} عمر عبد القادر غندور*-البناء
مشكلة اللبنانيين في الماضي والحاضر، في عدم استقراء الأحداث وخاصة الاقتصادية، وعدم دراستها وتحليلها.
لكنها هذه المرة في قعر الأزمة وبحيث لا ينفع معها الاستقراء ولا التحليل، وهي اليوم أشبه بالنحيب فوق رأس الميت.
فالأزمة الاقتصادية في جوهرها أزمة حوكمة متجلية في نظام طائفي يعاني من خلل بنيوي مقصود، بما يحول دون صنع سياسات عقلانية، وسمح بانتشار الفساد والسرقة والهدر، وفي مقدّمها القطاع العام الذي اعتمد العشوائية في نسج علاقات اقتصادية لا تتلاءم مع قدراته الفعلية.
ومع مرور الوقت وقعنا في دَيْن لا قدرة لنا على تغطيته، وخاصة في الاحتياجات التمويلية الضخمة العصية على المعالجة، ناهيك عن الصدمات السياسية في بلد طائفي مركب، جعلت الدولار يرتفع دون مبرّر ويرفع معه أسعار المحروقات والغذاء والدواء والخدمات كافة، يُضاف الى ذلك تباطؤ التدفقات المالية الخارجية الى لبنان، ما اضطر المصرف المركزي الى تغطية الكلفة الباهظة، وكلّ ذلك كان نتيجة لسياسات مالية فاشلة، فتوقف تدفق الرساميل الى الداخل مقابل تدفق ما لدينا من عملات الى الخارج نتيجة انعدام الثقة، ما دفع السياسات الراهنة في البلاد الى الانفجار الذي جعل 50% من اللبنانيين فقراء و 30% تحت خط الفقر والحبل على الجرار في غياب المعالجات لا بل في غياب الحكومات! إضافة الى أزمات اجتماعية حادّة تسبّبت بتدمير كارتي للثروات وخصوصاً لدى الطبقة التي كانت تسمّى متوسطة، ولا يحلم اللبنانيون بدعم مالي دولي.
ولأنّ اللبنانيين لا يقرأون، كما قلنا في بداية بياننا، فقد أهملوا الإفادة من مسودّة طلعت بها مجموعة مستقلة من الخبراء الاقتصاديين والماليين والمتخصصين في مجال التنمية أواخر كانون الاول من العام 2020 كمبادرة وطنية، وعلى شكل خطة عمل تهدف الى إعادة الاستقرار الاقتصادي لوضع البلاد على مسار التعافي المستدام.
وتضمّنت المبادرة عناوين يصعب عرضها في هذه العجالة.
ويمكن القول انّ العام المالي لسنة 2021 كان الأكثر خطورة وفداحة، ووصل سعر الدولار الى ما يزيد عن الـ 25 ألف ليرة، وتبدو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان ماضية الى الحائط المسدود، ما يهدّد استقراره في ضوء حكومة جديدة عقدت جلسة واحدة ثم عُلقت جلساتها ولا يبدو انها ستنعقد في وقت قريب.
وتعدّ الأزمة الراهنة هي الأخطر في تاريخ لبنان وغير مسبوقة حتى أثناء الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً من العام 1975 الى العام 1990.
ونعتقد انّ المواطن اللبناني قد يختصر وجبات طعام، ويستغني عن كهرباء الموتور، ويستتر بما لديه من ثياب وتجهيزات، ولكنه لا يستطيع أبداً أن يستغني عن دواء ارتفع سعره عشرة أضعاف، وعن طبابة استشفائية طارئة ما يهدّد فعلاً بانفجار اجتماعي آتٍ لا محالة…
ونسأل الله اللطف بالعباد…