بغداد | أَدخل إعلان مفوّضية الانتخابات العراقية، نتائج مُعدّلة للتشريعيات المبكرة التي أجريت في شهر تشرين الأول الماضي، بتغيير طفيف شمل خمسة مقاعد فقط، البلد في أزمة إضافية لا يبدو أنها ستجد طريقها إلى الحلّ، سوى بإعادة الفرز اليدوي الشامل لكلّ الأصوات، أو دخول الأطراف الفائزة في الانتخابات، وتلك المعترضة على نتائجها، في حوار يفضي إلى حكومة وحدة تدير البلد في المرحلة المقبلة، وهو ما يرفضه حتى الآن الطرف الرئيس الفائز داخل «الصفّ الشيعي»، زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر. وفي الانتظار، أطلق «الإطار التنسيقي»، الذي يضمّ القوى «الشيعية» الرافضة للنتائج، حملة جديدة للمطالبة بإعادة فرز وعدّ كلّ الأصوات يدوياً، مراهِناً هذه المرّة على القضاء، وتحديداً على المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، في اتّخاذ قرار بهذا الشأن، آخذاً على المفوّضية عدم بتّها في الكثير من الطعون، ومحذّراً من تجدّد التظاهرات إذا لم يتمّ الأخذ بالشكاوى. وتتخوّف تلك القوى، بشكل رئيس، من أنها إذا سلّمت السلطة إلى حكومة أغلبية، فقد لا تتاح لها في المستقبل فرصة عادلة في انتخابات أخرى، خاصة إذا كانت القوى الفائزة تنوي ربط البلد بتكتّلات إقليمية تسعى إلى تصفية حسابات على أرض العراق، لكنّ السقف الذي يتحرّك تحته الجميع حتى الآن هو عدم الذهاب إلى أيّ اقتتال أهلي طائفي أو عرقي.
ويقول القيادي في «تحالف الفتح»، محمود الحياني، في حديث إلى «الأخبار»، إن «قوى الإطار التنسيقي بدأت خطوات للاعتراض على النتائج الأخيرة، بتقديم الطعون من الكتل السياسية إلى القضاء، نظراً إلى نزاهته وحياديته، وخاصة المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، لأن المفوّضية العليا للانتخابات لم تأخذ بالطعون في محافظات كثيرة، بما في ذلك الخلاف حول إغلاق الصناديق (في محافظة الأنبار مثلاً، هناك 47 صندوقاً أُغلقت بعد الساعة السادسة)، ونحن نطالب بأن تكون الانتخابات مقبولة للشعب العراقي، الحذِر من ذهاب الديموقراطية والتحوّل إلى الديكتاتورية من جديد». والجدير ذكره، هنا، أن الطعون لا تتّصل بالعملية الانتخابية وحدها، بل تعود إلى ما قبلها؛ إذ ثمّة طعون مُقدَّمة من نقابة المحامين قبل الانتخابات حول شرعية الاستحقاق، ودستورية القانون الذي سيجري على أساسه، والذي عُدّ خرقاً للدستور في الفقرة الثانية من المادة 64، والتي تقول إن على البرلمان أن يحلّ نفسه قبل ستّين يوماً من موعد الانتخابات، في حين أنه فعلياً حلّ نفسه قبل يومين فقط من إجرائها.
وعن التحرّكات في الشارع، يؤكد الحياني أن «الإطار التنسيقي ينوي الاستمرار كذلك في التظاهرات، إذا لم يتمّ الأخذ بالشكاوى بشأن النتائج غير المُرضية وغير المقبولة بالنسبة إلى العراقيين». ومع ذلك، لا تزال هذه القوى تُظهر انفتاحها على الحوار، في الوقت الذي تجري فيه لقاءات بين الكتل السياسية كافة، وتحديداً حول طرح الحكومة التوافقية، في ظلّ تمنُّع «كردي» و«سُنّي»، إلى الآن، عن الدخول في حكومة لا تحظى بموافقة الأطراف «الشيعية» كافة. لكنّ المفصل الرئيس اليوم، والذي سيحدّد وُجهة التطورات المقبلة، هو قرار القضاء بشأن نتائج الانتخابات، بعد أن تهرّبت المفوّضية من الفرز والعدّ يدوياً، ورمت الكرة في ملعب القضاء. وفي مطلق الأحوال، يُطمئن الحياني إلى أن «الجميع يحاول الحفاظ على السلم الأهلي… والجميع يريد حلحلة الأمور وعدم الذهاب إلى اقتتال أهلي طائفي أو عرقي أو حدوث تصادمات لأن الدم العراقي أغلى، وكذلك نحاول اللجوء إلى حوار وطني بنّاء يشمل جميع القوى السياسية من الكتل الفائزة والكتل التي لم تحصل على مقاعدها الحقيقية والكتل الخاسرة وأطياف المجتمع المدني، لإنهاء الأزمة الحالية والخروج من هذا الانسداد السياسي، والذهاب إلى تشكيل حكومة توافقية. يمكن أن يحصل هذا في كلّ وقت، والمسألة لا تقف على تصريحات، بل هناك لقاءات وحوارات».
وعن رأي «تحالف الفتح» بقرار الولايات المتحدة إبقاء جنودها الـ2500 في العراق بعد موعد 31 كانون الأول الجاري، المقرَّر لإنهاء المهمّة القتالية الأميركية في هذا البلد وتحويلها إلى استشارية تدريبية، يقول الحياني إن هناك «قراراً سيادياً من قِبَل البرلمان العراقي، صدر من قِبَل 187 نائباً، يطالب بإخراج كلّ القوات الأجنبية من العراق، ويجب على الحكومة أن تقوم بتطبيقه، لكن حتى الآن لم يؤخذ على محمل الجدّ. والمفروض أن لا تتواجد القوات الأميركية والأجنبية في العراق، فالدفاع عن سيادته وحمايته واجب على الحكومة ومكتب القائد العام ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية وقوات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي».