جورج قرداحي: الاستقالة والتوقيت والضمانات
ناصر قنديل-البناء
– منذ اليوم الأول للأزمة التي افتتحها القرار السعودي بوقف العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية مع لبنان، وضعنا استقالة الوزير جورج قرداحي خيارا في سياق المعالجة لا ينتقص من شجاعة وفروسية موقف الوزير قرداحي، فقلنا في مقالة 1-11-2021 “حل الأزمة ليس عند الوزير جورج قرداحي، فلا تلقوا بأحمال كل هذا التخلف على كاهله، ويكفيه فخراً أنه أضاء على مظلومية اليمن، وأضاء على معاني السيادة، وسواء استقال لمنع أن تستقيل الحكومة وندخل في الفراغ والفوضى ويتهدد سلمنا الأهلي، أو بقي لأن الموقف سلاح، فقد قدم المثال على ما يجب أن يكون عليه مفهوم السيادة والحرية والاستقلال، التي تختزنها الأزمة الراهنة، والتي يكثر الآخرون استعمالها كسلع لا كقيم أيضاً، حتى صارت ثلاثية حرية سيادة استقلال، تذكرنا بثلاثية الفوال، توم وحامض وزيت”. والسبب لجعل الاستقالة خياراً يعود لمعادلة وضعها الوزير قرداحي بنفسه، وهي لا لاستقالة الاذعان واستقالة العقاب، وشاركه الحلفاء بإضافة “لا للإقالة” إليها، وربط الاستقالة بضمانات توظيفها لحل الأزمة، كنقطة انطلاق بقيت بعيدة طالما أخفق رئيس الحكومة في تقديمها، وجاءت بها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض وطلبه للاستقالة كرسالة حسن نية لبنانية للحل، تتيح له أن يطلب رسالة مقابلة لها، لتقدم التوقيت الذي وجد فيه قرداحي اللحظة المناسبة، فما هي الحسابات؟
– تقف فرنسا خلف بقاء الحكومة، بينما تطلب السعودية استقالتها وهي تعلم أن الفراغ هو البديل، وبالاستناد إلى الموقف الفرنسي وبنسبة معينة الموقف الأميركي الرافضين لإستقالة الحكومة، صمد رئيس الحكومة امام الضغوط السعودية التي طالبته بالإستقالة، ثم دعته لإقالة الوزير قرداحي، وبالإستناد إلى إستحالة إستقالة الحكومة، تمكن حلفاء الوزير قرداحي من تثبيت رفض الإقالة، بعدما كان رئيس الحكومة يقول الإقالة او استقالة الحكومة، والحلفاء وقرداحي لا يريدون تحمل مسؤولية اخذ البلد إلى الفراغ ولا يريدون هذا الفراغ، وقد بذلوا جهودا وقدموا تنازلات كي تكون هناك حكومة لإدراكهم أن مبدأ وجود حكومة في لبنان يستحق التضحية، وهكذا تمت صياغة معادلة توافق عليها قدراحي والحلفاء وترك له تقدير فرص السير بها، وهي ترجمة الجمع بين التمسك ببقاء الحكومة، والتمسك برفض الإذعان للإملاءات، وفق عبارة أطلقها قرداحي عنوانها، الضمانات، أي لا استقالة مجانية للاسترضاء، ولا تمسك بالمقعد الوزاري إذا أتيحت فرص للحلول، وكانت الاستقالة نقطة انطلاقها، وبات التمسك بعدم الاستقالة إقفالاً لباب الحل وفتحاً لباب استقالة الحكومة.
– قد لا ينجح الرئيس الفرنسي في فتح باب الحل مع السعودية، لكن تمسك الوزير قرداحي بعدم الاستقالة كان سيتم تحميله مسؤولية هذا الفشل، سواء من قبل الرئيس الفرنسي أو من قبل رئيس الحكومة، ومعهما جزء كبير من اللبنانيين في السياسة والمجتمع، سيخرجون جميعاً للقول إن حزب الله منع قرداحي من الإستقالة ودفع بلبنان إلى الخراب، وسيكون خيار لعب ورقة استقالة الحكومة تحت شعار تفادي المزيد من إجراءات الغضب السعودي وارداً، أما وأن الرئيس الفرنسي أخذ على عاتقه أن يجلب مقابل الاستقالة خطوة مشابهة على طريق حل الأزمة تفتح الباب لحوار حول الخلافات أو المشكلات العالقة، فما فعله قرداحي هو وضع الأمور بين فرضيتي، نجاح ماكرون، وبالتالي تكون الاستقالة قد أدت مهمتها في فتح الطريق لإنهاء الأزمة، وهذا هو مفهوم المسؤولية الوطنية الذي لم يحد عنه قرداحي، أو فشل ماكرون، وتكون الاستقالة قطعت الطريق على تحميل قرداحي وحلفائه مسؤولية هذا الفشل، وتظهير المسؤولية السعودية عن إفشال مساعي الرئيس الفرنسي، وما ينتج عن ذلك من تعزيز لعناصر بقاء الحكومة وقطع طريق استقالتها، وإسقاط منطق سحب الذرائع بدليل أن الذريعة الرئيسية تم سحبها ولم يتغير شيء.
– الذين ينتقدون الوزير قرداحي وحلفائه في قرار الاستقالة الذي اتخذه ودعموه، ويحاسبونه بمعايير السيادة والكرامة والعنفوان، التي رافقت رفضه للاستقالة، عليهم أن يتخيلوا ما سيحدث لو لم تتم الاستقالة، وتم تصوير الأمور وفق صورة تقول إن كل شيء كان جاهزاً لعودة العلاقات واستئناف الصادرات اللبنانية ووقف أي إجراءات عدائية أخرى، لو جاء الرئيس الفرنسي وقد سبقته استقالة الوزير قرداحي كعلامة حسن نية لبنانية طلبتها السعودية، وأن عدم حدوث ذلك يؤكد نوايا لبنانية سلبية، ولذلك تتفهم فرنسا المزيد من الاجراءات السعودية وليس فقط البقاء على الاجراءات السابقة، وبالتوازي سحب الغطاء لبقاء الحكومة، وهو أمر كاف ليعود رئيس الحكومة لخيار استقالة حكومته، وتصعيد الوضع الداخلي على قاعدة استعصاء تشكيل حكومة جديدة، ورفع وتيرة التصعيد المذهبي، في ظل وضع صعب اقتصادياً وأمنياً تعيشه المناطق اللبنانية كافة، وعندها سيخرج الكثيرون يوجهون الإتهام إلى قرداحي والحلفاء بالتسبب بالخراب.
– لم يخطئ الوزير قرداحي باستقالته أمس كما لم يخطئ من قبل برفضها، وترجم في المرتين مفهوم السيادة بصفتها القرار الوطني النابع من حساب المصلحة الوطنية لا الاستجابة لإملاءات خارجية.