الأخبار- جمال غصن
الأبطال ليسوا سواسية، لا بل الكثير من البطولة التي يروّج لها في عالمنا الحالي ليست إلا أوهام تفوّق في نظام يجعل الفرد يصارع أخاه من أجل الارتقاء المادي عليه. في سلسلة «الرقصة الأخيرة» الوثائقية عن حياة أسطورة كرة السلة مايكل جوردان، يظهر الجانب التنافسي الذي يكاد يكون مَرَضياً للاعب شيكاغو بولز (وواشنطن ويزردز) السابق. فهو كان يريد الفوز في كل شيء مهما كان، وأخذه ذلك نحو مراهنات على بطولات مبتكرة يميناً ويساراً لإشباع هذه النزعة فيه. على أرضية ملاعب كرة السلة الخشبية، كان جوردان الجَوِّيّ، كما كان يلقّب نظراً لقدرته على تحدّي قوانين الجاذبية، يحبك روايات مخترعة عن خصومه ليحفّز نفسه على تحطيم كل من يواجهه. طبعاً النزعة التنافسية العالية دائماً موجودة عند رياضيي الصف الأول، لكن الغالبية تكتفي بالانجازات الحقيقية كالفوز ببطولة الـ«NBA» ست مرّات، كما فعل جوردان، ولا تستوهم بطولات لتراهن عليها مع مسؤول الأمن في استاد شيكاغو، كما كان يفعل جوردان أيضاً. لكن مفهوم البطولة بحدّ ذاته غير كاف، فترى إصراراً في الولايات المتحدة على الادّعاء بأن بطولاتها المحلية هي بطولات عالمية. هذا ينطبق على أبطال دوري السلة، كما على بطولة كرة القاعدة التي يسمّون مبارياتها النهائية «السلسلة العالمية» (World Series)، علماً أن معظم العالم يجهل قواعد هذه اللعبة المملّة التي تعتبر وجبة الهوت دوغ المقرفة أحد مغريات حضورها في المدرجات. وبالمناسبة توجد في الولايات المتحدة بطولة أكل الهوت دوغ، وتقام سنوياً في الرابع من تموز، أي في عيد الاستقلال، والبطل هذا العام حطّم الرقم القياسي للبطولة بتناوله 76 سندويش هوت دوغ خلال عشر دقائق.
هوس ثقافة الولايات المتحدة الأميركية بالفوز والبطولات هو تجسيد لدعاية الرأسمالية المروّجة للترقّي الطبقي من خلال العمل الدؤوب والجهد الفردي، والتي تسمّى في الأفلام «الحلم الأميركي». وهناك انقسام جدّي في المجتمع بين من يعتبرهم النظام الرأسمالي ناجحين أو فائزين (winners) ومن يراهم فاشلين خاسرين (losers)، ولا شكّ أن دونالد ترامب كان الأكثر صراحة في استخدامه لهذه المصطلحات في وصفه للناس، لكنه لم يكن أول رئيس يكثر من اتهام ضحايا النظام بالفشل. فقد سبقه رونالد ريغان في فترة صعود المحافظين الجدد في مركز الامبراطورية. في المقابل رأى ليبراليو واشنطن في هذا الفرز جَرحاً لمشاعر «الفاشلين» فابتكروا مفهوم «الجميع فائز»، وكرّسوه ميدالياتً وكؤوساً توزّع على الجميع لمجرّد المحاولة. فلا تخلو غرفة أي من أولاد الطبقة الوسطى في بلاد الحلم الأميركي من رفوف تعرض الجوائز التي حصدها الفرد وجلّها في مسابقات خسرها، لكنه أعطى فيها كل ما عنده. طبعاً، الوضع يختلف في المناطق الفقيرة الكثيرة في شمال القارة الأميركية، لكننا لا نسمع أصوات هؤلاء المهمشين في الإعلام الطاغي، وليسوا هم من يصنع السياسات التي تقمعنا معهم من أجل حفنة مراكمي ثروات «رأس المال المعولم». هذا المفهوم كرّس لدى النخب الليبرالية الحس بالأحقية (sense of entitlement) وأنهم يستحقون الفوز والنجاح لمجرّد المحاولة، وهو أمر سهل نسبياً إذا كنت من المحظيين في مركز تراكم «رأس المال» الحالي، وشرح عامر محسن ذلك في مقاله الأخير المعنون «نظام الحوافز». لكن المضحك هو حين ترى أن نخب الأطراف الببغائية تستنسخ هذا الخطاب والإحساس «الأحقّوي»، ويردّدون في «ثوراتهم» أنهم يستحقون الفوز. ولا يتوقفون عند هذا الحد بل يرون أن شعوبهم «الفاشلة» لا تليق بهم. أن تكون دونالد ترامب وتتصرف كالغائط وتتقيأ قرفه وقد ولدت لملياردير عنصري في عاصمة «رأس المال» فهذا أمر مقيت. أمّا أن تتمثل صورة دونالد ترامب بينما أنت تستجدي فوزاً – أي فوز وهمي لأنه حتماً لن يكون حقيقياً – من أصغر وكلاء الامبريالية، فهذا أمر مثير للشفقة.
