ليبانون ديبايت – ميشال نصر
من تعقيدٍ الى آخر ومن أزمةٍ إلى أخرى، تسيرُ البلاد والعباد و”الطبقة الحاكمة ومن خلفها راعيها”، حيث المبادرات على أنواعها من خارجية وداخلية، عالقةٌ في “بوز قنينة سلطة غافلة ما إلها ربّ”، فيما كل الطرق تؤدي إلى الإنهيار، وسط حلّ ممنوع بأمرعمليات “إلهي” يخطّط تاركاً التنفيذ للوكلاء والنجباء، العالقين على شجرة الشلل الوزاري، الذي يبدو أن مساعي كسره لا تزال تراوح مكانها، دافعةً بالتعطيل إلى الشهر المقبل وما بعد بعد بعده إذا “ضلّ حكومة تخبر” ، رغم “التدخّل الماكروني” على أكثر من جبهة.
فبعد زيارته الأخيرة إلى جدّة ووضعه خارطة طريق تنطلق من نقاط مبادرة، “الله وحده بيعرفها” ، ها هو الإيليزيه يرسل من جديد موفده الرئاسي ومنسّق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان، إلى بيروت بمهمةٍ مزدوجة، هي إعادة إحياء مجلس وزراء “من تركيبهم”أولاً، وثانياً، إستكمال ما بدأه في زيارته السابقة، حيث هوس باريس هذه الأيام مراكمة إنجازات إقتصادية، تسمح لماكرون بالفوز في انتخابات حزيران وتجديد بقائه في الرئاسة، في ظلّ المؤشرات الإقتصادية الصعبة التي تعيشها أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً.
ورغم التطورات الإيجابية التي تحدّث عنها الموفد الفرنسي من السراي، والتي يبدو أنه وحده من لاحظها وانتبه إليها، قد يكون بسبب عطلٍ تقني في الترجمة، معيداً التلويح بجزرة “سيدر 1” التي أكل الدهر عليها وشرب، تؤكد مصادر متابعة للزيارة أن الأجندة التي يحملها غير قابلة للتطبيق، بعد سلسلة الهفوات التي ارتكبتها باريس، إذ وقعت في شرّ ما أنتجت من تفاهم حكومي، وبالتالي فإن أيّاً من أهدافها لن يتحقق، خصوصاً أنها ترتبط بالكامل بمصالح خاصة، لا يُمكن تمريرها قبل عودة مجلس الوزراء للإجتماع.
وفقاً لمن تبقّى من أعضاء خلية الأزمة الفرنسية التي شُكّلت عند إطلاق المبادرة الفرنسية “غير المأسوف عليها” في أيلول 2020 ، والذين عاودوا اجتماعاتهم ولو بشكلٍ جزئي بهدف مواكبة النتائج، التي أفضت اليها الزيارة الفرنسية إلى دول الخليج العربي، توصلوا إلى سلسلة خطوات تصبّ في مصلحة فرنسا، كُلّف بموجبها السفير “دوكان”، القيام بزيارة عمل إلى بيروت، للوقوف على الإجراءات اللبنانية من أجل مواجهة الأوضاع المتلاحقة، لتقييم مدى تطابقها وتأمينها للمصالح الفرنسية، بحسب مصادر فرنسية متابعة.
تنطلق الخطوات الفرنسية من الوعد بتجميد بعض العقوبات الخليجية الجديدة، بل أبعد من ذلك، تقديم مساعدات إنسانية للشعب اللبناني لا تمرّ عبر الدولة اللبنانية، مقدّمة بإسم دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبار ذلك ورقةً رابحة يمكن للفرنسيين استخدامها لبنانياً، ما يسمح لهم بحماية التفاهمات التي أوصلت نجيب ميقاتي إلى السراي، وبالتالي إعادة إحياء مجلس الوزراء الذي شاركوا بتركيبه “حلّةً ونسب”.
من هذه الزاوية بالذات، تقرّ المصادر، بأن الأولوية الفرنسية الآن، تركّز على إحياء اجتماعات مجلس الوزراء، التي لم تقف عند حدود الخطوط المفتوحة مع رئيسها نجيب ميقاتي هاتفياً، و”حزب الله” عبر زيارات السفيرة الفرنسية، ولا مع جنرال بعبدا ، الذي أشارت الرسالة الرئاسية الفرنسية التي تسلّمها، إلى ضرورة الإسراع ببعض الخطوات الإصلاحية المُمكنة قبل ولوج المشاريع الكبرى.
هذا الإهتمام المشكوك بنتائجه لفقدان الحدّ الأدنى من تضامن الطبقة حوله، وتوسّع الخلافات التي تعيق التوصل إلى قرارات في ما بين أطرافها، يهدّد بسقوط التحرك الفرنسي، خصوصاً أن في الإدارة الفرنسية، من قرّر الوقوف إلى جانب الرئيس ميقاتي في مواجهة رئيس الجمهورية، الرافض حتى الساعة وفريقه، تمرير أي تسوية في ما خصّ مسالة “قبع الريّس بيطار”، وهو ما دفع بالفرنسيين إلى اتخاذ قرارٍ “بشبه مقاطعة” لبعبدا، بدايةً مع تراجع ماكرون عن الإتصال بعون كما وعد من جدة، مكتفياً بإرسال سفيرته لإطلاع رئاسة الجمهورية على الجوّ العام للمباحثات مع السعودية، والحديث عن عدم طلب “دوكان أي موعد من بعبدا، في تخطٍّ واضح للأصول والأعراف، وهو ما دفع بمصادر لبنانية إلى الحديث عن أن ما قام به ماكرون، هو مصالحة بعض السنّة “المحسوبين” على “حزب الله” مع الرياض، وليس الدولة اللبنانية.