من يتابع تصاريح المسؤولين وكبار القوم عن خلافاتهم وحصصهم يدرك حقا ان معاناة الناس «وجوعهم واوجاعهم وفقرهم وذلهم وعوزهم وأنينهم « لا مكان لها في قاموس كبار القوم مطلقا، ودموع الامهات وصراخ المرضى على ابواب المستشفيات يفتشون عن حبة دواء ليست في حسابات المسؤولين ما دامت عائلاتهم واولادهم منتشرين في افخم المدن الاوروبية يتلذذون بمباهج الحياة واموال اللبنانيين التي سرقوها، ويتعاملون مع ازمات البلد وكأن الدنيا بالف خير، وربما لا يعرفون ان الدولار تجاوز الـ 25 الفا وما فوق ولا يمكن لجمه، وربطة الخبز بـ 12الف ليرة، وكيلو اللحم بـ 220 الفا رغم انه اختفى من بيوت اللبنانيين، والدواء تضاعف عشرات المرات، وصفيحة المازوت بـ 350 الفا، وكيلو عدس الفقراء بـ 25 الفا، فيما الحد الادنى 750 الفا، «يكفي فقط لوجبة غذاء واحدة»، فكيف يمكن لكبار القوم ان يقبلوا هذا الواقع ؟ هل يدرك ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي ان البلد سينهار على عهدهم وسيكتب التاريخ ذلك ؟ كيف يمكن لمسؤول ان يضع رأسه على «وسادته» وشعبه ينام جائعا ومريضا؟ ولو علم المسؤولون ان «اخف» كلمة لعائلة جائعة «الله يمهل ولا يهمل» «الله يفني من كان السبب» «الله يمحيهم عن بكرة ابيهم» لفكروا في حلول وتعاملوا مع ازمات البلد كما يتعامل الكبار؟ هل يعلم المسؤولون ان الفقر هو السبب الاساسي للفوضى الحالية، وانهم يتحملون المسؤولية عما تشهده البلاد من تصاعد لحالات الفلتان الامني والاخلاقي وخراب البلد ؟ هل يعلم المسؤولون ان الجوع كافر ومن حق المواطن ان يلجأ الى كل الاساليب لتأمين «قوت «اطفاله عندما تسد امامه ابواب «الرزق الحلال»؟ لكن المشكلة ان اهتمامات المسؤولين ما زالت « هي – هي» الحفاظ على الحصص والكراسي والمواقع، وهذا ما تؤكده كل التصريحات والتسريبات عن لقاءات المسؤولين وفحواها « مرقلي تمرقلك» وحسب مصادر مؤكدة ان كل الاجتماعات الاخيرة لم تتطرق الى الملفات الاقتصادية والمالية بتاتا وتمحورت حول عودة اجتماعات مجلس الوزراء عبر تسوية ترضي الرؤساء وفشلت حتى الان، ونعاها نجيب على ابواب القصر الجمهوري امس معلنا عدم العودة لاجتماعات مجلس الوزراء وابلغ بري رسميا رفض عون «لتفاهم الاستقلال» ومندرجاته، فالتسوية حسب المصادر المتابعة سقطت لانها قفزت فوق الانتخابات النيابية والرئاسية والحسم في هذين الملفين، وهذا ما يريده ميشال عون وجبران باسيل اولا قبل اي ملف اخر، ويريدان حسما من بري ومغادرة خياراته النياببة والرئاسية مع الحريري وجنبلاط الداعمين لوصول سليمان فرنجية الى بعبدا كما يعتقد عون وباسيل، واذا لم يحسم الثنائي الشيعي هذا الخيار فان المسافات والشرخ سيتوسعان مع بعبدا والتيار الوطني، وهذا هو المدخل لاي صفقة بين التيار و بري، والباقي تفاصيل ومعارك كما ينقل زوار القصور الرئاسية.
وفي المعلومات وحسب الزوار، ان الرئيس نبيه بري كان حتى صباح امس متفائلا بحذر، غير قاطع للامل، مراهنا على حكمة عون لتسويق تسوية الاستقلال، لكن الامور انفشعت بعد ان ابلغه ميقاتي « الجواب النهائي» لبعبدا، الرافض لعرضه في اجتماع الاستقلال اليتيم الذي لن يتكرر، وقد افتتحه بري بالقول: « شو بدك يا فخامة الرئيس، علينا الخروج من المناكفات والتصاريح والردود والتشنجات، انا نبيه بري، كرئيس للمجلس النيابي مستعد لفتح دورة ضباط ١٩٩٤ واقرار ترقيتهم مع ٦ نواب للمغترببن كما يريد التيار الوطني والنقاش في الانتخابات، شرط حضور نواب التيار الوطني الحر جلسة مجلس النواب لتامين النصاب وعدم التصويت اذا ارادوا، وهذا ما يؤمن اقرار مجلس النواب صلاحيتة بمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب، وتتتهي المشكلة» ووعد عون بدرس طروحات بري سريعا وابدى قبولا مبدئيا، وهذا هو الاقتراح الجدي الذي طرح .
