تعود الذكرى الثامنة لاستشهاد القائد في حزب الله حسان اللقيس، سنوات كانت كافية لتراكم خلالها المقاومة تطورات في القدرات والانجازات ليس فقط العسكرية بل السياسية والاستراتيجية في المنطقة، وهو ما كان الهدف الاوّل والأساسي الذي نذر هذا القائد حياته الجهادية سعياً وبحثاً عن كلَ وسائل التطور العلمي.
فمع انضمامه الى صفوف حزب الله منذ تأسيسه عام 1982، أصقل القائد اللقيس المقاومة بخبراته، واستثمر دراسته الأكاديمية خدمةً في نقل القدرات العسكرية من الأدوات البسيطة الأولى الى تقنيات تكنولوجية حديثة، خدمةً لرؤيته التي يُذكر عنه “ولى الزّمن الذي تدخل فيه الطائرات الإسرائيلية أجواءنا وتقصف أرضنا وأهلنا”.
تطوير الوحدة الجويّة في حزب الله
من أهم ما قدّم القائد اللقيس من خلال مسؤولياته العديدة، هو إشرافه وصبّ مجمل عمله على بناء سلاح الجو لدى حزب الله وطائراته المسيرة، حيث كان المسؤول المباشر عن انطلاق طائرة مسيّرة استطلاعية للمقاومة تجاوزت الرادارات وأجهزة الرصد الإسرائيلية واخترقت سماء فلسطين المحتلّة لتلتقط صوراً حيّة ومباشرة لمفاعل “ديمونا” على بُعد 234 كلم عن الحدود اللبنانية، ولم يكتشفها كيان الاحتلال إلا بعد عودتها وإتمام مهمّتها، وذلك منذ ما بعد تحرير الجنوب بسنوات قليلة.
كما يعتبر القائد اللقيس المسؤول عن عملية “الريحان” رداً على المجزرة التي ارتكبها كيان الاحتلال عام 1994 حيث استهدف في مدينة بعلبك معسكراً للمقاومة أسفر عن استشهاد 26 مجاهداً من المقاومة، وثبّت القائد اللقيس معدلة “العين والمخرز”، حيث كانت الرادارات الإسرائيلية في المنطقة تعمل على رصد أقل التحركات في الليل، فأراد القائد ان يبدّل موازين القّوة، ويجعل “الليل والنهار للمقاومة لا للعدو”.
ولم تكن هذه الإنجازات الوحيدة في السجل الجهادي للقائد الشهيد إنما الكثير من أعماله العسكرية يحتفظ بها حزب الله لأسباب أمنية، وربما تُكشف في السنين القادمة.
وعن الجانب الأمني للقائد اللقيس، فقد برع في إخفاء هويّته، ولم يكن اسماً يتداول في الاعلام أو حتّى بين أوساط المقاومة وبيئتها الشعبية الا من بعض القيادات العسكرية والسياسية في حزب الله، لكنّ ضرباته الميدانية كان يسمع أصداؤها في الكيان الإسرائيلي الذي أدرك أن خلف حزب الله في لبنان قادة همّهم الأساسي رسم قواعد الاشتباك الرادعة والعمل في فلك الرؤية الواضحة “إزالة إسرائيل من الوجود”، حيث يشير تقرير لمحلل الشؤون الأمنية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رونن بيرغمان الى أن “لدى اللقيس مهارات إبداعية في مجال الأسلحة وتطويرها، مبنية على تعليمه التقني في الجامعة اللبنانية وعلى قدراته الخاصة”.
الارتباطات في لبنان والمحور
كان القائد اللقيس يصر على مرافقة السيد حسن نصر الله حين كان طالباً في الحوزة الدينية في مدينة بعلبك، وكان دائماً بجانبه في نشاطاته الثقافية في المساجد وأثناء إلقاء السيد للخطابات في مختلف المناسبات خوفاً وحرصاً منه على أمن وحياة السيد نصر الله، ومن هنا توطّدت العلاقة الأخوية بينهما. كما كان الشهيد اللقيس يساعد الوفود الإيرانية التي كانت تزور بعلبك آنذاك واثناء تواجده في المدينة.
فيما تروي بعض الأوساط المقرّبة من الشهيد أنه في إحدى الجلسات الجهادية مع الإمام السيد علي الخامنئي أطلع كل المسؤولين اللبنانيين تقارير مكتوبة باللغة العربية للسيد خامنئي الا أن القائد حسان اللقيس قدّمها بالفارسية، فسأله السيد “هل انت إيراني؟”، أجاب اللقيس “إنني لبناني لكني تعلمت الفارسية”، أعجب السيد الخامنئي بشخصية هذا القائد، وطلب ان تُأخذ صورة تذكارية لهما، وضعها السيد في مكتبه الشخصي.
عملية الاغتيال: قلق إسرائيلي من القائد
أدرك كيان الاحتلال خطورة القائد اللقيس الذي تعتبره أوساطها مسؤولاً عن التطوّر الصاروخي لحزب الله، وحاولت استهدافه مرّات عدّة لكنها فشلت. وفي الرابع من شهر كانون الأول من العام 2013، جازف الاحتلال في عملية لم يكن ليعرف ان كان يتحمّل أثمانها، فأوكلت “عملية” اغتيال حسان اللقيس الى مجموعة مؤلفة من 12 جندياً من “الموساد” في منطقة “السان تيريز” في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتقاسمت المجموعة المهام: تولى اثنان منهم مهمة القتل المباشر، بينما توزعت أدوار التنفيذ والنقل والمراقبة على العشرة الآخرين.
الكاتب: غرفة التحرير