ناصر قنديل-البناء
– ليست العودة إلى مفاوضات فيينا جولة استكشافية، ولا محاولة مفتوحة على احتمالات، فالشهور التي مضت منذ توقف التفاوض كانت هي شهور المفاوضات الفعلية، وساحة الاستكشاف الحقيقية، وميدان اختبار الاحتمالات المتعددة، وقبل سنوات عندما قررت واشنطن استئناف المفاوضات في مثل هذه الأيام من عام 2013 ، بعدما توقفت عام 2012، قلنا إن العودة للمفاوضات هي قرار بالتوصل لاتفاق، لأن ما سبق العودة كان اختبارات كافية للبدائل، وأن الحرب على سورية وتحريك الأساطيل نحوها في آب 2013، كانت سقف هذه الاختبارات، وفي كل مرة كان هناك من يعتقد بأن فرص التوصل للاتفاق تتراجع كنا نقول إن بديل الاتفاق هو الاتفاق، واليوم نعيد أن البدائل التي يتحدث عنها الإسرائيليون هي تلك التي حازوا تفويضاً أميركياً باختبارها ولكن سقفها عمليات التخريب التي لحقت بالمنشآت النووية، والاغتيالات التي استهدفت علماء الملف النووي، وراقب الأميركيون نتائجها فوجدوا ان المشروع النووي الإيراني لا يزال يتقدم، علماً أن الإسرائيلي قبض نقداً وسلفاً ثمن ما قام به، سواء بعمليات التطبيع مع الخليج، أو بأموال عربية مولت هذه العمليات، أما الحرب فقد اختبرها الأميركيون في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، سواء يوم أسقطت إيران طائرتهم التجسسية العملاقة فوق الخليج، أو يوم دكت بصواريخها قاعدة عين الأسد، رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني.
– الاختبارات التي يفترض أن تقرر مصير المفاوضات قد جرت، والبدائل التي يمكن أن يلجأون إليها قد تم اللجوء إليها، ولذلك نكرر وبثقة أن بديل الاتفاق هو الاتفاق، وأن شروط إيران للعودة إلى الاتفاق قد تم فرضها في ساحات الاشتباك التي جعلت مسار فيينا بتوقيت طهران خياراً وحيداً أمام الأميركيين، على رغم كثرة كلامهم عن أن الوقت ينفد من أمام خيار التفاوض، وهم يكررون ذلك طوال ستة شهور، ثم يعودون عندما قررت إيران أن العودة صارت مناسبة، فذلك لأن التفاوض يأتي على خلفية بدائل تم اختبارها، أولها كان في لبنان بمحاولة الإنقلاب على حزب الله من بوابة الأزمة الاقتصادية وتفجير الشارع بوجهه، وقد انتهت بنتيجة صفرية، والثانية بمحاولة دعم الحرب على اليمن ودفعها باتجاه الحسم، عبر تشديد الحصار وحملات التجويع، والقصف التدميري الوحشي، ففاجأتهم مأرب بحضورها وتحول الحرب إلى حسم معاكس يقترب، والثالثة بمحاولة تغيير قواعد الاشتباك في فلسطين، ودفع غزة إلى التنازل طلباً للقمة الخبز، فكان سيف القدس، والتدهور في ميزان الردع الإسرائيلي لحساب ميزان ردع معاكس.
– بعد الانسحاب من أفغانستان يدرك الأميركيون أنهم خارج سياقات حروب جديدة، وبعد الاتفاق الصيني- الإيراني يدرك الأميركيون أن إيران لم تعد بحاجة حيوية للعودة إلى الاتفاق، بل إن إيران التي قطعت أشواطاً في تطوير برنامجها النووي مستظلة بالانسحاب الأميركي من الاتفاق، فرضت معادلة قوامها أن أميركا خسرت الاتفاق الذي كان يقيد البرنامج النووي الإيراني، ولم تكسب بالمقابل شيئاً في الميادين التي قالت إنها تعترض على عدم تضمينها للاتفاق، وهي البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي باتت فروعه منتشرة على ضفاف البحر المتوسط والبحر الأحمر وفوق مياه الخليج، وصولاً لباب المندب، أما الوضع الإقليمي فقد بات حضور قوى المقاومة فيه صاحب اليد العليا في كل ساحات الاشتباك، وكما يقول الروس للأميركيين، لم تعودوا في وضع يهدد إيران بكلفة عدم العودة، بل عليكم أن تقدموا لها حوافز للعودة، ويكفي دليلاً أن إيران ليست راغبة بامتلاك سلاح نووي عودتها للمفاوضات بنية العودة للاتفاق، على رغم بلوغها العتبة النووية.
– معادلة فيينا هي العودة للاتفاق أو العودة للاتفاق، وإلا لما تمت العودة إلى فيينا.