نشر موقع «بابيلون بي» الساخر منذ سنوات مقالاً تهكمياً بعنوان «الشرطة تهدّئ محتجين من جيل الألفية بعد أن وزّعت عليهم كؤوس مشاركة». في السياق نفسه، كثرت مؤخراً البطولات في لبنان، من أبطال الساحات إلى أبطال الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا ننسى أبطال النقابات والمصارف والمحاكم، وكثر معها بطبيعة الحال توزيع الميداليات والكؤوس وإقامة ذهبية من هنا، وفضة انتخابية من هناك، وبرونزاج إن جي أوزي في البترون، إلخ… الكل فائزون، تماماً كما فاز مايكل جوردان (أو خصومه، لا يهمّ) في العديد من العروض الجانبية التي لا معنى لها، ففي النهاية لا أحد يذكر إلا انجازاته في ملعب كرة السلة.
في عالم السياسة اليوم الملعب واضح، واللاعبون المحترفون معروفون، وأحد الأطراف هو خفير العالم الإمبريالي الذي يعادي الشعوب، إلا من قَبِلَ منها أن يكون وكيلاً أميناً خادماً لهيمنته، أو بكلمة أخرى أكثر صراحة وأقلّ دبلوماسية: عميل. في المقابل، هناك ملايين يسطّرون بطولات حقيقية حول العالم من أجل مستقبل أكثر عدالة للشعوب. هناك من يقاتل بالنار، وهناك شعوب تقاوم شتى أنواع الاحتلال والحصار، وهناك من ينبذ الرخاء الفردي من أجل الارتقاء الجماعي وهناك من يقبع في السجون لأنه أفصح عن ما لا يراد فضحه. لا تتسع هذه الصفحة لذكر كل من يستحق ذكره في هذا المجال، ولكن بما أننا في مهنة الصحافة، لا بد من التوقف عند حدث اليوم، إذ حكم قاض بريطاني لمصلحة واشنطن في معركتها ضد «ويكيليكس» وطلب تسليمها مؤسس الموقع للمحاكمة في الولايات المتحدة. لن نضحك على أنفسنا ونبكي الحريات الليبرالية الزائفة. فقط تحية لكل صحافي يهزّ أركان الإمبراطورية…تحية للبطل جوليان أسانج.
