الأخبار- وحيد صمدي
تتكاثر الإشارات السلبية الآتية من المفاوضات النووية المنعقدة في فيينا، في ظلّ تشدّد فرنسي – بريطاني – ألماني، مفاجئ، تعتقد إيران أنه يأتي بإيعاز من الولايات المتحدة، التي لا تريد من وراء ذلك، الضغط على طهران فقط، وإنّما الحصول على تنازلات في ملفّات أخرى، من روسيا والصين تحديداً، وهو ما يثير استهجاناً كبيراً لدى الإيرانيين. وبعدما كان المناخ السائد خلال اجتماعات يوم أمس يوحي بتقدّم نسبي، عادت الأجواء لتتلبّد بالغيوم، وسط تشاؤم بما تُسمّيه إيران «منهجاً غير بنّاء» يتمّ اتّباعه إزاءها
طهران | لم يقابَل الوفد الإيراني المفاوِض، خلال الأيام الماضية في فيينا، بمواقف إيجابية من قِبَل «الترويكا» الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، ردّاً على مقترحَيه المرتبطَين بالمفاوضات الهادفة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. وبعد ردّ مشترك للأوروبيين على هذين المقترحَين، صدرت ردود منفردة عن كلّ من الدول الثلاث المشاركة في المحادثات. فكان الردّ الأول عن الجانب الألماني، على لسان المتحدّث باسم وزارة الخارجية، الذي قال إن برلين كانت تتوقّع عودة طهران إلى محادثات فيينا بمقترحات «واقعية». وأضاف: «لقد راجعنا المقترحات بعناية ودقّة، وخلصنا إلى أن إيران انتهكت تقريباً جميع التسويات التي تم التوصّل إليها، خلال أشهر من المفاوضات الصعبة». وفي اليوم التالي، أصدرت فرنسا بياناً، قال فيه وزير خارجيّتها، جان إيف لودريان، إن المؤشّرات الآتية من إيران «غير مشجّعة»، مضيفاً أنه يعتقد بأن «الإيرانيين يسعون إلى تأجيل المحادثات». أمّا الموقف الأخير، فقد جاء من بريطانيا، التي وصفت وزيرة خارجيتها، ليز تراس، محادثات فيينا بأنها «الفرصة الأخيرة لإيران للعودة إلى الاتفاق النووي».
وبينما كانت الدول الأوروبية تُصدر هذه المواقف التي ساهمت في خلْق مناخٍ سلبي ضدّ طهران، كان كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري، يلتقي بمسؤولين روس وصينيين، خلال فترة توقّف المحادثات، حيث أُفيد بأن باقري أدرك، في ذلك الوقت، أن «الترويكا الأوروبية لم تطلب وقف المحادثات للتشاوُر في العواصم، كما زعمت، وإنما لتنسيقٍ أكثر في ما بينها من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى». وفي وقت تسعى إيران إلى استعادة حقوقها وفق «خطّة العمل المشتركة الشاملة» (الاتفاق النووي)، التي انسحبت منها واشنطن في أيار 2018، «بدأت مجموعة E3 تأخذ مصير المفاوضات الجارية في فيينا رهينة، في مقابل مطالبها، ليس من إيران فقط، ولكن من روسيا والصين، وحتّى من الاتحاد الأوروبي»، وذلك وفقاً لمصدر مطّلع على المحادثات في فيينا، أشار إلى أن هذا الأمر «أدى إلى خلْق فجوات وخلافات جادّة بين مختلف الأطراف».
وعن تفاصيل هذا الواقع، أوضح المصدر أنه «في أثناء المحادثات التي جرت قبل عودة الوفود إلى العواصم للتشاور، تزايدت الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والترويكا الأوروبية (E3) من جهة، وبين الولايات المتحدة وروسيا والصين من جهة أخرى». أمّا عن السبب وراء ذلك، فقد بيّن أن «مجموعة E3 أخذت وتيرة التقدّم في المحادثات، رهينة في مقابل تنازلات فردية، ليس فقط من الوفد الإيراني، وإنّما من الاتحاد الأوروبي، وأيضاً من روسيا والصين». وأضاف أن «ما يزيد من غرابة الموضوع، هو الدور الذي تقوم به كلٌّ من فرنسا وبريطانيا وألمانيا»، لافتاً إلى أن «باريس تواصل القيام بدور الشرطي السيّئ جداً، بينما تسعى لندن إلى إظهار نفسها على أنّها تتماشى مع المطالب الإسرائيلية، لفرض ضغطٍ أكبر على طهران، أمّا برلين فتتّخذ موقفاً وسطياً بين باريس ولندن». وما يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي، في هذا الإطار، هو أن «ما تقوم به فرنسا، خلال محادثات فيينا، لا يمثّله، في حين لم تَعُد بريطانيا عضواً في التكتّل، وهو ما يزيد من الخلافات بين الدول الأوروبية». كذلك، أفادت المصادر بأن «العديد من المؤشّرات توحي بأن الولايات المتحدة، وتحديداً رئيس الوفد الأميركي المفاوِض، روبرت مالي، طلب من الترويكا الأوروبية القيام بهذا الدور، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي، في سبيل الحصول على تنازلات في ملفّات أخرى، ما أثار غضب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، ونائبه إنريكي مورا، وغيرهما من مسؤولي التكتل».
إزاء ما تَقدّم، أشار مصدر مقرّب من الوفد الإيراني المفاوِض إلى أن «المناخ السائد، خلال اجتماعات يوم أمس، كان يوحي بتقدّم نسبي». إلّا أنه أضاف أنه «يبدو أن الدول الأوروبية الثلاث، أو بعضها على الأقلّ، تدأب على إبطاء المحادثات، إلى حدّ ما، من خلال اتّخاذ مواقف أكثر صرامة من الولايات المتحدة». بمعنى آخر، فإن بعض هذه الدول اتّبع مقاربة «غير بنّاءة» في المفاوضات، بحسب وصْف المصدر، حتّى قبل البدء بالجولة الجديدة التي قدّمت طهران فيها مقترحاتها، ثمّ أصرّت على مواصلة هذا النهج، حتّى الآن.