لن تعيد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلاقات اللبنانية ــــ السعودية إلى سابق عهدها، ولن تدفع الرياض إلى فتح «الحنفية» التي اعتاد لبنان أن يعتاش منها مقابل الولاء المطلق. فالبيان المشترك الذي خرج بعد لقاء ماكرون ــــ ابن سلمان ليس سوى اشتباك مع حزب الله، نجح وليّ العهد السعودي في جرّ الرئيس الفرنسي إليه
أول من أمس، أعلن ماكرون عن مبادرة فرنسية ــــ سعودية مشتركة لمعالجة الأزمة بين بيروت والرياض، مُشيراً إلى أنه تحدّث مطوّلاً مع ابن سلمان عن لبنان، وأنهما اتّصلا معاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وشدّدا على أن «السعودية وفرنسا ستلتزمان معاً العمل لدعم الشعب اللبناني والرغبة في أن تتمكّن الحكومة اللبنانية من الاجتماع والعمل بسرعة والقيام بالإصلاحات المطلوبة». تلا هذا الإعلان موقف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أشار فيه إلى الاتصال معتبراً أنه «خطوة مهمّة نحو إعادة إحياء العلاقات التاريخية مع المملكة العربية السعودية» وفقاً لتغريدة نشرها على «تويتر»، ومن ثم اتصالات أجراها رئيس الحكومة مع عدد من القوى السياسية أكد فيها أن ابن سلمان «كان إيجابياً جدّاً» معه، وأنه رحّب به وبزيارته المملكة «في أقرب وقت»، واعداً «بمساعدة لبنان والحكومة». وقد خُيّل لميقاتي، كما لكثيرين، أن المبادرة الفرنسية ــــ السعودية هي خشبة خلاص للبنان من الانهيار الذي يواجهه. وأن الرياض قررّت أخيراً «الصفح» عن لبنان واللبنانيين والعودة الى «فتح الحنفية» التي اعتاد فريقها في لبنان أن يتغذّى منها سياسياً ومالياً. إلا أن تدقيقاً صغيراً في البيان المشترك، كما في المواقف التي خرجت على لسان مسؤولين سعوديين وصحف سعودية، يؤكّد أن «السعودية لم تُغيّر في موقفها قيد أنملة»، بل أكثر من ذلك يبدو أن الرياض نجحت في جرّ ماكرون إلى تبنّي العنوان السياسي الذي تريده، وهو «الاشتباك مع حزب الله»، علماً بأن باريس حرصت بعد انفجار المرفأ ودخولها مباشرة على خط الأزمة على أن تبتعد عن تأزيم العلاقة مع حزب الله.
في الشق المتعلق بلبنان، جرى التشديد على «ضرورة حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ومصدراً لتجارة المخدّرات»، كما «على ضرورة تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701، وأهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، وإنشاء آلية سعودية ــــ فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة»، والعزم على «إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني».
مصادر سياسية قرأت في البيان «عودة إلى فترة عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان عنوانها آنذاك أيضاً تطبيق القرار 1559». واعتبرت المصادر أن «ما يُحكى عن انفتاح سعودي على لبنان غير صحيح، بل إن البيان يؤكد أن الرياض نجحت في دفع فرنسا إلى تبنّي مشروعها السياسي الذي يثير انقساماً حاداً». فهي من خلال «ما جرى التشديد عليه في البيان تطلب مجدداً أن يقوم فريق لبناني بمواجهة فريق لبناني آخر، كما سعت دائماً ولم تنجح».
ثم إن ماكرون الذي حاول دفع اللبنانيين الى الاعتقاد بأنه «نجح في إقناع الرياض بإعادة وصل ما انقطع من خلال تفعيل التعاون الاقتصادي، وإعادة التمثيل الدبلوماسي وفتح خط الصادرات ليس صحيحاً». حتى الآن، لم تقدم المملكة على خطوة تؤكّد نيّتها المساعدة. فضلاً عن أن كل ما يتعلق بالمساعدات «سيأتي الى لبنان ليس عبر الحكومة، وإنما سيقدّم للجمعيات عبر باريس»، وبالتالي «لا وعود مثلاً بمساعدات مالية كبيرة للخزينة أو لمصرف لبنان». واعتبرت المصادر أن «ماكرون الذي قبِل بحكومة الحدّ الأدنى لأسباب انتخابية داخلية، وافق على الشروط السعودية في ما يتعلق بلبنان من أجل تحصيل مكاسب أخرى عشية البدء بالحملات الانتخابية في المعركة الرئاسية الفرنسية التي يسعى فيها إلى الفوز بولاية جديدة».
ومهما حاول الرئيس الفرنسي الإيحاء بإيجابية المبادرة، إلا أن الموقف الحقيقي للمملكة يُمكن رصده في ما قالته صحيفة «عكاظ» السعودية التي اعتبرت أن «من الساذج اعتبار تصريح مسيء للسعودية من مسؤول لبناني هو لبّ المشكلة وكلّ القضيّة، وأنّ خروجه من التركيبة الحكوميّة سيحلّها ويعيد العلاقات إلى ما كانت عليه». وأشارت إلى أن «التركيبة السياسية الراهنة اختارت الرضوخ لهيمنة حزب الله والخروج من الفلك العربي، والإساءة إلى أكبر الداعمين للبنان وأخلصهم، وعندما يصرّح الرئيس الفرنسي ماكرون بأنّه سيبحث بعودة الدعم الاقتصادي للبنان من الدول الخليجية، فإنّ ذلك ليس بالسهولة الّتي يتصوّرها، ولن يتحقّق لمجرّد أنّه طلب من الحكومة اللبنانية إقالة قرداحي (…) المشكلة أعمق بكثير من هذه الشكليّات، فلبنان أصبح خطراً على نفسه وعلى محيطه العربي، بتحوّله إلى بؤرة تحتضن واحدة من أخطر الميليشيات الإرهابيّة، التي تصدّر كوادرها للإخلال بأمن دول الخليج، تنفيذاً لتعليمات إيران، وقد أصبح هذا الحزب الشيطاني هو المسيطر الحقيقي على كلّ شيء في لبنان، وبالتالي لن ينجو هذا البلد إلّا بعلاج الداء الحقيقي الذي يعانيه».
فرنجيّة لن يعين بديلاً
لا يزال رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة عند موقفه الذي أبلغه الى الرئيس نجيب ميقاتي وشقيقه طه، قبل ثلاثة أسابيع، بأنه في حالة استقالة الوزير جورج قرداحي لن يقدم على تعيين بديل منه، ويفضل ترك الأمر لغيره. ولا يبدو أن هناك حماسة لدى أيّ من رئيسَي الجمهورية والحكومة لاختيار بديل من قرداحي سريعاً، وخصوصاً أنه يشغل حقيبة لا ينظر إليها على أنها أساسية.
من جهة أخرى، لا يبدو أن النقاش حول البديل مرتبط بما أشيع عن تنازع مقرّبين من فرنجية على المنصب. إذ إن السوابق تشير الى أن الأخير لا يحتاج الى عقد تسويات في فريقه عندما يقرّر من يمثله في الحكومة أو في أيّ منصب آخر، كما أن البحث لم يتطرّق الى الفكرة التي تقول إن وجود وزير بديل سيكون له تأثيره على وضعية الحكومة لناحية التصويت أو الثلث الضامن، في ظل تفاهمات تبدو قائمة بأن أي قرار استثنائي لن تتّخذه الحكومة من دون وجود توافق واضح بين القوى المشكّلة للحكومة نفسها.