الأميركي راحل.. وليس امام الأكراد سوى الدولة

الادارة الذاتية في سوريا

يبدو أن الوضع العام في سوريا يدخل اليوم حالة من السكون، بانتظار ما هو جديد، ومركز الإهتمام الدولي منصب على إيران والسعودية والتحالفات الجديدة التي تقودها الإمارات. والملفت هو خروج القوافل الأميركية من شمال شرق سوريا دون عودة، وهو ما يطرح النقاش حول مصير الأكراد، وبالذات حكومات الإدارة الذاتية، ولكن بالتأكيد أن الأميركيين قد نفضوا أيديهم وبات الأمر برعاية الروسي، وبما ستتمخض عنها المحادثات ما بين الأكراد وما بين الدولة السورية.

بات واضحاً اليوم تحت أية عباءة “سيتلطى” الأكراد في هذه الكرة حين دخول المحادثات مع الدولة السورية. فبعد الأوروبي، استظل الأكراد بالأميركي، واليوم جاء دور العباءة الروسية. والعباءة الروسية مصالحها السياسية هي مع الدولة السورية، وهي تعلم بالضبط ما يمكن أن يقبل السوري بتقديمه، وأنه لن يتجاوز ذلك قيد أنملة، إنه محدد بما اتُفق عليه يوم لقاء وزير الخارجية السابق المرحوم وليد المعلم، الذي قاد المحادثات في حميميم في العام 2017، والتي رُفض خلالها إعطاء المكون الكردي أية امتيازات عن أي مكون آخر في الدولة السورية، سوى تدريس اللغة الكردية لحصتين أو ثلاثة في الأسبوع.

تبيّن خلال جلسة خاصة في الشهر الماضي مع ممثل الإدارة الذاتية في بيروت عبد السلام أحمد عدة نقاط:

أولأً: أنهم يدخلون المحادثات مع الدولة السورية وكأنهم أنداد لها، ويتخذون المواقف وهم في حالة من العنجهية الغريبة.

ثانياً: يعتبرون أن لهم في سوريا حقوقاً تاريخية، ولكن في حقيقة الأمر أن التواجد الكردي، ما عدا أربيل، في سوريا والعراق لم يبدء فعلياً إلا في أيام صلاح الدين الأيوبي، كمقاتلين مدافعين عن الثغور على البحر المتوسط في آخر ساعات الدولة العباسية، ومن ثم احتلوا كلا من بلاد الشام ومصر وأقاموا الدولة الأيوبية وتمركز تواجدهم في القاهرة ودمشق وفلسطين.

وأما قبائل الأكراد الذين يقطنون شمال سوريا فبحسب موقع “التاريخ السوري المعاصر” وغيره، فإن هذه القبائل “تمتد في مناطق في أقصى شمال سوريا على مسافة ما بين 5-25 كم، يتخللها انقطاعات كبيرة تغطيها القبائل العربية كما هو الحال في منطقة القامشلي الحدودية ما بين نصيبين شمالاً وجبل سنجار جنوباً، المناطق التقليدية لقبيلة طي العربية إلى يومنا هذا”. وبمعظمها هاجرت إلى شمال سوريا ما بين العام 1925- 1931 بسبب المجازر التي تعرضت لها من قبل أتاتورك، بعد المحاولات الإنفصالية في تلك الفترة، والتي أثارت حنقه. حتى أن عشيرة الأومرية، التي سكنت أطراف القامشلي بعد مجازرسفر برلك يتهمها الأكراد الأقحاح بأن بين أفرادها ذوي أصول أرمنية وسريانية ولكنهم اعتنقوا الديانة الإسلامية وانسجموا مع محيطهم. كما أن هناك عشائر كردية تعتبر نفسها ذات أصول عربية مثل عشيرة الشيخان.

ثالثاً: هي محاولة فرض التعليم باللغة الكردية في المدارس السورية في مناطق الإدارة الذاتية التي يحلمون بها، ويظنون أن التعليم باللغة الكردية سيعمل على تطوير مستواها.

رابعاً: النقطة المرتبطة بقوات الأسايش والتي يرون أنها يجب أن تبقى في منطقة الجزيرة كقوة حفظ نظام للإدارة الذاتية، ويطالبون بضم الميليشيات المسلحة إلى صفوف الجيش العربي السوري.

خلال زيارة لموسكو في 19 أيلول/ سبتمبر، كان للإدارة الذاتية لقاء مع المبعوث الروسي الخاص بالشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، بهدف توسيع الدور الروسي في مناطق سيطرة قسد. لكن الجانب الروسي أبلغ القيادات الكردية بوجوب إطلاق حوار جدي وفاعل مع الدولة السورية، والوصول إلى تفاهمات تعيد سلطة الدولة السورية. وهذا الكلام معناه بالضبط أن روسيا لن تأخذ أبداً مكان الدولة السورية، ولن تحل كسلطة احتلال مكان الأميركي. فطلبوا إطلاق جولة حوار جديدة مع الحكومة السورية وعلى أساس اللامركزية الإدارية ووفق القرار 2245. وهذا معناه أن الأكراد مازالوا يحلمون بدولة كردية على شاكلة كردستان العراق.

