بلال اللقيس: الانتخابات النيابية ساعة الصفر

بلال اللقيس

في أجواء ما يحصل في منطقتنا من تحركات سياسية ودبلوماسية كبيرة، تتقاطع فيها الملفات المتشابكة والمتعارضة، بين دول المحاور المختلفة، بما يشي بجهود لرسم واقع جيوبولتيكي جديد. كان لنا هذا اللقاء الحواري مع الباحث السياسي الدكتور بلال اللقيس، للتحدث عن هذه المسارات واستشراف مآلاتها، خصوصاً من خلال ربطها بالواقع في لبنان. هذا الواقع الذي يتوقع له أن يزداد تشابكاً، بين فريقي السيادة الذي يقوده حزب الله، والفريق الذي تقوده أمريكا مباشرةً هذه المرة.

وهذه تفاصيل اللقاء الحواري:

يلاحظ الكثيرون في لبنان، أن هناك اختلافاً واضحاً وكبيراً بين المسار الذي تسلكه المنطقة من مفاوضات وتسويات، وبين المسار اللبناني الذي يسير في نفق مظلم لم يحدد حتى الآن هل له نهاية واضحة، لذلك الى اين يتجه المسار اللبناني ربطاً بما يحدث في المنطقة؟

في عموم المنطقة هناك مؤشرات لنوع من التسويات فيها، بغض النظر عن أسباب ودوافع التسويات. أي عندما نتكلم عن حوار سعودي إيراني، أو عن عودة سوريا الى الجامعة العربية، او التفاوض الأمريكي عبر مجموعة الـ 5+1 مع الإيراني (في غرفة جانبية)، بكل الاحوال، ما أقصده هناك مؤشرات على ذلك حتى بين الدول (الأخرى) بين الإمارات وتركيا، وما بين الإمارات وإيران، وتركيا وإيران (خصوصاً بعد المعلومات عن زيارة في المستقبل القريب للرئيس اردوغان) واضح بأن المنطقة ولو أنها في مكان ما هي تحت النار، لكنها ذاهبة باتجاه المفاوضات، ونعيد التأكيد بأنه بغض النظر عن دوافع أي طرف من الأطراف.

هناك مسار ولو بطيء (جس نبض او استكشاف) أي أن هناك حرارة سوف تزيد مع مرور الوقت. أعتقد أن هذا المسار ضروري، بحسب دوافع الذين يتحركون فيه، ولا أقصد بذلك دافع محور المقاومة لأن دافعنا معروف: نحن نريد ذلك ولدينا مصلحة في وجود التفاوض بالمنطقة بين قواها-وطبعاً “إسرائيل” ليست من دول المنطقة ولا نعترف بها- بعيداً عن التأثير الخارجي ونقصد بذلك التأثير الغربي أي الولايات المتحدة الامريكية. أي موضوع للتفاوض تستطيع هذه الدول طرحه، وهذا أصلاً هو مشروع الجمهورية الإسلامية الأساسي، مثل النظام الأمني الإقليمي في الخليج، كله مرتبط بالحوار بين هذه الأطراف بين بعضها البعض، والإيرانيين مستعدين لإيجاد أي صيغة لحل مشاكل المنطقة بين بعضهم.

هذا الاتجاه يسير، لكن ممكن أن يكون الدافع للطرف الثاني مختلف، فهو من الممكن أن يكون له علاقة بتخلٍ أمريكي، أو شعور بأن إسرائيل لن تستطيع ملئ الفراغ، هناك الكثير من النقاشات عندهم، حول أن يتركوا كما حصل في أفغانستان. أو ما يمكن له الحصول في العراق، خاصة مع النقاش الحاصل في هذا البلد حول الانسحاب الأمريكي منه، هناك نقاش فعلاً، ولا نريد الحسم حول تحققه من عدمه. كما يمكن للطرف الثاني أن يكون قد وجد المصلحة في توزيع أبعاده وحركته السياسية، حتى يحفظ ما يمكننا تسميته “خط الرجعة”، في حال ذهبت الأمور باتجاه آخر. إذا نجحت المفاوضات، ولو هناك شكوك في أن تنجح المفاوضات بمعناها الواسع، أو إذا فشلت المفاوضات، يحفظ له موقع خطوة “رجعة”. نحن نفهم دوافعهم، ونضيف في أن هناك دافع وهو أنهم قد خسروا المعركة، معركة 11 سنة، فصاروا يريدون تغيير سياساتهم، وهذا شيء جيد. ونضيف أيضاً للدوافع، هناك البعض منهم، وجد أنه من خلال فتحه المجال باتجاه الإسرائيلي، ولكيلا يظهر أنه ذهب باتجاه واحد، فإنه قام بفتح المجال أمام سوريا أيضاً، لكي يقيم توازناً وفق حساباته.

