فؤاد البطاينة
كان قد بدا للشعب العربي بأن فكرة القمة العربية حين ابتدأت في عام 1946 كانت على قياسه . حيث هذا ما يستنتج من قراراتها التي قامت على ركنين يلخصان المطلوب وهما، (الأول \\ اعتبار فلسطين قطر لا ينفصل عن البلاد العربية، وقضيتها قلب القضايا القومية، والعمل على استقلالها ودعم الشعب الفلسطيني بكل الوسائل، والوقوف بوجه الصهيونية كخطر يتعدى فلسطين الى كل البلاد العربية والإسلامية. والثاني // هو دعم استقلال الدول العربية بدعم شعوبها ومواجهة سياسات أمريكا وبريطانيا في فلسطين والمنطقة). لا أجمل من هذا الكلام. إلا أن مسيرة سبعين عاما من القمم كانت سيرة تراجع مُبرمج في الجوهر والشكل تَطوَّر الى حرب ذكية على هذه الأهداف، والمحصلة هي كما نراها اليوم من توسع وتعمق في تبعية الدول العربية وفقدانها لسيادتها، وارتمائها بحضن الصهيونية، وتحول أنظمتها لأدوات حادة وقنابل تهبط على رأس القضية الفلسطينية وتكرس الإحتلال وتجعل من شعب فلسطين غريماً لها.
المتتبع لمسيرة بيانات وقرارات القمم العربية لا يمكنه بالمنطق وصف النتائج التي حصدناها على أنها مجرد فشل بريء لهذه القمم، فقد كانت هذه النتائج حثيثة ومتدرجة، ولم تبحث أي قمة بأسباب تصاعد الفشل في أي مرحلة أو إثر نكسة، ولم تلتزم أو تُفعل القمة يوماُ أي قرار إيجابي لها. بل كانت تَبني على الفشل ما يؤدي لفشل أخر أعمق. لقد نشأت هذه القمم العربية في حضن ورعاية الجامعة العربية. وكانت هذه الجامعة بسبع دول من الصعب أن نوصف أي منها حينذاك بمستقلة وصاحبة قرار بمواجهة امريكا وبريطانيا. ومن الصعب القول بأنها جامعة نشأت بغير إرادة بريطانيا. فهل المنطق يقضي القول بأن سبب وهدف قيام الجامعة العربية عام 1945 كان مختلفاً في طبيعته بين بريطانيا من جهة ودول الجامعة العربية أنذاك؟، أم أن مثل تلك القرارات الإبتدائية التي قامت عليها القمة الأولى كانت خادعة للشعب العربي وجاءت في سياق نهج سياسي كُتب له أن يُعتمد في سياسة الأنظمة العربية لسنين لاحقة لامتصاص مشاعر الغضب لدى شعوبنا وكسر إرادتها وإحباطها وتغيير مفاهيمها على دفعات ثم التمكن منها؟
ومع هذا نستنتج من قرارات القمة الأولى وانعكاس رغبات الشعب العربي وإرادته فيها أن ذاك الجيل من الشعب في أقطاره كان يتمتع بوعي مبكر على طبيعة الصراع العربي – الصهيوني وبأنه كان له حضور مؤثر على الحكام والمستعمرين ويُحسب له حساب كشعب لم يبتلع سايكس بيكو ولم يكن يعتبر فلسطين وشعبها. إلّا قطعة من قطره كوطن عربي واحد. فأين هذا الحاضر من ذاك الأمس. وأين الأمس والحاضر من وجود الجامعة العربية وقممها.
لم تكتف الجامعة العربية وبالذات قممها التي كان بعضها ينقل نقلاً حياً مباشرة إلى تل أبيب بدورها التأمري والتدميري في جسد القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولا بتسببها في نكسات الحروب وفشل الأقطار العربية وتدميرها، بل اتجهت لتلعب دوراً أخر إحباطياً واستنزافياً لوعي أجيال الشعب العربي ومفاهيمه السياسية. حيث كانت كل قمة تخرج على شعوبنا بحقنة تخدير، وما أن ينتهي مفعولها إلّا وتأتي بقمة أخرى وحقنة أخرى ولكن ممزوجة بتراجع في المواقف من القضية، إلى أن أدمن شعبنا على التعايش مع كذبهم ونفاقهم وعجزهم. فجنحت هذه القمم لاتخاذ ذلك فرصة ومنفذاً للإستسلام الذي نراه اليوم، واستقر أكثرهم يمارسون الدعارة السياسية المكشوفة بلا خجل على هامش كذبة حل الدولتين، بينما جنح الشعب بالمقابل للصمت تحت معاول حملات الفقر والبطالة والتجويع والقبضة الأمنية.
السؤال الإستنكاري الذي سيبقى مطروحاً لليوم والغد في وعي كل عربي هو، ما الذي كان وما زال يجمع من يأنسون بأنفسهم الشرافة والوطنية والقومية من حكام العرب مع المكشوفين لهم وللشعب العربي والملأ بخيانتهم التي تدرجوا بها من السر للعلانية وإلى التحالف مع اسرائيل والغرب المتصهين . فأي ذريعة هذه ياسم الوفاق العربي التي ما انفكت تنخر بعظامنا ولم تتوقف . وكيف تلتقي الخيانة مع الشرف في حوارات قمم، وعلى ماذا وأي هدف يلتقي الصادقون مع المتأمرون والأحرار مع الأذناب في عمل مشترك . وماذا يجمع المتكلمون بالأصالة عن ضمائرهم والنيابة عن شعوبهم مع المتكلمين والفاعلين بالوكالة عن الصهيونية تحت سقف واحد ومفتوح للعدو. أليس هناك من برزخ بين الدنس والطهارة.
الخطأ الإستراتيجي القاتل لذي ارتُكب تاريخيا وما زال يرتكب بحق شعبنا العربي وأقطاره وبحق فلسطين وقضيتها، يتمثل في القمم العربية حين جمعت وتجمع بين أضداد استراتيجيين على ذات الأهداف الإستراتيجية تحت سقف واحد. هذا تزاوج مهلك ومحرم ومنافي لمنطق الأمور والأحرار، ونتائجه وبالاً متوالداً.. ويمتد الخطأ الاستراتيجي ذاته الى المشاركة في جامعة أسستها بريطانيا وتكفلت بسيادة أذنابها عليها واليوم تقاد علانية بوكلاء الصهيونية وأعداء القضية وطموحات الإنسان العربي. فهذه الجامعة وقممها لم تصمم لأحرار العرب من الحكام بل لأضدادهم، والشواهد تتكلم عن نفسها، والخطأ الاستراتيجي لا يعالج إلا بعمل استراتيجي. وبهذا أقول.
إننا في الوقت الذي نأمل فيه من الأنظمة العربية التي تأنس بنفسها الكرامة الوطنية والقومية وتتألم من الواقع العربي وتتطلع لغد حر تخلو فيه المنطقة من الصهيونية والإستعمار والإحتلال، كبنية تحتية أساسية لنهضة عربية قطرية أو قومية، أن تتوقف عن الإعتراف والمشاركة بهكذا قمم وهكذا جامعة، لندعوها لتغيير اللعبة بأن تتداعى لتوحيد نفسها وتشكيل جامعتها وقمتها في وجه مؤسسات الصهيو أمريكي وأنظمته . وبهذا الفعل الاستراتيجي الذي نفترضه رافضاً مقاوماً للوجود الصهيوني والأمريكي المتصهين في بلادنا، سيُزال يُتم الشعب العربي الذي سيلتف حول ممثليه الحقيقيين من كل قطر عربي، وسيكون هذا التحول بمؤسساته الحرة وحملها رسالة الشعب العربي والمقاومة، الند القوي للصهيو أمريكي في المنطقة. وستتشكل فرصة الجدوى لداعمين دوليين وتحالفات نظيفة، وتتهاوى أو ترتدع الأنظمة العربية الموغلة في ظلم وظلامية الصهيونية.
كاتب وباحث عربي