قبل هذه الزيارة بعام وفي الشهر نفسه، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، دمشق، وأبدى استعداده لمواصلة العمل من أجل تهيئة الظروف للتعايش ما بين المكونات العرقية والدينية في المجتمع السوري، وقدمت موسكو اقتراح مسودة للدستور بحسب ما جاء في صحيفة الشرق الأوسط، لكن الوزير المعلم رفضها، ورفض أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري.

وأما الواقع الحالي في شمال شرق الفرات بحسب مصدر مطلع، فإن الأمور تدخل مرحلة السكون في سوريا ويبدو أن هناك ما يحضر تحت الطاولة، ألا وهو، أن خروج الأميركي بات قريباً. وهذا ما تطالب به الصحف الأميركية مؤخراً، وأشارت اليه النيوزويك، ولم يبق للأكراد سوى تسوية أوضاعهم مع الدولة السورية، ومنها وضع المقاتلين الأكراد.

فحسب القانون السوري، الخدمة في المؤسسة العسكرية، في الجيش والشرطة والأمن السوريين تكون مداورة، بمعنى أن ابناء المحافظة لا يمكنهم تحديد مكان خدمتهم، فإبن درعا يمكن أن يخدم في حمص أو الشمال أو الساحل أو… والأمر نفسه ينطبق على ابن الشمال الشرقي أو ابن الساحل أو… ولا يمكن فرض الطلب الكردي ببقاء الأسايش في الشمال الشرقي. وثانياً، لن تقبل الدولة السورية أن يكون من يخدم في المؤسسة العسكرية ذو عقيدة تختلف عن عقيدة الجيش الواحد الذي تجعل منه جيشاً وطنياً يسعى للدفاع عن سوريا في أية منطقة من مناطقها، وهذا ما ينطبق على جميع جيوش العالم.

حتى اليوم، لم تدخل القوات الكردية في أي قتال أو مواجهة مع الجيش السوري، وهذا أمر يقع في صالحها، ثم أن الدولة السورية لن تقاتل أو تقمع الأقليات بأية وسيلة عسكرية أو مدنية كانت. ولكن إذا ما حاولت القوات الكردية دخول المواجهة مع الجيش العربي السوري فإن هناك من سيتولى لجمها، وهناك خطورة أن تتولى العشائر العربية المدعومة من الدولة بذلك، والتي بات لها ثأر كبير مع الأكراد بسبب ممارساتهم بفرض التجنيد الإجباري على أبنائهم وخطفهم وإخضاعهم للمحاكمات المحلية وإهانتهم وسجنهم. وفي هذا إشارة من المصدر الى أن على الأكراد التصالح مع العشائر العربية التي احتضنتهم بعد أن هربوا من البطش التركي في الربع الثاني من القرن العشرين.  والجدير ذكره أن يوم الخميس، وبحسب مصدر موثوق، قتل مسلح من ميليشيا (قسد) وأصيب اثنان آخران في هجوم للفصائل الشعبية بريف الحسكة.

معظم أكراد سوريا منخرطين في الدولة السورية وهناك أسماء كثيرة تبوأت مراكز هامة في الجيش والوزارات وحتى رئاسة الوزاء ومنهم، رئيس الوزراء الأسبق محمود الأيوبي في العوام 1972-1975. وفي هذا دليل على أن موقف الأكراد ليس موحداً، ولذلك فالدولة السورية ترفض التحاور مع زعماء الإدارة الذاتية على أنهم الممثل الوحيد للمكون الكردي. كما أن سوريا تتحين الوقت لعودة الدولة إلى مناطق النفط والقمح والقطن، أحد مصادرها الإقتصادية الهامة.

طمأن الروس الأكراد، الذين يلعبون على وتر القلق من التهديد التركي، أن الأتراك لن يبقوا في شمال سوريا، وأن الجيش السوري هو من سيكون قائماً على أمن الحدود والمعابر الدولية. والأهم من ذلك أن الروسي لن يجعل من الأكراد جيش “العودة” الآخر، فالتجربة في درعا كانت وبكل المعايير فاشلة.

ليس من مصلحة الأكراد البقاء ورقة تُلعب لصالح الدول الكبرى. فاليوم ومع الأزمة ما بين أوكرانيا وروسيا، ستقوم روسيا بتنفيذ مصالحها، وخاصة لصالح الضغط على الأتراك بالورقة الكردية، التي باتت تتلطى بعباءتها، للجم تركيا عن اللعب في أذربيجان أو أرمينيا أو أوكرانيا لصالح الناتو والأميركيين. والأميركي اليوم يحزم أمتعته ويُرَحِلها إلى قاعدة الأسد رويداً رويداً، وقد رفض جو بايدن تجديد التصاريح لشركة دلتا كريسنت إنرجي العاملة في آبار النفط السوري، وهذا معناه أن الأميركيين راحلون. والروسي لن يفعل شيئاً يضر بمصالحه في سوريا، وبالتالي سيفرض على الأكراد التصالح مع الدولة السورية بحسب شروطها.


الكاتب: عبير بسّام

Exit mobile version