فإذاً لكل منهم دوافعه وأسبابه، لكن الناتج أن المنطقة تسير بمسار، تشير مجساته تؤكد أن حرارته ستزداد، لها علاقة بمسار المفاوضات وإلى آخره.

لذا عند طرح السؤال عن “لماذا لا ينعكس هذا المسار على لبنان بشكل مباشر؟”، فإن الجواب بأن هناك سببين لذلك:

السبب الأول وهو الأهم، وجود حزب الله في لبنان كرادع للكيان الصهيوني، وكملهم إقليمي.

فالأمريكيين يحاولون عزل المسألة اللبنانية عن الإقليم، لأنهم يعتبرون بإنه مثلما هناك معضلة اسمها “إيران”، ومن المفترض التعامل معها من خلال التفاوض، وفقاً لطبيعتها بأنها دولة، لديهم رؤية وتصور لها. فإنهم يعتبروا أن هناك معضلة في هذه المنطقة اسمها “حزب الله”. وبالتالي إذا جرى التفاوض مع إيران، وقد نجح هذا التفاوض أم فشل، لا يمكنهم عزل هذه القضية عن نفس هذا الكيان، الذي يمتلك نوعاً من الاستقلالية. فبالرغم من أننا نتحدث بشكل صحيح، عن محور المقاومة بأنه متماسك، لكن فإن جماليته تكمن بأنه نوع من المنظومة. بحيث أن كل قوة فيه، هي منسجمة مع القوى الأخرى، لكن لديها قوة دفع ذاتية.

أكبر القوى التي لديهم قوة دفع ذاتية، وتأثير وإرادة فاعلة ومؤثرة في الإقليم العربي، هي حالة حزب الله. لذلك الأمريكيين قد رصدوا بأنه خلال العشرين سنة، أن قوى الإقليم كلها ونقصد الكيان الصهيوني بشكل أساسي، ثم بقية القوى الحليفة له، لم يستطيعوا خلال كل هذه السنوات، من إضعاف نفوذ هذه التجربة المقاومة السيادية التي تطالب وتعمل لاستقلال ناجز وحقيقي في لبنان. لم يستطيعوا تحقيق ذلك، من خلال كل المحاولات، انطلاقاً من العام 2000، عسكرية وغير عسكرية، اقتصادية وثقافية وإعلامية.

وبالتالي فإن الأمريكيين يعتبرون كما هو ظاهر خلال الفترة المقبلة، أنه هو المعني مباشرة بالمسألة اللبنانية. وإذا التفتنا الى ما يحصل في موضوع الإدارة للانتخابات، فإنها هذه المرة تتم مباشرة من قبلهم. كما يلاحظ بأنهم يدخلون في تفاصيل المسائل اللبنانية، وهذا يشكل خلاف كل مسارهم السابق، حيث كانوا يوكلون الأمر للسعوديين وللإماراتيين وبعض الدول الأخرى في الساحة اللبنانية. أو انهم يعتمدون وكلاء، في مرحلة من المراحل بعد التسعينيات على سبيل المثال، من خلال الوكيل السعودي والسوري في لبنان، وأنهم يرعون الوكيلين. أما الآن فإن الأمريكيين يدخلون في تفاصيل القضية اللبنانية. فاليوم هم يدخلون من خلال حاكم مصرف لبنان، ويتدخلون من خلال المؤسسات الأمنية والعسكرية، في القرار السياسي، في الحكومة أيضاً يتدخلون، ووصل الأمر بسفيرتهم “شيا” أن تنزل الى الشارع وتوزع الكمامات، لتصبح كجمعية NGO’s. كما يلاحظ أيضاً، أنهم يبنون سفارة بهذا المستوى.

