تنعقد اليوم جلسة مشتركة للجنتي المال والموازنة، والإدارة والعدل، لدرس مشروع قانون «كابيتال كونترول». حتى مساء أمس، كانت هناك نسختان فقط من هذا المشروع أُعدّتا في اللجنتين، فيما سيوزّع اليوم، فريق الرئيس نجيب ميقاتي، نسخة ثالثة لم يطّلع عليها أي نائب، بل يروّج أنها تتضمن تعديلات طلبها صندوق النقد الدولي. «الأخبار» حصلت على ملاحظات الصندوق التي تشير إلى أن النسخ المعروضة تخدم القطاع المصرفي حصراً بدلاً من أن تخدم علاجاً شاملاً للسيطرة على مفاعيل الانهيار ومحاولة النهوض
في هذا السياق يأتي مشروع قانون «الكابيتال كونترول» الذي رفضه ثلاثة أطراف أساسيين بشكل قاطع في الفترة التي تلت توقف لبنان عن السداد (آذار 2020)؛ الرئيس نبيه بري، سلامة، وجمعية المصارف. أسهم هذا الرفض، سواء بالأصالة أو بالوكالة عن تركيبة السلطة، في ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة بنحو 17 ضعفاً، وتعدّد أسعار الصرف إلى أكثر من 8، وتضخّم في أسعار الاستهلاك يتجاوز 500%، وانزلاق نحو 70% من اللبنانيين إلى الفقر، وتوقعات بموجة هجرة للعمالة الماهرة والمتخصّصة بنحو مليون شخص.
كما يأتي المشروع على أبواب «علاقة ما» يتم رسمها مع صندوق النقد الدولي، بشكل سرّي ومتكتم، ويديرها بشكل أساسي نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يعاونه النائب نقولا نحاس وبعض مستشاري الرئيس نجيب ميقاتي.
هنا يصبح السؤال إلزامياً: ما الذي تغيّر لدى ممثلي التركيبة ليوافقوا أو يطلبوا إقرار قانون «كابيتال كونترول»؟ الإجابة بسيطة؛ فمن أصل الـ20.4 مليار دولار التي أُنفقت من الاحتياطات، هناك مبلغ جرى تحويله إلى الخارج بناء على توصيات أركان النظام السياسي لتحويل أموال إلى الخارج، سواء كانت عائدة لزبائن تجاريين مغتربين أو مقيمين يملكون نفوذاً انتخابياً أو تمويلياً عليهم، أو هي أموال عائدة لأركان النظام وأزلامه من متعهدين ومقاولين وموظفين في إدارات الدولة والدوائر الأمنية وسواها… وإلى جانب ذلك أنفق سلامة، بالتعاون مع قوى السلطة، 7 مليارات دولار سنوياً على الدعم بكل زواريبه وقنواته التي تنتهي في جيوب أركان الحلقة المالية – السياسية، سواء كانوا سياسيين مُنحوا أفضلية لدعم منتجات هذه الشركة على تلك، أو طالبوا بمعاملة مماثلة لشركة ما، أو تجاراً لديهم أصلاً ما يكفي من النفوذ حتى لا يكونوا خارج قنوات الاستفادة من الدعم. وفي المجمل، حافظت سياسة الدعم على رساميل الشركات الكبرى في المحروقات والدواء والأغذية والمواد الأولية الزراعية والصناعية والطبية…
إذاً، أي قيود لأي رأسمال؟ صندوق النقد، وبمعزل عن سلوكه السياسي، لا يتعامل بالمطلق مع هذه المسألة إلا من الباب التقني. وهو، في هذا الباب، رسم ملاحظاته التي تتمحور حول مسائل متعلقة بالسيطرة على نزف الدولارات من لبنان. هذه السيطرة، بعد كل ما حصل، لا يمكن أن تكون موجودة إلا إذا أُخذ في الاعتبار أن النزف الفعلي يعبّر عنه في عجز ميزان المدفوعات. خفض هذا العجز هو أمر مستهدف لدى الصندوق الذي يعمل كأي مصرف تجاري. فهو يريد أن يضمن استرداد الأموال التي سيُقرضها للدولة. وبالتالي، فإن أي قنوات نزف في ميزان المدفوعات خارجة عن السيطرة لن تعطيه ضمانة استرداد الأموال، بل تزيد الخشية من تهريب الأموال إلى الخارج. لذا، يريد الصندوق أن يكون قانون الـ«كابيتال كونترول» متصلاً بالسيطرة على عمليات ميزان المدفوعات، وليس مركّزاً على العمليات المصرفية كما في النسخ الموجودة حالياً في لجنتي المال والعدل. الصندوق لم يقلها مباشرة، لكنه اعتبر أن السيطرة على القطاع المصرفي لم تعد مهمّة طالما أن المصارف مفلسة وليست لديها أموال، بل إن ما يهمه هو السيطرة على سعر الصرف بهدف الحفاظ على أي توازن متاح في ميزان المدفوعات، والفصل بين ما هو قديم وما هو جديد، أي تحديد الخسائر ومعالجتها.