وحسب المعلومات، انه تم اقتراح اجراء تعديل وزاري يشمل وزراء الطاقة والصحة والاعلام كمخرج لقضية قرداحي رفضه ميقاتي مصرا على اقالة وزير الاعلام وحيدا لارضاء السعوديين وقال : «صراحة في ظل هذه الاجواء ما فينا نكفي هيك» اما عون فاشاد برئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود ورفض اقالة القاضي البيطار، عندئذ حصر النقاش باقتراح بري وغادر الرؤساء على امل ان يكون جواب عون سريعا والذي جاء سلببا امس.
وبعد ٢٠ يوما على اجتماع بعبدا وحسب المعلومات والمصادر، فان الامور عادت الى نقطة الصفر مع عودة الاشتباكات السياسية واستبدال عمل مجلس الوزراء باللجان الوزارية وبالتالي بقاء البلد معطلا، وفي المعلومات ايضا، ان الثنائي الشيعي رفض عرضا للضغط على قرداحي ودفعه الى الاستقالة وتسليف هذه الورقة لماكرون قبل لقائه محمد بن سلمان ليستطيع التفاوض وبيده هذه الورقة المهمة.
وفي ظل هذه الاجواء، فان « الستاتيكو» الحالي سيبقى الا اذا فجرها ميقاتي باعلان استقالته الذي كتبها حسب اصدقاء، وعاد وغض النظر عنها، بانتظار نتائج زيارة ماكرون، اضافة الى انه تبلغ من مراجع غربية ان المهمة المركزية لحكومته اجراء الانتخابات النيابية وهذا يفرض بقاء الحكومة من اجل انجاز الانتخابات. وحتى ذلك الحين ستبقى البلاد محجوزة ولا بوادر حلول للازمات المالية والاقتصادية.
محادثات فيينا
وتدعو مصادر متابعة اللبنانيين الى انتظار نتائج اجتماعات فيينا النووية، وتاثيرها في لبنان حتما، وتدعو المصادر الى التفاؤل الحذر، لان المعلومات الاولية ايجاببة من خلال حركة الامارات في كل الساحات، وانعكاس ذلك على حرب اليمن، ومن الطبيعي ان تترك اثارا ايجاببة في لبنان اذا تراجع الاشتباك الاقليمي وتراجع معه الموقف السعودي المتشدد عبر معادلة «نحن او حزب الله في لبنان» وهذا الامر اذا حصل سينعكس ايجابا على الحريري وجنبلاط ويخفف الحصارات عن البلد.
الانتخابات النيابية
اما على صعيد الانتخابات النيابية، فان كلمة السر للماكينات الانتخاببة للتيار الوطني وامل والاشتراكي والمستقبل للانطلاق بالتحضيرات اللوجيستية لم تصدر بعد، ووتبلغ مسؤولو الماكينات ان التحضيرات ربما تأخرت الى ما بعد عيد رأس السنة، وعليكم الجهوزية والانتظار، ولذلك فان « الرشى» المالية والاجتماعية متوقفة الان، و «على الخفيف» وعندما فاتح احد الزوار بري بهذا الاستحقاق وتحالفات بيروت كان الجواب، «بعد بكير للحكي والحسم» لكن ما بات معلوما ان الثنائي الشيعي لن يعقد اي تحالف انتخابي مع اي كتلة ستتحالف مع القوات اللبنانية، وهذا ما يشكل ثغرة كبيرة امام التواففات بين بري والحريري وجنبلاط في بيروت والبقاع الغربي وحاصبيا جراء تحالف المستقبل والاشتراكي مع القوات اللبنانية، وفي المقلب الاخر فان المجتمع المدني يكاد يكون الطرف الوحيد مع القوات اللبنانية في البدء بعملية التحضيرات، ويبدو ومن اجواء الاتصالات، ان المجتمع المدني يجهز لوائحه المنفردة عن قوى ١٤ اذار والاشتراكي في كل المناطق، وبدأت البوادر بالظهور في عاليه والشوف، وهذا ما يشكل ارباكا للجميع، وسيكون للمجتمع المدني لوأئح في كل المحافظات، اما على صعيد ٨ اذار فان امل لم تنضم بعد لاجتماعات الديموقراطي وحزب الله والتوحيد والقومي في عالية والشوف بانتظار التفاهمات الاخرى ومدى نجاحها، اما الرئيس سعد الحريري فهو «راجع حتما» كما ابلغ الاصدقاء، وسيخوض الاستحقاق النيابي وسيضع كل ما توافر له من امكانات في المعركة، وابلغ المقرببن انه اعطى القرار لدرس اعادة فتح تلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل اذا حسم موضوع اجراء الانتخابات النيابية، وهذا لن يظهر الا منتصف كانون الثاني، ولذلك تؤكد المصادر المتابعة ان فرص اجراء الانتخابات وتاجيلها متساوية ولن تبدل الضغوطات الدولية والعربية هذه المعادلة.
