن نية تجاهها مع اعتراف بالخطأ”، يبتغي ميقاتي أدلجتها على “نحوٍ يخدم مسيرته في الحكومة وتنتج عنه قرارات إنطلاقاً ممّا سمعه من ولي العهد محمد بن سلمان، خلال الإتصال الثلاثي بمبادرةٍ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول إفتتاح صفحة جديدة مع لبنان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى