علي الإبراهيم -أساس ميديا
في آب الماضي، تلقّت الرئاسة اللبنانية اتّصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، أعطت فيه الضوء الأخضر الأميركي لنقل الغاز المصري لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء اللبنانية. وفي 16 من تشرين الثاني، أكّدت شيا أنّ هناك تقدّماً في جهود إمداد لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الأردن.
وكان مشروع نقل الطاقة إلى لبنان من مصر عبر الأردن والأراضي السورية قد نال “استحسان” الولايات المتحدة على الرغم من وجود قانون “قيصر”، الذي يحظر المعاملات التجارية مع السلطات السورية.
إلا أنّ الاستحسان وحده لا يقنع الحكومة المصرية التي تلقت رسالة أميركية “ملتبسة” حول مرور الغاز المصري في الأراضي السورية دون حسم واضح ونص أوضح بعنوان “الإعفاء من العقوبات”. وأوضحت مصادر رسمية مصرية أنّ “الغاز المصري لن يرسل إلى لبنان ما لم تتسلّم الحكومة المصرية رسالة جديدة من الإدارة الأميركية تحسم بشكل دقيق عدم خضوع هذه العملية لأي نوع من أنواع العقوبات المفروضة على الجانب السوري”.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهد ملف الطاقة اللبناني تجاذبات سياسية تغلب عليها المصالح والحسابات بدل استجلاب حلول إنقاذية للشعب اللبناني وسط انهيار كامل تشهده البلاد. وتعاني البلاد منذ سنة ونصف السنة من أزمة حادّة في الكهرباء، تصاعدت في الأشهر الأخيرة بسبب شحّ الوقود لارتباط استيراده بالدولار الذي سجّل ارتفاعاً قياسياً في البلاد.
في هذا التقرير، يطرح “أساس” سؤالاً عن المصالح الأميركية في إمداد لبنان بالطاقة عبر الأراضي السورية. وتشكّل الإجابة على هذا السؤال فهماً أعمق للطرق التي يمكن أن تلجأ إليها إيران لإيقاف خط الغاز المتوقّع إلى لبنان.
رأى الدكتور في الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم شعّار، أنّ الإدارة الأميركية تدعم الجهود المبذولة لحلّ أزمة نقص الطاقة في لبنان بطريقة تتماشى مع العقوبات الأميركية على سوريا.
وأضاف شعّار، في حديث مع “أساس”، أنّ الولايات المتحدة تحاول تحقيق عدّة أهداف من خلال الاستثناء من العقوبات.
أمّا عن الهدف الرئيسي من هذه الموافقة فقال شعّار إنّه “الحدّ من نفوذ إيران التي باتت المصدر الرئيسي للنفط في البلاد”.
يتقاطع كلام شعّار مع آراء ثلاثة خبراء في مجاليْ السياسة والاقتصاد تواصلت معهم “أساس” وأكّدوا أنّ الموافقة الأميركية على مشروع إمداد لبنان بالطاقة جاءت بعد إيصال الوقود الإيراني عبر “حزب الله”، وتنامي النفوذ الإيراني في لبنان.
يولّد لبنان الكهرباء من 7 معامل حرارية، شُيِّدت منذ سبعينيّات القرن الماضي، وآخرها معمل دير عمار عام 1998. وتنتج شركة الكهرباء ساعات محدودة يومياً، بكلفة تتجاوز 3 أضعاف كلفة المعامل الجديدة، لاعتمادها على المشتقّات النفطية الثقيلة بدل الغاز الطبيعي.
حديث الصورة: أحد معامل الكهرباء المتوقّفة عن العمل في لبنان
منذ أشهر يحاول “حزب الله” جلب الوقود من إيران. هذه المادة الحيوية يتمّ استخدامها في إنتاج الكهرباء وفي مجالات عدّة يحتاج إليها الشعب اللبناني أكثر من أيّ وقت مضى، وتمثّل عنصر قوّة في لبنان. وعلى الرغم من ذلك فإنّ عدد البواخر التي وصلت لم تسدّ 10% من حاجة السوق اللبنانية إلى الوقود.
وفقاً للدكتور كرم شعّار، فإنّ سماح الولايات المتحدة الأميركية بنقل الطاقة عبر سوريا إلى لبنان هو من أجل عدم اتجاه البلاد إلى العنف الذي سيستفيد منه “حزب الله” لأنّه الطرف الأكثر تسلُّحاً، وبذلك سوف تضمن هذه المساعدة الاقتصادية عدم انزلاق البلاد إلى القلاقل وعدم الاستقرار.
بدوره يسعى النظام السوري، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على العزلة الدولية التي أحاطت به، عبر استجرار الطاقة إلى لبنان إلى إعادة تسويق نفسه وتحقيق مكاسب سياسية.
في الرابع من أيلول الماضي، أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري، نصري خوري، موافقة سوريا على طلب الجانب اللبناني المساعدة في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، واستعدادها لتلبية ذلك. وقد جاءت تلك الموافقة سريعاً بعد زيارة وفد من حكومة تصريف الأعمال اللبنانية العاصمة السورية دمشق، إذ يرى النظام السوري في حاجة لبنان الملحّة إلى الطاقة فرصة نادرة لمحاولة استعادة الشرعية أمام المجتمع الدولي والإفلات من العقوبات الأميركية.
إلا أنّ المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، بدّد أحلام الأسد، إذ أكّد لـ”أساس”، خلال ندوة أجراها بإسطنبول في 19 من تشرين الثاني الماضي، أنّ الإدارة الأميركية لا تدعم أيّ نوع من أنواع التطبيع الاقتصادي أو السياسي مع النظام السوري، مشيراً إلى أنّ الغاية من الضوء الأخضر الأميركي لهذا الاتفاق هو بالدرجة الأولى إيصال الكهرباء إلى لبنان.
وأكّدت وزارة الخارجية الأميركية دعمها للجهود المبذولة من أجل ما وصفته “إيجاد حلول مبتكرة وشفّافة ومستدامة تسهم في معالجة النقص الحادّ في الطاقة والوقود في لبنان”.
وقد زوّدت إيران لبنان خلال الفترة الماضية بالنفط عبر إرساله إلى سوريا، ثمّ نقله إلى لبنان برّاً. ووصلت ثلاث ناقلات محمّلة بالنفط الإيراني إلى لبنان عبر ميناء بانياس، آخرها في 6 من تشرين الأول الماضي، بحسب ما نقله موقع تتبّع حركة السفن “TankerTrackers”.
ولفت الموقع إلى أنّ ناقلة النفط الثالثة التي تحمل اسم “9283746 Fortune” ستسلّم حمولتها إلى “حزب الله” اللبناني ليوزّعها في لبنان فيما بعد.
وأشار أيمن محمد المتخصّص في الشأن الإيراني، في حديث إلى “أساس“، إلى أنّ اتخاذ إيران قراراً بإمداد “حزب الله” بالمحروقات هو لمحاولة تحقيق مكسب سياسي، وإعادة بناء حاضنة شعبية للحزب.
ورأى محمد أن لا ضمانات للمشروع، وأنّ إيران ستسعى بشتّى الطرق إلى نسف خطوط نقل الغاز أو تخريبها.
وقال إنّ “تفاقم الأزمة في لبنان أدّى إلى استغلال هذا النقص في المحروقات من خلال جلب بعض البواخر من إيران عبر سوريا، بهدف امتلاك المزيد من عناصر القوة في البلاد التي تشهد تدهوراً كبيراً، لتكون ناقلات النفط هذه بوّابة طهران إلى التمدّد الاقتصادي في لبنان”.
حديث الصورة: وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره اللبناني عبد الله بوحبيب في بيروت في السابع من تشرين الأول الماضي (الوكالة اللبنانية للإعلام).
وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، كشف خلال زيارته لبنان، في الثامن من تشرين الأول الماضي، أنّ إيران مستمرّة في إرسال النفط إلى لبنان، بحسب ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام.
وقال عبد اللهيان إنّنا “مستعدّون للمساعدة عبر استثمارات إيرانية أو لبنانية لإقامة معملين لإنتاج الكهرباء”.
حديث الصورة: إصلاح خطّ الغاز العربي بعدما استُهدِف من جهة مجهولة إثر تصريحات وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، بأنّ خطّ الغاز العربي جاهز داخل سوريا لنقل الغاز المصري إلى لبنان.
ورأى دبلوماسي سوري سابق عمل في السفارة السورية في واشنطن، في اتصال هاتفي مع “أساس”، أنّ موافقة الولايات المتحدة على مشروع نقل الطاقة إلى لبنان عبر سوريا هي بالدرجة الأولى لدعم شركائها العرب المستفيدين من خط الغاز العربي، وجعلهم يحقّقون مكاسب، وبمنزلة مساعدة اقتصادية للأردن أكثر منها حلّاً لمشكلة لبنان الكهربائية، خاصة أنّ معظم المعامل التي تنتج الكهرباء تعمل على النفط لا الغاز الطبيعي الذي سيتمّ نقله.
ولفت شعّار إلى أنّ التخوّف الأساسي أنّ هذه الموافقة الأميركية لن تُنهي مشكلة الطاقة في لبنان، مشيراً إلى عدم امتلاك البلاد بنية تحتية مؤهّلة لاستيعاب الغاز الطبيعي أو استخدامه في مجال إنتاج الطاقة، وهو ما يعني أنّ مزيداً من الشحنات الإيرانية سيصل إلى لبنان، ومزيداً من النفوذ الإيراني سيُبسط على لبنان.
وأكّد الدبلوماسي السوري السابق أنّ السبب الأوّل للمشروع يعود إلى التنافس الأميركي الإيراني، الذي هو نوع من التسابق بين الدولتين للفوز بـ”جائزة” إنقاذ لبنان، ولو شكليّاً.