ما يطلبه الصندوق هو جوهر المشكلة. أيّ فصل بين مصارف جديدة ومصارف قديمة، هو فصل ضروري للنهوض ويتطلب استقراراً في قيمة النقد. المشكلة هنا مرتبطة بالقوى السياسية التي تنظر إلى القانون من زاويتها فقط؛ بري لم يقتنع بجدوى القانون إلا لأنه يسمح بإعادة مبلغ من المال نقداً للمودعين. هو وعد مغتربين زاروه بأنه سيعيد لهم بعضاً من أموالهم المبدّدة في المصارف ومصرف لبنان. المصارف عليها الكثير من الدعاوى القضائية وباتت تطلب وجود قانون يحميها. مهمّة هذا القانون أن يحميها من إشهار إفلاسها وإبقاؤها مصارف «زومبي». حاكم مصرف لبنان هو الوحيد الذي يعمل بالقطعة. بالنسبة إليه، فإن قانوناً كهذا يشرّع كل عمله السابق في الدعم وتبديد الأموال ويقدّم له هدية التحكّم بالإنفاق الجديد، أي بقاء قنوات التوزيع الزبائني تحت سيطرته، كما يمنحه قبضة حديدية على المصارف التي ستخالفه في أي قرار.
لن يحصل لبنان على قرش واحد؟
بمعزل عن النقاش التقني في قانون «الكابيتال كونترول»، هناك من يردّد بأن مسار النقاش في هذا القانون ينطوي على مراحل وتوقيت سياسي لا يمكن فصله عن المسار الفعلي للقانون، لا سيما في الفترة الأخيرة. فمنذ بضعة أشهر رُصدت اتصالات أميركية رسمية مع عدد من السياسيين المحليين لإبلاغهم أن لبنان «لن يحصل على قرش واحد» إذا استمرّت بنية النظام السياسي وفق موازين القوى الحالية. طبعاً، الأميركيون يقصدون ميل الميزان نحو حزب الله. وتردّدت معلومات إضافية مفادها أنه جرت اتصالات أميركية مع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي تنطوي على المضمون نفسه وإن بحدّة مختلفة، وأن هذا الأمر هو ما دفع رئيس الحكومة وفريقه إلى اتخاذ قرار بتسريع إقرار قانون «الكابيتال كونترول» رغم عدم استعجال صندوق النقد لذلك. لكن جاءت ملاحظات صندوق النقد التي تتضمن عدم الاستعجال فضلاً عن مضمونها الذي يطيح كلياً بنسخ مشروع القانون المعدّة في مجلس النواب. يرى هؤلاء أن تعقيد إقرار «الكابيتال كونترول» هو مشروع سياسي يتزامن مع المفاوضات الجارية في المنطقة.
إدارة حركة الأموال والتحكم بسعر الصرف
في زيارته الأخيرة إلى لبنان، قال السفير الفرنسي بيار دوكان، المكلف تنسيق المساعدات الدولية الوافدة إلى لبنان، ومتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، إن بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو القيام ببعض التعيينات، لا يكفيان بل هناك قرارات يجب اتخاذها، من بينها «إقرار قانون التعامل بالنقد وإدارة حركة الأموال وقانون التحكّم بسعر صرف العملة». بالنسبة لدوكان، هذا هو التعبير الأوضح عن «الكابيتال كونترول» الذي سمي في لبنان «تقييد السحب والتحويل». وفي لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، انتقد دوكان القوانين المتداولة في مجلس النواب، «والإطار القانوني للتحكّم بسعر صرف العملة» مشيراً إلى أن لبنان بحاجة إلى «مشروع قانون جديد لتنظيم التعامل بالنقد وإدارة حركة الأموال، وإطار سليم للتحكّم بسعر صرف العملة لوضع تصوّر معيّن لكيفية توحيد أسعار صرف الليرة اللبنانية».