تل أبيب تَفْتح عينيها جيّداً: قلْب أبو ظبي (لا) يتّسع لـ«حبيبَين»
الأخبار- حسين الأمين
لا تبدي إسرائيل ارتياحاً إزاء التحوّل الحاصل في العلاقات الإماراتية – الإيرانية. ذلك أن الشريك الأوّل في «اتفاقيات آبراهام»، أي أبو ظبي، وإن ظلّ حريصاً على إرضاء تل أبيب على طول الخطّ، إلّا أنه لن يكون، بَعْد اليوم، طليق اليدَين في تنفيذ تلك الاتفاقيات وتطويرها. تقيُّدٌ لا يجد الكيان العبري إزاءه، بدّاً من طرح شكوك كثيرة، في الحدّ الأدنى، حول «قصّة الحبّ» التي انطلقت أيّام دونالد ترامب، ويبدو أنها بدأت تواجه اختبارات غير سهلة
وفي هذا الإطار، اعتبرت الخبيرة في شؤون دول الخليج في «المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (Mitvim )»، موران زاغا، في حديث إلى صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، أن «السقف الزجاجي للاتفاقيات (آبراهام) أصبح أكثر وضوحاً الآن… ستكون هنالك قيود في ما يتعلّق بالعلاقات مع إسرائيل»، مضيفة أن «الاقتراب من إيران والاقتراب من إسرائيل معاً، لا يُجديان نفعاً». ورأى يوئيل جوزانسكي، من «معهد دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، بدوره، أنه «إذا كان هناك اتفاق (نووي)، ستَتشجّع إيران، وسيكون لديها الكثير من المال جرّاء تخفيف العقوبات، وستظلّ قادرة على الحفاظ على برنامجها النووي… سيكون واضحاً مَن الذي سيتّخذ القرار في الخليج»، في إشارة إلى إيران نفسها. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، من جهتها، عن مصدر أمني إسرائيلي وصفته بـ«الكبير جداً»، قوله إنه «إذا فُتحت الأبواب بين إيران والإمارات، فإن كلّ هذه القصّة (التطبيع) يمكن أن تتغيّر نحو الأسوأ»، وإعرابَه عن «قلقٍ عميق من تطوّر العلاقات بين الإمارات وإيران؛ ففيما يسافر آلاف الإسرائيليين إلى الإمارات، ويُستَقبلون بحفاوة، فإن وجود الإيرانيين هناك يمكن أن يكون خطيراً». وعلى رغم أن القلق الإسرائيلي، في جزء منه، يبدو مبالَغاً فيه، في محاولة للتشويش على التحرّكات التي من شأنها كسر عُزْلة إيران، فهو يستبطن، في الوقت نفسه، مخاوف جدّية من إمكانية تَشكّل نظام إقليمي جديد، يتراجع فيه دور القوى الخارجية الداعمة للمصالح الإسرائيلية، خصوصاً في ظلّ ما يَظهر أنه سياق دولي يُعلي التفاهمات الظرفيّة والضيّقة، على حساب التحالفات الثابتة.
حسابات أبو ظبي
لا يبدو التحوّل في العلاقات الإمارتية – الإيرانية خارجاً من سياقاته، التي يمكن تأريخ بدايتها بصيف عام 2019، عقب تعرّض سفينة شحن إماراتية لعملية «تخريبيّة» قبالة إمارة الفجيرة، ثمّ واقعة استهداف «آرامكو» في السعودية. حينها، وبدافع الخوف، بادرت الإمارات إلى فتح حوار مع إيران، توازياً مع إعلانها سحْب قوّاتها من اليمن، لتكون نتيجة الحوار مذكّرة تفاهم بشأن أمن الحدود والملاحة. ومع تسلّم إدارة جو بايدن مقاليد الحُكم في الولايات المتحدة، لمست أبو ظبي بداية تحوّل في المنطقة، سرعان ما استُكمل بسلسلة حوادث أنبأت بمؤشّرات ثلاثة: أوّلها، تراجُع نفوذ واشنطن في غرب آسيا خصوصاً عقب انسحابها من أفغانستان؛ وثانيها، تنامي دور القوى الإقليمية بناءً على ضعف السيطرة المركزية الأميركية؛ وثالثها، تزايد الدول المتداعية، والتي تحوّلت الى ساحات للمواجهة بين القوى الإقليمية، يَصعب فيها تحقيق انتصارات حاسمة، ما يجعل المنطقة في حالة دائمة من التوتّر واللااستقرار، لا تتناسب والمشاريع الاقتصادية. ومن هنا، ثَبُتت لدى الإمارات استحالة الاستمرار في السياسة العدائية التي ترتّبت عليها أكلاف في ظلّ الحضور الأميركي، ومن الممكن أن تترتّب عليها أكلاف أكبر مع تراجُع هذا الحضور، ليعود حُكّامها ويُغلّبوا المصالح الاقتصادية على الحسابات السياسية أو العقائدية. ولعلّ ذلك هو ما يؤشّر إليه قول مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، خلال لقائه أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن «إيران دولة كبيرة وقوية في المنطقة، تتمتّع بموقع جيوسياسي فريد، وطريق سريع يربط بين شرق وغرب العالم».