ميقاتي لا يُريد التورّط مع السعوديين.. ويخشى مصير الحريري! خطوات “قدر المستطاع”.. ورفض خوض مواجهة مع حزب الله أجوبة باريس ضبابيّة: لا نعرف ما يُرضي الرياض ولكن جرّبوا!
هل ينتهي مصير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى ما انتهى اليه مصير رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري؟ سؤال بات مطروحا في ضوء البيان السعودي – الفرنسي المشترك الذي وضع شروطا “تعجيزية” لاعادة “مياه” العلاقات الخليجية – اللبنانية الى مجاريها، وفي ضوء خشية رئيس الحكومة من دفع ثمن “الارتهان” للاستراتيجية السعودية، ويعمل مع الفرنسيين لتجنب “الكأس المرة” .
هذا “الهاجس” لم يأت من فراغ، فزوار ميقاتي نقلوا عنه توجسه من “العبء” الذي بات على كاهله بعد صدورهذا البيان ، عقب الاتصال المشترك الذي اجراه معه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فالايجابية المفترضة لهذا الاتصال تبخرت سريعا في ضوء تحميله مسؤولية مباشرة لتنفيذ “خارطة الطريق”، ليس فقط لتحسين العلاقة السعودية مع الحكومة اللبنانية، وانما “كشرط” لفتح “ابواب” السعودية امامه، وهو امر فشل الرئيس ماكرون في اقناع الامير محمد بن سلمان بضرورة المبادرة اليه خلال وجوده في الرياض، وكان لافتا ربط الجانب السعودي الاقدام على خطوة مماثلة بقيام ميقاتي بخطوات عملية لتنفيذ “الشروط” الموضوعة في البيان، دون انتقائية او استنسابية، وبعدها “لكل حادث حديث”..
ميقاتي الذي كان قد طلب من طاقم طائرته الخاصة البقاء على جهوزية تامة للانطلاق نحو مدينة جدة، تبلّغ من الفرنسيين الرفض السعودي، بعد نحو ساعتين من وصول ماكرون الى المملكة، وعندما صدر البيان المشترك لم يكن مرتاحا لمضمونه الفضفاض الذي يحمّله كرئيس حكومة مسؤوليات ضخمة لا يملك القدرة على تنفيذها، وقد حرص على التواصل مع الجانب الفرنسي لاستيضاح الموقف، وسمع كلاما واضحا ومتفهما لهواجسه، لكن ماكرون طلب من احد مساعديه ابلاغ رئيس الحكومة اللبنانية ضرورة البدء “بخطوة “، لتأكيد حسن النيات وبعدها “يبنى على الشيء مقتضاه”.
ووفقا للمعلومات، سعى الرئيس ميقاتي للحصول على موقف فرنسي واضح حيال البنود المرتبطة بتنفيذ القرارات الدولية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وطلب اجوبة واضحة حيال مسؤوليته في هذا الشق “غير المقدور” عليه، رافضا تحمّل تبعاته، او التعهّد بالذهاب بعيدا في تنفيذه، لانه يخلق “بيئة” متفجرة في البلاد ستطيح بالحكومة “المشلولة” بفعل الخلاف مع “الثنائي الشيعي” على ملف المحقق العدلي طارق البيطار، وطلب من الفرنسيين ايجاد صيغة مقبولة للفصل بين ما يمكن التعامل معه في البيان، وما يمكن تأجيله حتى تنضج الظروف الدولية والاقليمية، وهو ما وعد الفرنسيون بالعمل عليه، دون ان يكون لديهم اجابات واضحة حيال ما يُرضي السعوديين، وامام هذه الضبابية قيل لميقاتي صراحة “قدموا الينا شيئا ما ، وسوف نرى ما يمكن فعله”.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، بات ميقاتي على قناعة بعد الاتصال بالفرنسيين بان بند حصر السلاح بيد الدولة لا يشكل نقلة نوعية في الموقف الفرنسي، وانما “مسايرة” فرنسية شكلية للسعوديين، فباريس حريصة على عدم “قطع شعرة معاوية” مع الحزب، وتحتاج الى التعاون الجيد معه بوجود قوة فرنسية كبيرة مشاركة في قوات “اليونيفيل”، كما ان الادارة الفرنسية لا ترغب في توتير العلاقة مع طهران، ولهذا لا تزال مبادرة ماكرون التي أطلقها لإنقاذ لبنان بعد انفجار المرفأ قائمة، ويمكن اعتبارها المرجعية الرئيسية للسياسة الفرنسية التي تقوم على عدم حصول اي اشتباك سياسي مع حزب الله، وهو امر يتبناه ميقاتي، ولا يرغب باي مواجهة ستكون غير متكافئة مع الحزب.
وفي هذا السياق، باشر رئيس الحكومة تحركات داخلية مكثفة لمعالجة ملف مكافحة تهريب الممنوعات إلى المملكة عبر لبنان، واجرى مروحة اتصالات واسعة لضبط الخطاب السياسي والاعلامي تحت عنوان “منع الإساءة” للدول الخليجية، وتعميم خطاب احسن العلاقات مع الدول العربية، لكنه فشل في الحصول على اي تعهّد من حزب الله لتغيير خطابه السياسي والاعلامي ضد المملكة التي لم تبادر الى اي خطوة ايجابية تجاهه، بل تواصل العمل على “شيطنته”، وتخوض حربا دون هوادة ضده، ولهذا لا يزال الحزب متمسكا بسياسته المنتقدة لحرب السعوديين غير الاخلاقية في اليمن، وليس في وارد “المهادنة” معها طالما لا تزال متمسكة بسياستها العدائية تجاهه، فاما ان تكون العلاقات ندية ويسودها الاحترام وتحفظ كرامة الجميع او لا تكون..
ووفقا لمصادر مطلعة، يخشى ميقاتي ملاقاة مصير رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري “المغضوب” عليه في المملكة، بعدما جرى تحميله مسؤولية الفشل في مواجهة حزب الله في لبنان، ويدفع اليوم ثمنا غاليا بعدما جرى اعتقاله سابقا، ويعاني من حصار سياسي- مالي قد يؤدي الى اخراجه من الحياة السياسية، ولهذا لا يرغب في التورط “بلعبة” يعرف مسبقا انه غير قادر على خوض غمارها، وهو في هذا السياق قدم “التزامات” محددة لا تتجاوز حدود قدراته، وهو ابلغ المحيطين به بان لا يرغب ابدا في تقديم “اوراق اعتماده” في الرياض “كرأس حربة” لسياستها في لبنان، ويحرص على ان تكون العلاقة ودية عنوانها “الثقة” لا تنفيذ المهمات، لان تكلفة الفشل ستكون باهظة الثمن اليوم. وهذا ما يفسر “انزعاجه” “وغضبه” من بيان رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة الذي اشاد بالبيان المشترك الصادر عن المملكة العربية السعودية وفرنسا “مطالبا بان يكون بوصلة أداء بالنسبة للحكومة اللبنانية”، وهو ما يرى فيه ميقاتي محاولة لتوريطه بما لا قدرة له عليه!