دائماً تشغل الانتخابات الرئاسية في لبنان بال كل الافرقاء، خصوصاً المسيحيين منهم، فتبدأ كواليسها وخباياها قبل سنوات من موعدها، وبصورة لافتة في الخارج قبل الداخل اللبناني، لانّ الرئيس المنتظر يشغل بال العالمين العربي والغربي، فيتم اختياره وفقاً لما هو مطلوب اقليمياً ووفق ما تبغيه الدول القربية، أي باختصار على الرئيس اللبناني ان ينال مباركة الجميع، وإلا لن يصل الى سدة الرئاسة، وفي حال انقلبت القاعدة تبدأ محاربته حتى يسقط بالضربة القاضية في المعنى السياسي، أي لا يتركونه يعمل وتبدأ محاربته من قبل فريق الداخل، الذي يستمع الى طلبات الى الخارج في هذا الاطار، وهذا يعني انّ الافرقاء اللبنانيين يحاربون بعضهم كما جرت العادة وبأوامر خارجية.

هذا المشهد تنقله مصادر سياسية متابعة للمعارك الرئاسية التي شهدها لبنان، على مدار عقود من الزمن، بحيث عاشت حقبات من تلك المعارك تلخصها بالقول: « في السابق كان المرشح الرئاسي ينام على ان يستيقظ رئيساً في صبيحة ذلك الاستحقاق، وهذا ما حدث مع حميد فرنجية الذي نام رئيساً ليصبح كميل شمعون مكانه في العام 1952، لكن هذه اللعبة انتهت منذ زمن، لتستبدل من قبل دول القرار بمرشح توصله الى قصر بعبدا، وعندئذ تصبح الانتخابات معروفة النتائج سلفاً، حتى انّ معظم الرؤساء باتوا يتلقون التهاني قبل فترة من إجراء الانتخابات الرئاسية، خصوصاً منذ فترة انتهاء الحرب في لبنان».

وتابعت:» ثمة اسئلة تدور اليوم في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، لذا من المتوقع ان نعيش الفراغ الرئاسي المرتقب بعد سنة، وكأنه قصاص لنا بعد ان بات لبنان في عزلة، بسبب « تخبيصات» بعض مسؤوليه».

وحول ما يُحكى عن دعم عربي ودولي لوصول قائد الجيش العماد جوزف عون الى الرئاسة، قالت المصادر المذكورة:» لا شك في انه من افضل الاسماء المطروحة لهذا المنصب، ونأمل وصوله لانه الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو نجح في قيادة المؤسسة العسكرية بقوة، وشخصية قيادية مقبولة من اكثرية الافرقاء، لذا نأمل وصوله لهذا المنصب، علّه ينتشل لبنان من قعر الهاوية، وهو يتمتع بالكفاءة ونعتقد انه أهل لذلك».

ولفتت المصادر من ناحية ثانية الى انتظار ما ستؤول اليه التطورات الإقليمية، وبالتالي معالم التسويات التي نأمل ان تشمل لبنان، وفي انتظار تلك التسوية نأمل ان يتفق المسيحيون ولو لمرة ، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، كما يفعل عادة زعماء الطائفة الشيعية حين يتفقون على اسم موّحد، لأي منصب في الدولة يعود لهم، آملة من الاقطاب الموارنة ان يتناسوا مصالحهم وطموحهم الرئاسي، لمنع وصول الفراغ في الموقع المسيحي الأول في لبنان، الذي ما من شأنه إلحاق الضرر الاكبر بالمسيحيين اولاً وبالتوازن الميثاقي ثانياً.

وشدّدت المصادرعلى ضرورة ان يكون الرئيس صناعة لبنانية، ناقلة هواجس بكركي مما يحصل اليوم من تحوّلات في المنطقة، وعدم وجود جهوزية مسيحية للتعاطي مع هذه المتغيرات والتطورات المتسارعة، وسط تردّي الوضع المسيحي، ما جعله يتطلب عملية إنقاذ سريعة، والمهمة صعبة جداً لان الخلافات السياسية ثقيلة، والمصالحة المسيحية لم تتحقق بعد، ورأت المصادر ان المشكلة الحقيقية لدى الزعماء المسيحييّن، انهم لا يستطيعون الاعتراف بأخطائهم بهدف ترميم البيت المسيحي، وسألت هل سيستيقظ الجميع من أحلام اليقظة ويتخلون عن ذنوبهم الماضية والحاضرة في سبيل وحدة المسيحيّين؟ واعتبرت أن الحل الافضل اليوم هو الوصول الى وحدة في المواقف الهامة، وفي ترسيخ التنوّع السياسي على قاعدة الاقرار بحق الاختلاف، وتنظيم الخلاف بعيداً عن الخلافات ، لافتة الى ان البطريرك بشارة الراعي مستعد لمواجهة تحديات كبرى، في سبيل وحدة الموقف المسيحي، وهو مدرك تماماً لحجم هذه التحديات، لان الساحة المسيحية تنتظر توافقاً من قيادييّها على شخص الرئيس المقبل مع ضرورة تحقيق ذلك قبل فوات الاوان، لان الخطر داهم، فهنالك أسماء كانت مرشحة للرئاسة طُويت، واخرى طامحة وقد لا تكون في مكانها الصحيح، لذا فالخيار الصحيح مطلوب اولاً.