علي شرف زيد الـمَحَطْوري* – خاص الناشر |
الحديث عن أنصار الله -الذين هم اليوم في اليمن يتصدرون الموقف الوطني في مواجهة العدوان الأميركي السعودي على البلاد- يتطلب استذكار أيام النشأة الأولى مع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي وضع مداميك هذا النهوض اليمني وهذا الصمود الوطني الكبير في مواجهة الهيمنة الصهيوأميركية.
والمقصود بأيام النشأة الأولى من أواخر عام 2001م إلى 2004م، وهي فترة التأسيس التي شهدت إطلاق السيد حسين بدر الدين الحوثي صرخته المدوية (الله أكبر – الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام)، وهي صرخة بمثابة شعار لمشروع تحرر كبير لا يخضع لخطوط الصراع المرسومة لكل بلد كي يتقوقع فيها بل يتجاوزها وينطلق إلى رحاب الأمة ليلتقي مع أحرارها كافة دون النظر إلى ماهيتهم المذهبية والطائفية.
وأسمح لنفسي في هذا المقال أن أقتبس من مقدمة كتاب لي صدر خلال هذا العام عن ثورة 21 سبتمبر والتي قادها السيد عبد الملك بدر الحوثي عام 2014م بعنوان (21 سبتمبر.. ثورة أسقطت وصاية) ما يلي:
“يوم قالت أمريكا إنها في هذا العالم هي وحدها الآمر الناهي والآخرون تبع لها برز في ركن من هذا الكون من يقول لا.
لم تكن تلك الـ (لا) بالأمر اليسير أن تقال في تلك المرحلة ولكنها قيلت، وصُدع بها من ذلك الركن (اليمن) الواقع جنوب شبه الجزيرة العربية مهد خاتم الرسل وخاتم الرسالات.
فعند وقوع أحداث الـحادي عشر من سبتمبر 2001م قررت الإدارة الأميركية حينها أن تستغل تعاطف العالم وتذهب في توظيف تلك الأحداث بما يخدم أجندتها الاستعمارية إلى أقصى حد ممكن، فحملت لواء الانتقام من “الأشرار” ورفعت شعار “محاربة الإرهاب”، وقال رئيس الولايات المتحدة الأميركية جورج دبليو بوش قولته المشهورة: من ليس معنا فهو ضدنا.
لا خيار إذًا أمام دول العالم سوى أن تنصاع للإدارة الأميركية أو عرضت نفسها لخطر تصنيفها دولًا مارقة على الحاكم بأمره في البيت الأبيض.
ولما تبين من الوهلة الأولى أيضًا أن بلاد العرب والمسلمين هي ساحة الانتقام الأميركي، كان ذلك دافعًا لغالبية الأنظمة العربية والإسلامية أن تنخرط في المشروع الأميركي دون النظر إلى عواقب ذلك الخيار، ومن تلك الأنظمة نظام علي عبد الله صالح في اليمن.
وهكذا تبدّى أن الركن اليماني قد أصيب بصدع كبير في الخيارات المتضادة إلى حد التصادم، فنظام صنعاء مع أميركا دون أي حرج وله حساباته، ورجلٌ جاء من أقصى المدينة (السيد حسين بدر الدين الحوثي) وأقصى شمال البلاد يعلن موقفًا مغايرًا دون أي فزع وله حججه وبيناته.
وكان ذلك الصدع الكبير في اليمن إيذانًا بولادة مشروع تحرر قُدر له أن يكون ذا شأن في إعادة توجيه دفة سفينة البلاد نحو مواجهة الأمواج الأميركية العاتية”. انتهى الاقتباس.
ركائز مشروع التحرر لدى السيد حسين الحوثي
مع مطالعة محاضرات السيد حسين الحوثي يتبين للقارئ من أول نظرة أنه أمام منهجية تستند أول ما تستند إلى القرآن الكريم (المنهج).
ولماذا القرآن الكريم؟ ذلك لأن واقع الأمة وما تمر به من حالة وهن وعجز، حتى صارت مستلبة القرار ومسلوبة الكرامة والأرض والثروات، جعل السيد حسين الحوثي حاسمًا في أن ذلك الضعف ما كان ليكون لولا أن الأمة تسير على غير هدى من أمرها وبين ظهرانيها كتابٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وذهب السيد حسين في محاضراته مذهب القرآن في تبيين طبيعة الصراع القائم، وأي هوية لأولئك الأعداء الذين ينبغي أن تتجه الأمة لمعاداتهم وتكون على حذر منهم وعدم الاتكال عليهم، وصولًا إلى تشخيص دقيق لأسباب الإخفاق الحضاري على مدى قرون من الزمن، وكيف يمكن تجاوزها والأخذ بعوامل الانتصار وفقًا لمنهجية شاملة ومحكمة تضمن النصر كسُنة إلهية عابرة للزمان والمكان.
ثاني ركيزة، وهي متصلة بالأولى، ولا تنفك عنها، وهي (القيادة والقدوة)، وهي بلا شك، وكما القرآن الكريم، يؤكد عليها بأنها ماثلةٌ في رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والآيات القرآنية التي تحث المسلمين على الانقياد والتسليم (للنبي – القائد) وهي كثيرة في هذا الشأن، وهي بحسب سياقها كما في سورة المائدة على سبيل المثال من الآية 51 إلى الآية 56، فإن النصر والغلبة عاقبةُ من يلتزم تلك المنهجية المشار إليها في تلك الآيات المحكمات.
أنصار الله: صعود ثوري وصمود وطني
عام 2014م قاد السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي ثورة شعبية أطاحت بحكومة المحاصصة التي أنتجتها المبادرة الخليجية، والتي كرست وصاية الخارج على البلد خلافًا لما كانت تتطلع إليه ثورة فبراير 2011م.
كانت ثورة 21 سبتمبر 2014م تتويجًا لمسار طويل من الصراع خاضه أنصار الله في مواجهة سلطة أدمنت التبعية للخارج حتى بات البلد محكومًا من قبل السفارات الأجنبية خصوصًا الأميركية والسعودية، ولم يعد لمؤسسات الدولة اليمنية أي دور سوى تنفيذ رغبات الأجنبي، وهو ما فاقم من حدة الصراع الداخلي. وزاد الأمر سوءًا أن أحزاب المعارضة كانت الوجه الآخر للسلطة في الخضوع للأجنبي والسباق نحو الفوز برعايته وتقديم فروض الطاعة له على حساب المصلحة الوطنية.
وكان لانتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م دويّ على مستوى الإقليم خصوصًا داخل الخليج وبالأخص السعودية التي وجدت نفسها وجهًا لوجه مع ثورة صاعدة تطمح لتحرير القرار السياسي اليمني الوطني وتنتزعه من بين براثن الانصياع الأعمى للخارج.
ومع أن ثورة 21 سبتمبر لم تبادر بأي شكل من الأشكال إلى معاداة أي نظام عربي، بل آمنت بحسن الجوار ودعت إلى التواصل والحوار، لكن طبيعة السعودية كواحدة من أهم ركائز مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة وجدت نفسها في خصام بل في صدام مع ثورة يمنية وطنية تحررية.
بعد ستة أشهر من انتصار ثورة 21 سبتمبر تحديدًا في الـ26 من شهر آذار مارس 2015م استيقظت المنطقة والعالم على حرب عدوانية باسم عاصفة الحزم أعلنت حينها من واشنطن، بهدف إعادة فرض الوصاية على اليمن، ودفْع أنصار الله للعودة إلى كهوف سنوات الحروب الست بين عامي 2004م – 2009م في صعدة.
وكانت المفاجأة غير المتوقعة من صديق ولا عدو أن الحرب العدوانية استنهضت همة وعزيمة الشعب اليمني ليقف بكل قوة في وجه هذا العدوان.
وفيما نحن بصدد كتابة هذا المقال ها هم اليمنيون الأحرار يتقدمون في الميدان، وباتوا على مقربة من تحرير كل محافظة مأرب، وبموازاة ذلك تم التقدم في الساحل الغربي التابع إداريًا لمحافظة الحديدة إلى أطراف محافظة تعز ليكون بذلك شمال اليمن محررًا بشكل كامل تقريبًا، وهو ما يساعد على التوجه بخطى واثقة نحو تحرير المحافظات الجنوبية المحتلة من قبل قوات سعودية وإماراتية، وهكذا يكون اليمنيون قد أطاحوا بخطوط صراع فرضت عليهم أميركيًا في الداخل وضمنوا لبلدهم اليمن أن يكون قوةً إقليمية ذات وزن دولي وشأن عالمي، ومن موقعها الجغرافي وعقيدتها التحررية ومكاسبها العسكرية وشعبيتها المتعاظمة يؤمل منها أن تكون مددًا لمعركة تحرير فلسطين كل فلسطين.
*كاتب سياسي يمني