إذاً هم معتبرين، أن موضوع لبنان بقرينة وجود حزب الله، هذا الحزب الذي استطاع أن ينسج هذه المنظومة من العلاقات المتماسكة، ويؤسس لرؤية سيادية في هذا البلد حقيقةً، ويتغلب على كل المعوقات التي واجهت الساحة اللبنانية، ويزيد من نفوذه فيها، ويشكل ملهم في الإقليم على المستوى العربي. يجب أن تعالج قضيته كمعضلة بوجهة نظرهم (الأمريكيين)، يغض النظر عن الساحة الأخرى.

لذلك نحن نشهد في لبنان أو سنشهد مع مرور الوقت، المزيد من الاشتباك السياسي، وسيعلو ويزداد الاشتباك السياسي والإعلامي وغير ذلك، ولا نحكي هنا عن جانب عسكري، لا سيما بعد الانتخابات النيابية وليس فقط قبلها. لأن الانتخابات ستعتبر نقطة الصفر، بالنسبة للمسار والمشروع الأمريكي، في مواجهة أكبر قوة مع تحالفاتها اليوم وخط سيادي في لبنان، في سنامه حزب الله اليوم. لذلك نحن مقبلون على المزيد من الاشتباك السياسي والإعلامي وغيره، مباشرة مع الأمريكيين، وليس فقط مع حلفائهم.

بموضوع السفارة الامريكية، ألا يخشى حزب الله من مشروع توسعتها وتفاصيل هذا المشروع، وما يرسم لها من أدوار مستقبلية؟

هناك فكرة تستحق النقاش على حدة، فقد أصبح واضحاً بأن فكرة السياسة بمفهومها الكلاسيكي، دخلت مرحلة يمكننا تسميتها بـ “إعادة مفهمة”. مضمونها ومحتواها وفهمنا لها، قد دخل منحاً جديداً، بحيث لم يعد بمنحاه الكلاسيكي، الذي عرفناه حتى نهاية الألفية الماضية. فلنشاهد اليوم-دون الاكتراث لم يصرح به الأمريكي- السلوك الذي يتبعه الأمريكي والسلوك الغربي.

فمثلاً الامريكيون يبنون سفارة في لبنان، تثير الاستفهام حول ماهيتها إن كانت سفارة أم معسكر، أم مبنى لمشروع سياسي يريدون من خلاله استقطاب كل حلفائهم عملياً. أم هو مدرج للطائرات، أم هو مدخل من أجل القيام بمخابراتهم وجمع المعلومات على صعيد المنطقة. فاليوم عندما تشاهد ماذا يحصل في هذه السفارة التي يبنونها، ستتساءل حول وفق أي مبدأ يتم هذا المشروع؟ هل هي وفق قرارات وقوانين ودبلوماسية واتفاقية فيينا؟ الجواب هو لا، فالأمريكي يتكلم بالسيادة، لكن علينا ألا ننظر لما يقوله، بل إلى ممارساته التي تشكل انتهاكاً للبنان على كل المستويات.

ولو نظرنا اليوم الى المقاومة في لبنان، فإننا نراها بحق “عاقلة جداً “، فهي ان ارادت التكلم بالسيادة، فإنه يحب البدء أولاً، بالتصدي لهذا الانتهاك الصارخ للأمريكي بحق السيادة اللبنانية.

فالأمريكيون يصنفون شريحة من اللبنانيين بالإرهاب، ينشؤون سفارة لا أحد يعرف ما هي أدوارها على صعيد المنطقة. وهم يقولون ذلك من خلال وصفها بانها لإدارة شؤونهم في المنطقة. فأين يقع هذا الأمر، في مفهوم السيادة، أو في مفهوم اتفاقية فيينا، أو في مفهوم الدبلوماسية.

