انتظرها مكالمة هاتفية من الإليزيه، فجاءته رسالة ديبلوماسية من قصر الصنوبر إلى قصر بعبدا حملتها السفيرة الفرنسية آن غرييو إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لإطلاعه على نتائج محادثات الرئيس إيمانويل ماكرون السعودية حيال الملف اللبناني، منبهةً في فحوى الرسالة إلى وجوب “أن يثبت لبنان صدقيته في التزامه الإصلاح” كمدخل أساس لترجمة الالتزام السعودي بمساعدته، بالتوازي مع التشديد على أهمية إجراء “الانتخابات النيابية والرئاسية العام المقبل”… وبغض النظر عن مضمون الرسالة، فإنّ “الشكل الذي تم نقلها عبره إلى عون كفيل وحده باستفزازه” وفق تقييم عارفيه، على اعتبار أنه “لا يعترف ولا يقرّ بأي مفاعيل لمقررات التوافق الفرنسي – السعودي حيال لبنان، بموجب اتصال هاتفي جرى مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وليس معه شخصياً”.
وعلى هذا الأساس، دخلت مقررات جدة عملياً في “غيبوبة” لبنانية تحت وطأة انعدام القدرة والنية على تطبيقها من قبل أركان الحكم والحكومة، على أن يبقى للرئيس ميقاتي “شرف الاستمرار بالمحاولة لتدوير الزوايا أقله في سبيل عودة مجلس الوزراء واتخاذ بعض الإجراءات الحدودية المحدودة في مواجهة عمليات تهريب المخدرات والممنوعات إلى دول الخليج”، كما نقلت مصادر مواكبة لحركته، لكنها توقعت في المقابل أن تشتد وطأة الضغوط عليه من جانب “حزب الله” ربطاً للنزاع الحكومي مع قضية تحقيقات انفجار المرفأ “لا سيما وأنّ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار “رجع” بعد رد دعوى رده الاخيرة (أمس)، ولا شكّ أنّ السلطة لن تستسلم بل ستتربص به وستكون لتحقيقاته بالمرصاد عبر حزم جديدة من دعاوى الرد لإعادة كف يده مؤقتاً عن الملف بانتظار نضوج التسوية السياسية لقبعه”.
إذاً، وبعدما ردت القاضية رندة حروق المكلفة رئاسة الغرفة 12 لمحكمة الاستئناف المدنية في بيروت (إثر تنحي القاضي نسيب ايليا) دعوى رد المحقق العدلي المقدمة من الوزير السابق المدعى عليه يوسف فنيانوس، وقررت إبلاغ القاضي البيطار مضمون قرارها “لمتابعة تحقيقاته”، يستأنف الأخير نشاطه صباح اليوم بعد توقف قسري فرضته دعاوى رده وكف يده، والتي وصلت كلها إلى “حيطان مسدودة” وانتهت إلى كلمة فصل من القضاء حددت “محكمة التمييز المرجع الصالح للبت برد المحقق العدلي”.
وأوضحت مصادر قضائية رفيعة أنّ اتخاذ القاضية حروق القرار بالرجوع عن القرار المدوّن على الصفحات 5، 6، 7 الصادر عن القاضي حبيب مزهر تم تعليله بأنه “صادر عن مرجعية لا تملك حق إصداره قانوناً، وبالتالي جرى اعتباره منعدم الوجود كأنه لم يكن مع إبطال جميع مفاعيله”، لافتةً الانتباه إلى أهمية هذه النقطة بالذات “إذ كان بإمكان المحكمة أن تكتفي برد طلب الرد لعدم وجود الاختصاص، ولكنها حرصت بدايةً على إلغاء القرار واعتباره منعدم الوجود أولاً ثم عادت إلى رد الرد شكلاً وقالت إنه ليس من ضمن الاختصاص النوعي”.
وإذ تنقل المصادر أنّ الانطباع القضائي الطاغي يفيد “بقراءة كل ما حصل لغاية اليوم من زاوية واحدة وهي أنّ الغاية منه مجرد تضييع الوقت في محاولة لسحب ملف تحقيقات انفجار المرفأ من البيطار من غير مسوّغ قانوني”، أعربت في هذا السياق عن “الأسف للإمعان السياسي الحاصل في التعسف باستعمال القانون عبر استمرار نهج تقديم المراجعات القضائية من دون جدوى، خصوصاً أنهم يعلمون يقيناً ألا فائدة منها باستثناء تضييع الوقت وإبطاء العدالة”، متوقعةً في ضوء ذلك أن “تشتد المطالبة بكف يد البيطار وتكثيف طلبات الرد بحقه بعد استئناف نشاطه وفشل التوصل الى فصل ملف النواب والرؤساء والوزراء عن ملف التحقيق العدلي في القضية”، مع ترجيحها في المقابل أن يعتمد المحقق العدلي “تكتيكا جديداً قد يسرّع في وتيرة تحقيقاته، خصوصاً وأنّ المدعى عليهم سيتقدمون مجدداً، عاجلاً وليس آجلاً، بطلبات رد جديدة أمام محكمة التمييز”.
قضائياً أيضاً، انطلق أمس الأول عملياً “العد العكسي” لبت المجلس الدستوري في الطعن الانتخابي المقدم أمامه، ربطاً بانطلاق جلسات مناقشة تقرير المقرر المعيّن لدراسة مواد وموجبات الطعن بتعديلات القانون الانتخابي المقدم من تكتل “لبنان القوي”، وعليه سيكون أمام المجلس مهلة 15 يوماً لإصدار قراره النهائي منذ تاريخ توزيع التقرير الثلاثاء الفائت، فانعقدت أمس الأول (الاثنين) جلسة أولى للتداول بمضامينه في حضور أعضائه العشرة.
وأوضحت مصادر مواكبة للملف أنّ “النقاش في جلسة الاثنين تناول المادة 57 المتصلة بالنصاب النيابي المطلوب لاعتماد الأكثرية البرلمانية، لناحية احتساب النصف +1 من أصل مجمل عدد النواب المشكّل منهم المجلس النيابي قانوناً، أو فقط احتساب الأكثرية من أصل النواب الأحياء الذي يمارسون مهامهم فقط”، وأشارت إلى أنّ المجلس الدستوري سيستأنف اجتماعاته الخميس “لاستكمال البحث في بند آخر”، مع الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الجلسة الأولى لنقاش التقرير “لم تقارب موضوع اقتراع المغتربين ومسألة حصره بالدائرة 16 أو توسيعه ليشمل حقهم بانتخاب 128 نائباً على مستوى كافة المقاعد البرلمانية”.