تتخوّف السلطات اللبنانية من وصول مُتحوّر كورونا الجديد المُسمّى أوميكرون إلى لبنان في ظل أزمة إقتصادية وسياسية أتت على الأخضر واليابس، ومنها القطاع الصحّي الذي أصبحت تنهار الخدمات فيه الواحدة تلوى الأخرى. فمن ارتفاع أسعار المواد الأوّلية المستخدمة في المستشفيات وصولًا إلى الإرتفاع الجنوني في أسعار الأدوية مرورًا بهجرة الأطباء والممرضات وعجز الهيئات الضامنة، يخشى المعنيون من أن وصول هذا المتحوّر الجديد سيؤدّي حكمًا إلى كثير من الضحايا خصوصًا أن هناك 40% من الشعب اللبناني فقط تلقّى اللِقاح، وهناك عجز في القدرة الإستعابية للمستشفيات مع توقعات بتوقّف أكثر من 15% من المستشفيات في المرحلة القادمة، وإقفال العديد من الأقسام في البعض الاخر وهو ما يُخفّض القدرة الإستيعابية بشكل كبير ويحدّ من قدرة السيطرة على تفشّي موجة جديدة.
وإذا كانت المعطيات الصحّية تشير إلى عدم وجود حالات من هذا المُتحوّر الجديد حتى الساعة، وقسم كبير من الإصابات الحالية (أكثر من 80%) هي من متحوّر دلتا، إلا أن أي موجة جديدة على غرار ما حصل العام الماضي، ستؤدّي حكمًا إلى كارثة صحّية في وقت تعيش فيه البلاد شلّلا حكوميا قاتلا ستصل كلفته حتمًا إلى أرقام تفوق المليارات من الدولارات في فترة قصيرة نظرًا إلى أن الخسائر لم تعد تتطوّر بشكل متوقع مع الوقت.
في هذا الوقت نشرت وسائل إعلام معلومات عن توجّه لدى السلطات لحظرّ التجول من الساعة 7 مساءً حتى السابعة صباحًا وذلك لفترة شهر ابتداءً من العاشر من الشهر الجاري مع استثناء جزئي للملقّحين وحاملي فحوصات كورنا سلبية.
هذا الإجراء يعيدنا إلى عملية المفاضلة التي قامت بها حكومة الرئيس حسان دياب طوال العام الماضي وهو ما أثبت فشله نظرًا إلى أن عدد الإصابات كان يعاود الإرتفاع بشكلٍ كبير بعد كل إقفال! أضف إلى ذلك الخسائر التي تكبّدها الإقتصاد اللبناني نتيجة عملية الإقفال والتي شملت بشكلٍ أساسي المؤسسات السياحية (مطاعم وفنادق) ولكن أيضًا المواطنين الذي يعملون بالساعة! هذه الخسائر التي زادت من وقع الأزمة الإقتصادية زادت أيضًا مع الجريمة التي استهدفت مرفأ بيروت والتي أجبرت العديد من الشركات على الإقفال وقضت على ألاف الوظائف!
إذًا ومما تقدّم نرى أن عملية الإقفال ليست بحلٍ لمشكلة كورونا، وما يجب القيام به هو بالأحرى التخلّي عن فكرة المفاضلة بين الصحّة والإقتصاد واستبدالها بالتعايش مع الفيروس من خلال تطبيق إجراءات وزارة الصحة – أي وضع الكمّامة والتباعد الاجتماعي وخفض أعداد الأشخاص في الأماكن المقفلة… وغيرها من الإجراءات التي تحدّ من انتقال الفيروس من شخص إلى آخر مع التشدّد الصارم في تطبيق هذه الإجراءات وإنزال أشدّ العقوبات المالية بالمخالفين.
إن اعتماد الإقفال لمنع تفشّي الفيروس هو قرار سيضرّ حكمًا بالإقتصاد وسيكون له تداعيات على طلاب المدارس الذين لم يخرجوا حتى الساعة من تداعيات إقفال العام الماضي وأوائل هذه العام. من هذا المنطلق على المسؤولين التنبّه الى التداعيات الإقتصادية التي ستنتج من الإقفال وعدم الإستسهال في أخذ قرار الإقفال، لأن قرارًا مثل هذا القرار يجب أن يكون هناك استراتيجية خلفه مثلًا عزل الفيروس وملاحقة المصابين وعزلهم… بالطبع مثل هذه الإستراتيجية غير موجودة في حالة لبنان نظرًا إلى ضعف القدرات المالية للدولة اللبنانية والشلّل الحكومي الحالي.
في هذا الوقت، يظهر إلى العلن الضرّر الذي شكّله قرار الرفع الجزئي للدعم عن الأدوية (35%) حيث ارتفعت أسعار بعض الأدوية إلى أكثر من عشرة أضعاف، وهو ما يضع المرضى المصابين بأمراض مزمنة ومستعصية في حالة كارثية نهايتها الحتمية الموت! هذا الأمر يُحمّل كلاً من الحكومة ووزارة الصحة مسؤولية قانونية نظرًا إلى التداعيات الخطرة على المستوى العام، لقرار رفع الدعم. من هذا المنطلق، نرى أن على الحكومة، وبالتحديد وزارة الصحّة، إنشاء منصّة شبيهة بمنصّة impact للِّقاحات وتكون مهمّتها تسجيل المرضى المصابين بأمراض مزمنة ومستعصية على أن تكون هذه المنصّة تحت إشراف وزارة الصحة ويتمّ التأكّد من صحة المعلومات فيها من خلال بيانات الضمان وغيرها من المؤسسات الضامنة الأخرى، وذلك تفاديًا لعمليات الفساد التي يقوم بها التجّار عبر تهريب الأدوية إلى الخارج وعبر الإحتكار بهدف رفع الأسعار.
أيضًا ومع استفحال الأزمة، أصبح من الضروري إقرار البطاقة التموينية التي تقف اليوم عند أقدام المجلس النيابي بانتظار إلغاء التعديلات التي قام بها المجلس النيابي على اتفاقية القرض مع البنك الدولي حول إدارة البطاقة (قانون 219/2020) والتي رفضها البنك الدولي وكان من المفروض إقرارها في الجلسة الأخيرة للمجلس النيابي، إلا أن الحسابات السياسية كانت أقوى وتمّ تطيير نصاب الجلّسة!
لقد أصبح إقرار البطاقة التموينية ضرورة قصوى نظرًا إلى التردّي الواضح في سعر صرف الليرة في السوق السوداء وغياب أي رقابة رسمية على الأسعار، خصوصًا على أسعار المواد الغذائية والمحروقات والأدوية. هذه المواد هي من الأساسيات التي تسمح للمواطن بالعيش بالحدّ الأدنى، وبالتالي هناك ضرورة للقيام بخطوتين أساسيتين:
– إلغاء التعديلات على إتفاقية القرض مع البنك الدولي والتي أُدخِلت في القانون 219/2020، وإقرار البطاقة والبدء بالعمل بها في أقرب وقت؛
– زيادة الرقابة على الأسعار ومكافحة التلاعب بالأسعار الذي يقوم به بعض التجار من خلال دولار السوق السوداء، خصوصًا أنه أصبح من المعروف أن الأسعار الممارسة فعليًا في بعض القطاعات تفوق سعر السوق السوداء بعدّة الاف من الليرات للدولار الواحد، وهو ما يشكّل عملية مخالفة للقانون ويجب محاسبة مرتكبيها وسوقهم أمام العدالة.