هوس ثقافة الولايات المتحدة الأميركية بالفوز والبطولات هو تجسيد لدعاية الرأسمالية المروّجة للترقّي الطبقي من خلال العمل الدؤوب والجهد الفردي، والتي تسمّى في الأفلام «الحلم الأميركي». وهناك انقسام جدّي في المجتمع بين من يعتبرهم النظام الرأسمالي ناجحين أو فائزين (winners) ومن يراهم فاشلين خاسرين (losers)، ولا شكّ أن دونالد ترامب كان الأكثر صراحة في استخدامه لهذه المصطلحات في وصفه للناس، لكنه لم يكن أول رئيس يكثر من اتهام ضحايا النظام بالفشل. فقد سبقه رونالد ريغان في فترة صعود المحافظين الجدد في مركز الامبراطورية. في المقابل رأى ليبراليو واشنطن في هذا الفرز جَرحاً لمشاعر «الفاشلين» فابتكروا مفهوم «الجميع فائز»، وكرّسوه ميدالياتً وكؤوساً توزّع على الجميع لمجرّد المحاولة. فلا تخلو غرفة أي من أولاد الطبقة الوسطى في بلاد الحلم الأميركي من رفوف تعرض الجوائز التي حصدها الفرد وجلّها في مسابقات خسرها، لكنه أعطى فيها كل ما عنده. طبعاً، الوضع يختلف في المناطق الفقيرة الكثيرة في شمال القارة الأميركية، لكننا لا نسمع أصوات هؤلاء المهمشين في الإعلام الطاغي، وليسوا هم من يصنع السياسات التي تقمعنا معهم من أجل حفنة مراكمي ثروات «رأس المال المعولم». هذا المفهوم كرّس لدى النخب الليبرالية الحس بالأحقية (sense of entitlement) وأنهم يستحقون الفوز والنجاح لمجرّد المحاولة، وهو أمر سهل نسبياً إذا كنت من المحظيين في مركز تراكم «رأس المال» الحالي، وشرح عامر محسن ذلك في مقاله الأخير المعنون «نظام الحوافز». لكن المضحك هو حين ترى أن نخب الأطراف الببغائية تستنسخ هذا الخطاب والإحساس «الأحقّوي»، ويردّدون في «ثوراتهم» أنهم يستحقون الفوز. ولا يتوقفون عند هذا الحد بل يرون أن شعوبهم «الفاشلة» لا تليق بهم. أن تكون دونالد ترامب وتتصرف كالغائط وتتقيأ قرفه وقد ولدت لملياردير عنصري في عاصمة «رأس المال» فهذا أمر مقيت. أمّا أن تتمثل صورة دونالد ترامب بينما أنت تستجدي فوزاً – أي فوز وهمي لأنه حتماً لن يكون حقيقياً – من أصغر وكلاء الامبريالية، فهذا أمر مثير للشفقة.
نشر موقع «بابيلون بي» الساخر منذ سنوات مقالاً تهكمياً بعنوان «الشرطة تهدّئ محتجين من جيل الألفية بعد أن وزّعت عليهم كؤوس مشاركة». في السياق نفسه، كثرت مؤخراً البطولات في لبنان، من أبطال الساحات إلى أبطال الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا ننسى أبطال النقابات والمصارف والمحاكم، وكثر معها بطبيعة الحال توزيع الميداليات والكؤوس وإقامة ذهبية من هنا، وفضة انتخابية من هناك، وبرونزاج إن جي أوزي في البترون، إلخ… الكل فائزون، تماماً كما فاز مايكل جوردان (أو خصومه، لا يهمّ) في العديد من العروض الجانبية التي لا معنى لها، ففي النهاية لا أحد يذكر إلا انجازاته في ملعب كرة السلة.
في عالم السياسة اليوم الملعب واضح، واللاعبون المحترفون معروفون، وأحد الأطراف هو خفير العالم الإمبريالي الذي يعادي الشعوب، إلا من قَبِلَ منها أن يكون وكيلاً أميناً خادماً لهيمنته، أو بكلمة أخرى أكثر صراحة وأقلّ دبلوماسية: عميل. في المقابل، هناك ملايين يسطّرون بطولات حقيقية حول العالم من أجل مستقبل أكثر عدالة للشعوب. هناك من يقاتل بالنار، وهناك شعوب تقاوم شتى أنواع الاحتلال والحصار، وهناك من ينبذ الرخاء الفردي من أجل الارتقاء الجماعي وهناك من يقبع في السجون لأنه أفصح عن ما لا يراد فضحه. لا تتسع هذه الصفحة لذكر كل من يستحق ذكره في هذا المجال، ولكن بما أننا في مهنة الصحافة، لا بد من التوقف عند حدث اليوم، إذ حكم قاض بريطاني لمصلحة واشنطن في معركتها ضد «ويكيليكس» وطلب تسليمها مؤسس الموقع للمحاكمة في الولايات المتحدة. لن نضحك على أنفسنا ونبكي الحريات الليبرالية الزائفة. فقط تحية لكل صحافي يهزّ أركان الإمبراطورية…تحية للبطل جوليان أسانج.