انقلاب أميركي في لبنان
في اعتقادنا، وفي اعتقاد الآخرين على امتداد الكرة الأرضية، أن الحلف الثلاثي الذي تم استحداثه، أخيرا، بين الولايات المتحدة وبريطانيا واوستراليا (لوكوس)، انما يتوخى حصار دولة عملاقة، بامكاناتها الجغرافية، والديموغرافية، والاقتصادية، والعسكرية، مثل الصين، لا حصار حزب في دولة (ميني دولة) هي، الآن، في القاع السياسي والاقتصادي…
لا نظن أن الغاية من الاجراءات، والمواقف الأخيرة المبرمجة أميركياً، تهدئة أعصاب «الاسرائيليين» الذين يرون في حزب الله القنبلة البشرية الأكثر خطورة من القنبلة النووية الايرانية، والذين يتوجسون من العودة الى اتفاق فيينا. بالتالي رفع العقوبات التي تمكّن ايران من تفعيل دورها الجيوسياسي في أرجاء المنطقة.
في هذا السياق، لا ندري مدى دقة معلومات أوساط ديبلوماسية خليجية من أن الأميركيين أبلغوا حكومة نفتالي بينيت بأن اندماج ايران في السوق الدولية لا بد أن يحدث تبدلاً في مفهومها (الفلسفي) للعلاقات بين الدول. التركيز سيكون على معالجة الأزمات الداخلية التي اقتربت كثيراً من حدود الانفجار. وهذا ما يساعد واشنطن على اعادة ترتيب الأوضاع في بعض بلدان المنطقة. في هذا الاطار استعادة لبنان من أيدي آيات الله…
السفارة الأميركية في عوكر أمام مهمة بالغة الدقة. السفيرة دوروثي شيا التي من بقايا دوناد ترامب، وكانت مهمتها استدراج لبنان الى صفقة القرن، تعتبر الأكثر براعة، حتى من جيفري فيلتمان، في اللعب داخل تلك الأدغال اللبنانية. من هنا كان عليها ادارة الانتخابات النيابية تحت عنوان بالأحمر العريض: انقلاب برلماني كمدخل الى تغيير المسار السياسي للبنان.
الحديث عن مئات ملايين الدولار ستنفق في البازار الانتخابي للخروج بأكثرية نيابية ساحقة، ومناوئة ليس فقط لتوجهات حزب الله، وانما أيضاً لوجود هذا الحزب في الحلبة السياسية اللبنانية.
في هذا الجو، انتخابات الربيع لن تكون انتخابات التغيير، بل انتخابات لوردات المال، ولوردات الطوائف. بعيداً من الضوء تنشط سياسة الاثارة الغرائزية. السماسرة في حال تأهّب. وأسعار الصوت الانتخابي تتراوح ما بين الألف دولار والعشرة دولارات. هكذا يتراوح سعر الكائن البشري عندنا بين قنطار الحطب و… كيس البطاطا!
المعلومات تقول ان شيا وضعت خارطة طريق لاقامة ائتلاف «جبار»يضم القوى المعادية لحزب الله. وهي واثقة من أن الأكثرية النيابية (الساحقة) ستنتقل الى الضفة الأخرى، ومع اعتبار أن الساحة اللبنانية، كما الساحة العراقية، مشرّعة أمام كل اشكال التبعية والزبائنية.
المجلس العتيد من ينتخب رئيس الجمهورية، ومن يشكل الحكومة، ومن ينتقل بلبنان من حال الى حال. ولكن متى كان السفراء الأميركيون، من جيفري فيلتمان الى دوروثي شيا، مروراً بديفيد هيل وديفيد ساترفيلد، يدركون مدى الالتباس السياسي، والالتباس الطائفي، وحتى الالتباس التاريخي، في التركيبة اللبنانية؟
ولكن كل شيء ينتظر نتائج مفاوضات فيينا، وان كانت شيا ترى أنه مهما كانت تلك النتائج، ثمة فرصة ذهبية لدفع حزب الله» الى الزاوية»…
كنا، ولا نزال، نتمنى، أن يبقى الحزب، كظاهرة فذة نجحت في اجتثاث كل الحالات البربرية التي شهدها لبنان، بعيداً عن هذا الطراز (البربري) من الساسة، وهو الذي يعلم أنه في ظل التداخل بين البعد الطائفي، والبعد القبلي، في الفسيفساء اللبنانية اذ يستحيل التغيير ،يستحيل أيضاً اجراء الحد الأدنى من الاصلاحات الهيكيلية.
ماذا لو قرر حزب الله ألاّ يخوض الانتخابات النيابية ليقود المقاومة الشعبية ضد نظام قد يكون الأكثر فظاعة في القرن، ان من خلال البنية التوتاليتارية للسلطة أو من خلال استشراء الفساد كفلسفة للحكم؟
هوذا الموقف الذي يحتاج اليه الناس، كما السبيل لزعزعة التغطية الأميركية للستاتيكو، بالتعاقب الميكانيكي على السلطة لتلك المنظومة الرثة…
السيناريو الأميركي على الطاولة. مكان حزب الله حيثما يكون التصدي لهذا السيناريو. على الأرض وبين الناس. من الأقرب منه الى الأرض والى الناس؟!