الملفات المعيشية
وفي ظل هذه الاجواء المقلقة وتعطيل مجلس الوزراء فان الاتجاه عند بعض الاطراف يميل لتبني بدعة دستورية عنوانها « المراسيم والقرارات تصبح نافذة بمجرد توقيع عون وميقاتي ووزير المالية يوسف خليل، ومن دون جلسة لمجلس الوزراء لاقرارها، وهذا ما سيعتمد في مرسوم تصحيح بدلات النقل العام واعطاء حوافز مالية كما اعلن وزير العمل مصطفى بيرم فيما يؤكد الرئيس ميقاتي ان التنفيذ ينتظر اجتماع مجلس الوزراء لاقرار اكثر من ١٠٠ بند ومرسوم ومن ضمنها بدلات النقل، فهل يحل هذا الخلاف و تتم الاستعاضة عن مجلس الوزراء باجتماعات اللجان الوزارية والزامية نتائج اجتماعاتها بتواقيع الطوائف الكبرى المارونية والشيعية والسنية، وهذا ما يرفضه ميقاتي حتى الان والمصر على ان هذه الصلاحية لمجلس الوزراء مجتمعا».
وفي المجال الاجتماعي، اعلن الرئيس ميقاتي بدء التسجيل على المنصة الالكترونية للعائلات الفقيرة للحصول على البطاقة التمويلية على ان يبدأ الدفع اوائل الـ ٢٠٢٢ مع اعتماد معايير شفافة في اختيار العائلات التي يفوق عددها ٦٥٠ الف عائلة، علما ان التمويل لم يتم الاتفاق عليه مع البنك الدولي لجهة تحويل الاموال المقررة لتنفيذ بعض المشاريع الممولة من المنظمات الدولية الى تمويل البطاقة التمويلية، كما ترغب الحكومة اللبنانية.
واضافة الى الهم المعيشي، عاد الهم الصحي ليشكل قلقا فعليا لكل اللبنانيين مع ارتفاع اعداد كورونا الى ما يقارب ٢٠٠٠ اصابة امس، وسط وضع صحي صعب يعاني منه اللبنانيون على الاصعدة كافة لجهة فقدان الادوية بالاضافة الى معاناة المستشفيات، وقد اتخذت لجنة الصحة اجراءات للوقاية ومددت العطلة المدرسية ودعت المواطنين الى الاقبال على اللقاح لانه الشرط الاساسي للوقاية ، لكن المشكلة تمثلت بحض اللجنة المواطنين على الاقبال على اللقاح واجراء الفحوصات الدائمة على نفقتهم، وهذا ما يزيد من الاعباء على الناس المحاصرين بكم هائل من الازمات.
وفي المجال المعيشي والنقابي، ونتيجة عدم تنفيذ الوعود الحكومية للمعلمين باعطائهم الحوافز المالية، فان القطاع التربوي نفذ اضرابا عاما ليومين، مع التهديد بالاضراب المفتوح، اما عمل الوزارات فما زال مقتصرا على يوم الاربعاء بانتظار الاضراب الشامل بعد الاعياد، وكل ذلك يأتي بالتزامن مع صرف جماعي في بعض المؤسسات الخاصة واعلان بعض المصارف عن لوائح جديدة للصرف من الخدمة واقفال فروع، مع نسبة هجرة مرتفعة من الشباب، «وقرف عام» يشمل كل النخب وعموم الشعب اللبناني، ولولا اموال المغتربين وادويتهم والتعاضد الاجتماعي والتقشف الواسع لكانت الكارثة قد وقعت منذ اشهر، والاتي اعظم .