سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
صادمٌ للغاية كان الموقف الذي أطلقه نائب رئيس تيّار المستقبل النّائب السّابق مصطفى علوش، عندما قال في تصريح له يوم السّبت الماضي في 30 تشرين الثاني الفائت، بأنّ “المركب اللبناني أصبح غارقاً بنسبة 90 في المئة، ومن تمكّن من الحصول على طوق نجاة غادر لبنان”، قبل أن يرسم ملامح المرحلة المقبلة للبلد من وجهة نظره، حينما قال إنّ “مصير لبنان مرتبط بما سيحصل من تطورات في سوريا”، ومتوقعاً مستقبلاً قاتماً للبلد عندما رأى أنّ لبنان “ذاهبٌ إلى مؤتمرٍ تأسيسي قد ينتهي بالتقسيم”.
هذا الكلام يشبه بشكل أو بآخر ذاك الذي قاله رئيس الجمهورية ميشال عون قبل نحو سنتين، وتحديداً في 13 تشرين الثاني من العام 2019، بعد قرابة شهر على انطلاق شرارة “الحَراك الشّعبي” في 17 تشرين الأوّل من ذلك العام، وردّاً على سؤال حول رأيّه في مواقف قادة الحَراك الشّعبي السّلبية من رجال السّلطة: “إذا مش عاجبهم ولا حدا آدمي بالسلطة يروحوا يهاجروا”.
في كلا التصريحين كلامٌ مباشرٌ أو ضمني يحثّ اللبنانيين، جميعهم بلا استثناء، على مغادرة بلدهم، قبل فوات الأوان أو يأساً، وهو كلامٌ بالغُ الخطورة خصوصاً عندما نطق به مسؤولان يقفان على رأس السّلطة في هذا البلد، ويشاركان فيها بفعالية، كونهما أكبر تيارين سياسيين فيه، وليسا مجرد مواطنين عاديين أو مراقبين محايدين.
ولكن هل مغادرة اللبنانيين بلدهم في هذه المرحلة هي طوق نجاة قبل غرق البلد كما قال علوش، وهل هو هروبٌ من واقعٍ وقوى وشخصيات سياسية لا تعجبهم في بلدهم، فكانت الهجرة هي الحلّ كما أشار عون؟
ربّما علّوش يعرف أكثر من غيره أنّ مغادرة اللبنانيين بلدهم قبل غرقه، وفق ما بشّرهم، ليست هي الحل المثالي، لأنّ الهجرة ليست متاحة للجميع، ولأنّه ليس هناك أيّ ضمانة أنّ الهجرة هي خلاص من غرق البلد قبل حصوله، لأنّ من جرّبوا الهروب من القارب الذي أشرف على الغرق لم يصلوا إلى برّ الأمان، ولعلّ علوش وصلت إلى أسماعه أكثر من سواه رحلات الهجرة غير الشّرعية عبر “قوارب الموت” التي تنطلق من سواحل مدينة طرابلس ـ مسقط رأسه ـ أكثر من أيّ منطقة لبنانية أخرى، وبأنّ هذه القوارب إما كادت تغرق بمن فيها في مياه البحر، أو أنّ خفر السواحل في الدول التي يهرب إليها هؤلاء اللبنانيين طمعاً بملاذ آمن، وتحديداً في تركيا وقبرص واليونان وغيرها، يعمل على إلقاء القبض على هؤلاء ووضعهم في مراكز إيواء للاجئين غير الشّرعيين، قبل أن يعيدهم طوعاً أو قسراً من حيث أتوا.
أمّا دعوة عون قبل سنتين للذين لا يعجبهم أيّ شخص آدمي موجود في السّلطة إلى الهجرة، فهي أيضاً لا تستقيم، لأنّ اللبنانيين بسبب إنقساماتهم السّياسيّة وكذلك الطائفية والحزبية والمذهبية والشخصية والمناطقية، وتعصبهم الأعمى، طبيعيٌ أن لا يعجبهم الآخرين ولو كانوا “أوادم”، لكنّ هذا ليس سبباً يُبرّر الدافع لهجرتهم أو حثّهم عليها، وإلا لكان لبنان فرغ من سكانه منذ زمن بعيد.