ثالثاً، من خلال استقطابهم لجماعات من المكونات اللبنانية، فيقومون بدعمهم وتمويلهم، لكي يقوموا بالفتن في داخل لبنان، وليس للدفاع عن سيادته. وقد شاهدنا أنهم ينفذون فتناً حقيقية، من خلال التهجم على أطراف لبنانية.

فلنتصور أنه بمقابل أمريكا، قام الإيرانيون بالإعلان “أن هناك شريحة من اللبنانيين نعتبرهم إرهابيين”، فماذا كان سيحصل في لبنان، وماذا كان سيفعل السياديون والأثرياء الجدد؟ ماذا كان ليفعل حلفاء أمريكا؟ كانوا ليخربوا الدنيا باتهام إيران بانتهاك السيادة لاتهامهم بالإرهاب.

لذا فبنظر هؤلاء، فإنه مسموح للأمريكيين كل شيء على مستوى عدم احترام سيادة لبنان. وأكثر من ذلك، لو قامت إيران وأعلنت أنها تريد إنشاء سفارة، ستدير من خلالها أي مشروع، لأقاموا الدنيا بحجة الدفاع عن السيادة، أو لو قامت إيران بتغذية طرف على حساب طرف.

مع العلم بأن حزب الله يقول بأن شرعيته من خلال مقاومته للكيان الصهيوني، وفي مقاومته للتكفيريين. وهذه البنية التنظيمية هي من أجل تعزيز سيادة لبنان، وأي تصرف عكس ذلك، فيكون من خارج رؤيته للبنان. فرؤية الحزب هي الدفاع عن لبنان كله، وليس للصراع مع القوى اللبنانية. كما يرى بأنه حتى لو انهزم سياسياً، كما حصل في انتخابات العام 2009، فإن سلاحه ليس له أي علاقة بالقضايا الداخلية والمنافسات اللبنانية. هذا السلاح هو لحماية ومساعدة كل اللبنانيين، سفينة النفط التي استقدمت هي لإنقاذ كل اللبنانيين.

هذا هو نمط تفكير “حليف إيران”، مقابل أنماط تفكير حلفاء أمريكا، الذين يفكرون من خلال خلق الشقاق وأخذ البلد نحو التقسيم والفدرلة.

المقصود من هذا القول، أن نموذج السفارة يكشف بأن الأمريكيين قد خرجوا من المفاهيم الكلاسيكية للسياسة، و”نزلوا الى الأرض” من خلال بناء أشياء غريبة عجيبة. مثال على ذلك أيضاً، ما يحصل في مطار رياق وحركة الطائرات العسكرية فيه. وفي مطار حالات من خلال الطائرات المسيرة، وفي الفضاء (من خلال الأقمار الاصطناعية) التي لا تغادر الساحة اللبنانية ولو لدقيقة، كي يقوموا هم وحلفائهم بتصوير كل الساحة. ويطلب رئيس الجمهورية من الأمريكيين إعطائه صورة للمرفأ، لكنهم يرفضون ذلك (من أجل التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت). في المقابل يقوم الأمريكيون بتجيير حادثة المرفأ باتجاه حزب الله.

أكثر من ذلك، يقوم البريطانيون بالصعود الى الحدود السورية اللبنانية، وينشرون المواقع هناك. كيف دخلت هذه القوات، وما هي مهامها؟

بعدها يأتي قائد القوات الوسطى الأمريكية، ويذهب الى منطقة البقاع الغربي تحت ذريعة الاضطلاع على بئر مياه هناك، في منطقة “الخيارة”، فما هو هدف الزيارة الحقيقي إلى هناك؟

كل هذه الشواهد هي بقصد القول، أن الأمريكيين يقومون بممارسات، واحدة منها هي هذه السفارة الجديدة، التي لاحقاً سيكتب ويكشف عنها معلومات مرعبة جداً. وأمور أخرى يعمد عملياً للقيام بها، منتهكاً كل المفاهيم التي يدعي العمل فيها، والتي لها علاقة بالسياسة الكلاسيكية واتفاقية “وستفاليا” والسيادة. ومحاولاً بذلك، تحويل السياسة إلى نمط عملاني ميداني، يسير فيها بعيداً عن كل المبادئ والمعاني.

فمجموعات المجتمع المدني عملياً، هي التفاف على كل المفاهيم السياسية والسياسية الكلاسيكية، نحو إعادة خرق واختراق المجتمع، من أجل إنتاج وجه جديد في المجتمع لصالح الأمريكي.

كل هذه المفاهيم، يؤسس لها الأمريكي من خلال الممارسة، ولذلك نعم فإنهم يعتبرون لبنان من الجهة السياسية، بأنه مكان منتهك بكل ما للكلمة من معنى. وأيضاً يعتبر أنه في لبنان هناك حزب الله، وبالتالي يجب مواجهة هذه المعضلة، من خلال المزيد من هذه القرائن. والسفارة هي دليل افتراض أمريكا، أن لبنان ما زال يشكل المدخل الأهم إلى المنطقة، كما هي الحال مع الكيان الصهيوني الذي يشكل مدخلاً أنغلوفونياً لها، بهدف إعادة التحرك والحضور فيها. خصوصاً في ظل الحديث عن التوجه الى الشرق، وإعادة ترتيب وانتشار جديد، يكون فيها لبنان جزء من شرق المتوسط.

_ كيف سيواجه حزب الله ذلك؟

حزب الله مؤمن بهذا البلد وسيادته، وهو يقاتل من أجل سيادته ويدفع الأثمان من أجل ذلك، من دماء شبابه وعرقهم، وبمظلومية. فالحزب مظلوم في الدولة، بمؤسساتها وواقعها، بحيث “ندفع غرم ولا نأخذ غنم في لبنان”. وكثير من القوى والأحزاب تطالبنا بأن خذوا غنم على قدر الغرم الذي تدفعوه من أجل الدفاع عن لبنان. فإذا جئنا اليوم ووضعنا كل الأحزاب اللبنانية وحزب الله، من قدم لهذا البلد على مستوى النظرة الكلية، لسيادته ولاستقلاله وللدفاع عنه، لحفظه وللتواضع إزاء كل المصائب التي تحدث في البلد، وما زلنا لم نأخذ أي مكسب، إذاً من قدم بقدر ما قدمه حزب الله. لا يوجد ابدأً، والذي قدمه الحزب هو لكل لبنان، حيث يقف الحزب أمام بيئته الخاصة، ونحن نعرف أن لبنان مشكل طائفياً، بحيث يقولول لنا أنتم تحرموننا من المازوت وتقومون بتوزيعه لكل اللبنانيين بالتساوي، وهناك البعض توزعونه لهم فيقولون “خذوا من حزب الله وسبوا حزب الله”، وحزب الله يعرف ذلك.

يعني نحن اليوم نعطي ذلك (المازوت) لأطراف لها علاقة بمجتمع القوات اللبنانية، فهم يأخذون من حزب الله ويشتمونه ويشتموا إيران، رغم ذلك نحن نقول لهم: هذا النفط لم نحضره لجهة، فكما كنا نقاتل ليس فقط للشيعة والسنة والمسلمين، بل لكل لبنان”. لأننا نؤمن بهذا البلد، ورسالة هذا البلد، ومكانة هذا البلد، وأهمية التنوع في هذا البلد. وبالتالي لا ننظر الى السياسي هنا أو للسياسي هناك، بل ننظر الى المكونات كيف يمكن أن نوطد العلاقات معها، ونبني بلد حقيقةً سيد وحر ومستقل وحاضر.

لذلك ما أريد قوله، دائماً تفكير حزب الله رغم المظلومية والمعاناة، هو كيف يبني هذه الدولة؟

فعملياً، دائماً يجب أن نسأل: أيتها الدولة، أيتها السلطة، أيتها الحكومة، يا وزارة الخارجية، تفضلوا وقوموا بأدواركم، تجاه هذه الهيمنة الأمريكية. وسنظل ندفع باتجاه ذلك من خلال القانون، والدبلوماسية والإعلام والتوضيح والرأي العام، ونزع الشرعية عن الأمريكيين في كل المنطقة وفي لبنان. سنظل ندفع نحو هذا الاتجاه.

ربما تأتي لحظة، لا أعرف متى، وهذا ما له علاقة بالأمريكيين. فمرة كانوا يحاربوننا بالطائرات، أو من خلال قصف مدمرة “نيو جيرسي” لبيروت. كما من الممكن في الغد، أن يطلق من السفارة طائرة درون، ويقوم من خلالها تفخيخ ساحة من الساحاتـ لا نعرف الأمريكي ماذا قد يفعل. إذا هذا مرتبط بالأمريكي.

وفي الوقت الذي لن تتعاطى فيه الدولة اللبنانية مع الأمريكيين، من خلال فرض احترامه لسيادة لبنان. وأعيد تكرار القول بأننا نعول على الدولة الآن وغداً وبعد غد، كي لا يفهم من حديثي أنني أهدد، فنحن معولين عليها وعلى مؤسساتها، لأنه هي التي من المفترض أن تتحمل المسؤولية، وتحمي شعبها ونحن جزء من الشعب. هي التي يجب أن تقف بوجه الأمريكي، وتقول بأنه لا يحق له اتهام (هذه الفئة من الشعب) بأنهم إرهابيين، هم مكون أساسي. وقد قام بذلك الوزير جبران باسيل في فترة من الفترات، وهو مشكور على ذلك. كما يجب على كل الحكومات ان تقوم بذلك، فالدولة هي المعنية بذلك ونحن جزء منها.

ولكن أنا أقول، إذا الأمريكي تمادى وأطاح بالدولة وإلى آخره، ساعتئذٍ لكل حادث حديث، حيث سيكون بذلك يضع نفسه في موقع المتدخل المباشر بل المقاتل المباشر، بمواجهة شريحة من اللبنانيين. لذلك أعتقد أن الشعب اللبناني ساعتئذٍ، لن يقبل بمستوى انتهاك للسيادة يتجاوز الحدود المنطقية أو المعقولة. ساعتئذ يمكن أن ينتج ذلك ردة فعل على أي فعل أمريكي ضار أو مؤذي للواقع اللبناني يأخذه باتجاه التقسيم أو إلى أذى. ربما عندها سيحدث ردة فعل سيكون شعاره أوو عنوانه من وجهة نظري: معركة استقلال ثانية في مواجهة الهيمنة الامريكية في لبنان.

هذا من الممكن أن يأتي بعد فترة، بعد وقت، لا أعرف. لكن من منظوري، أن الأمريكي يسير في مسار يهيأ فيه الشارع اللبناني لمواجهته في المرحلة المقبلة. هذا المسار الذي أراه صراحةً.

_ هناك مآخذ عند فئة من جمهور المقاومة، حول ما يعتبرونه دفاعاً سلبياً لدى حزب الله، من عدم قيامه بأي خطوات عملياتية جدية لتغيير ما يعيشوه من اوضاع. لماذا لم يتخذ الحزب أي خطوات تغيرية او بالحد الأدنى تساهم في ذلك؟

حزب الله مظلوم في هذا المجال والمظلومية منشأها بمكانين، أولا رؤية الناس لحزب الله أنه القادر والقدير والذي عمل هذه الإنجازات الكبرى، وقد هزم إسرائيل ولا يستطيع ان يواجه الفساد؟

طبعا هذا نتيجة الحب، لكن الناس قد لا تميز ان قواعد اللعبة في الداخل، غير قواعد اللعبة في الخارج، والتعاطي مع الكيان الصهيوني والأميركي أو الخصوم وبعض الحكومات العربية، غير القواعد في الساحة الداخلية اللبنانية.

لبنان بلد قلق بطبيعته هش بالكامل، لأنه لم يبن كدولة، ولم يبن مفهوم وطن في لبنان، وطيلة المئة سنة كل الزعامات تتحمل المسؤولية وكانت تعمل لمصالحها، وعاش لبنان بين المقامرين أكثر من 70 سنة من عمره.

اليوم نحن أمام وضع جديد في لبنان، والذي توزعت به المصالح كأرخبيل اقتصادي وثقافي وسياسي وكلٌ يستفيد منه بطريقته، ولا شيء يوحدهم. اليوم نحن نبني مسار توحيدهم مع القوى المخلصة في البلد. ضمن هذا الأرخبيل أيضاً، حصل بعض التواطؤ الداخلي والخارجي، أدت إلى أزمات عديدة، وبلحظة من هذه اللحظات فعّلت هذه الأزمات بقرار أميركي، حصار وما الى هنالك. خاصة عندما أحسّ الأميركي ان لبنان بصدد بناء هوية سيادية جديدة، واستغل هذا الوضع ليستثمر في مواجهة الفساد، ويألّب الرأي العام ضد حزب الله، فيبدأ اللبنانيون الذين ينظرون لحزب الله نظرة مثالية بتحميله ما لا يستطيع حمله، نتيجة طبيعة القواعد في الساحة اللبنانية.

المظلومية الثانية، ان الناس تقول ماذا فعل حزب الله؟ فعل حزب الله الكثير، حقق إنجازات، لكن في بعض الأحيان تصور الناس يمكن ان يكون صادقاً لكن ليس دقيقاً.

حزب الله لا يقدر ان يقتلع الفاسدين ويسجنهم، وذلك دونه محاذير ومخاطر كبرى. حزب الله هو أحد المكونات في هذه الدولة، وجزء من طيف سياسي. ولكن أيضاً هناك أبعاد أخرى، حزب الله يتمايز بها عن الكثير من القوى الأخرى، وهو بالتالي لا يستطيع ان يفرض نفسه على الساحة اللبنانية، لا بالقوة وبالقيادة.

ولا يستطيع إلا ان يمسك بهدوء مع هذه القوى، ويحاول ان يتقدم بهم على الأمام من خلال مؤسسات الدستورية، الرأي العام والاعلام وبقية القضايا، ليبقى في هذه المواجهة، لا شك التحدي صعب، ولا شك ان حزب الله الذي يريد بناء الدولة، لن يفعل ما يناقض مشروع بناءها.

حزب الله حتى الفعل المقاوم الذي نقوم به، يأمل في أن يأتي يوم وتقوم الدولة به، من خلال تحصين وبناء وتشييد السيادة للبنان، بمواجهة المشروع الأميركي والإسرائيلي والتكفيري.

لكن الدولة لا تريد، وكل القوى هم جزء من التحالف الأميركي، لذلك انت مضطر ان تحمل هذه المسؤولية، وتدافع عن بلدك، وعن المقاومة المهددة من كل الاعتبارات.

نحن كمكون ليس لدينا الا هذا البلد، ووحدته، وسنبقى نعمل لبناء الدولة ولو على حسابنا وحساب تضحياتنا، حتى تصل الدولة إلى المستوى المطلوب. عندها يمكن الحديث عن انخراط بالعمل السياسي، وبدأنا نعمل على تثبيت حضورنا وموقعنا بالدولة، ونحن أهل لهذا ونمتلك كل الكفاءات ما يميزنا بذلك.

نحن نعمل على عدد من المستويات القانونية والسياسية والدستورية، والأمين العام هو الذي حرض ضد الفاسدين، بكل ما يمتلك من رمزية وموقعية. وحزب الله ليس كما يريده هؤلاء، أو جمعيات المجتمع المدني الذين لا يسألون ولا يساءلون. وهو لا يمكنه السير في المجهول، لأن أي خطوة بالمجهول قد تأخذ البلد إلى مكان، قد نخسر فيه جميعنا دون استثناء. لذلك مواجهة الفساد خطوة خطوة مع الحلفاء، وبدأت الكثير من المسائل تتحقق فعليا بالبلد.

_ بالنسبة لموضوع مجزرة الطيونة، ماهي معطياتكم حول ما وصلت اليه الامور في المسار القضائي؟ وما هي رؤيتكم لخاتمة الملف؟

بمسار الطيونة هناك نقطتين: النقطة الأولى لها علاقة بالذي أدى إلى الطيونة يعني انفجار المرفأ، الذي أوصل إلى الطيونة وهذا مسار يتم العمل عليه، وله حلول.

أما النقطة الثانية، فهي أن الذي قام بالطيونة والذي دبّر وخطط وأوصل الأمور إلى حادثة قتل وان يقتل أبرياء هو معروف، هو جهة معروفة وليس أفراد، أو قضاة تبرّئ المرتكبين، أولويتي بالسياسة، هو ان الذي أوصلني إلى هنا هو حزب القوات اللبنانية وسمير جعجع.

هذا الشخص هو الذي أتى بالناس بسلاحها من معراب، وبعض القتلة الان موجودون في معراب، أو بعض الذين أداروا العمليات مختبئين فيها حالياً. فإذاً هناك حزب في لبنان لا يشبه لبنان بشيء. هو من خارج العقل اللبناني، يبدو انه يعود للعقل “الهترلي” وعقل النازية، العقل الذي تأسس عليه وتفكيره يقوم على الفيدرالية والكانتون وتقسيم لبنان، وتعزيز الهواجس في لبنان.

انظر سمير جعجع ما هو خطابه؟ بس يخطب السيد نصر الله يرد عليه، إذاً هو خطابه النقد ولا يملك خطاباً. اليوم يريد أن يتزعم 30 نائب من ضمنهم السنة، يعني السعودية تريد ان تقدمه كزعيم للسنة؟ ام هو جزء من المسيحيين؟ سمير جعجع رمز مجزرة صبرا وشاتيلا الذي انتهك أعراض المسلمين، والذي ذبح القضية الفلسطينية، وفعل ما فعله بالمسيحيين قبل المسلمين، وكان جاهزاً ان يأخذ لبنان إلى فتنة بلحظة من اللحظات، لكنه خُذل من الأميركيين وحلفاؤه في الإقليم، لأنهم وجدوا ان المشهد قد يتغير في اتجاه آخر، فهدأ سمير جعجع لأنه لم يجد إلى جانبه في الساحة اللبنانية حتى حلفائه المعتادين، فتراجع.

أريد القول هنا، إزاء موضوع المرفأ بالنسبة للبيطار وغير البيطار، والذي يحتاج إلى حل سياسي والمسار الثاني حزب القوات اللبنانية وكيف يجب التعاطي معه على مستوى الساحة اللبنانية لأن هذا الحزب خطر على المسيحيين وعلى وحدة ومستقبل لبنان، وهذا يحتاج لعلاج في السياسة والثقافة والوعي.

النقطة الثالثة هي الشهداء، هذا الموضوع يجب علينا أن ننتظر القضاء ولا ينتظر منا أحد ان نخرج عن المسار القانوني والقضائي في أخذ حقوقنا، وقد اعتاد حزب الله ان يعبر بالمظلومية، والعبور بالمظلومية سر التوفيق. لأن في ذلك أولا التأكيد على مظلومية هذا الحزب المقتدر القوي، وتأكيد أنه لا يريد إلا مشروع وبناء الدولة، بينما سمير جعجع لا يؤمن بالجيش أن يدافع عن حقوقه، بل يقدم هو على قتل الناس للدفاع عن حقوقه، إذا هو الذي لا يريد الدولة ونحن رغم المظلومية نريد الدولة وهذا فارق مهم.

 وحادثة الطيونة كانت فرق مهم لوجهتين نظر، واحدة كاذبة مخادعة تدعي زوراً انها تريد الدولة، وأخرى طوال تاريخها كانت علاقتها مع كل المكونات وكل القوى، ولم تنخرط بالحروب، ولم تقاتل إلا من أجل الجميع مسيحيين ومسلمين، هي تجربة حزب الله، فليقارن الناس بين التجربتين.


الكاتب: غرفة التحرير

Exit mobile version