د. جمال زهران*-البناء
يتسارع الكثير من العرب، بخاصة من دول الخليج العربي، الذهاب إلى سورية، عبر مسؤولين كبار في الدرجة، كما تتمّ مكالمات تلفونية عليا بين شخصيات عربية كبيرة في مواقعها، ومع الرئيس بشار الأسد شخصياً، ويتمّ الإعلان عنها، كما أنّ هناك تسهيلات كبيرة عبر الحدود، يتمّ السماح لها، للذهاب إلى سورية لفك الحصار، الأمر الذي يستدعي التوقف عنده لتحليل ما يحدث مع سورية، في إطار التساؤل: هل هي عودة للعرب إلى سورية، أم عودة سورية إلى العرب؟! الإجابة تستدعي الإشارة إلى العديد من الوقائع ومنها:
ـ اتصال تلفوني بين محمد بن زايد (ولي عهد الإمارات)، والرئيس بشار الأسد.
ـ أعقب الاتصال زيارة وزير خارجية الإمارات لسورية، والتقى بنظيره وعدد من المسؤولين، ثم لقاء الرئيس بشار الأسد.
ـ زيارة مدير المخابرات السعودية (خالد بن علي حميدان)، إلى دمشق ولقاء الرئيس بشار الأسد.
ـ زيارات غير معلنة من جانب مصر، تصل إلى مستويات عليا في المخابرات المصرية، لدمشق، ويتمّ بموجبها تسهيلات كبرى في العلاقات بين البلدين، تمهيداً لعودة العلاقات.
ـ كما أنّ هناك زيارات معلنة وغير معلنة بين العراق وسورية. فضلاً عن زيارات مكثفة بين الجزائر ودمشق، في إطار إصرار الجزائر على عدم عقد القمة العربية برئاستها إلا بعودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية.
ـ فتح الحدود، واتصالات مكثفة بين الأردن وسورية، وعلى أعلى المستويات.
ـ موافقة أميركية على إجراءات استثنائية، لتيسير التواصل مع سورية، تخفيفاً للحصار بنص «قانون قيصر» الذي سبق أن أصدرته الإدارة الأميركية السابقة. ومن ذلك أيضاً الموافقة الأميركية على توصيل الكهرباء والغاز للبنان عبر خط (مصر/ الأردن/ سورية/ لبنان)، ويتضمّن علانية فك الحصار الأميركي والإقليمي الرسمي حول سورية ولبنان. فضلاً عن الموافقة الأميركية على فتح الحدود بين الأردن وسورية، ونقل البضائع بين البلدين. ومنذ عدة أيام نقرأ خبراً عن نقل بضائع من الأردن إلى سورية، تصل إلى مئة سيارة ضخمة (تريلا).
ـ وفي تصريحات أميركية لمسؤولين كبار، أكدت أنه قد آن الأوان لعودة السيطرة لسورية على كلّ أراضيها، وفي ذلك إشارة لانسحاب أميركي كامل من الأراضي السورية، وكذلك إشارة لخروج أية قوات تركية من الأراضي السورية.
ـ وفي المقابل تصريحات روسية، تصرّ فيها على انسحاب تركيا بشكل كامل من أراضي سورية، ومطالبة أميركا بالانسحاب من الأراضي السورية، والمطالبة بعودة سورية إلى الجامعة العربية سعياً نحو استقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط.
وقد وصل الأمر إلى أنّ صحيفة «التايمز» البريطانية، نشرت تقريراً منذ عدة أيام، تضمّن أنّ الرئيس بشار الأسد سار نحو الفوز النهائي.
وأنّ الرئيس الأسد وسورية أصبح مقصداً، لبعض الدول العربية التي كانت قد دعمت المعارضة في المراحل الأولى، وهي تفتح أبوابها لدمشق مجدداً.
كما أشارت الصحيفة إلى أنّ الرئيس الأسد، أعاد تكريس نفسه بعد انتصاراته خلال عشر سنوات، كزعيم لا يستغنى عنه في «الشرق الأوسط». وأكدت أنّ ما يجري من عملية إعادة «العلاقات العربية» مع الرئيس الأسد، تعطيه فرصاً جديدة في المنطقة.
في نفس الوقت الذي يقوم مساعد وزير الخارجية الإيراني، بزيارة الإمارات والالتقاء مع نظيره، وإعلان التوافق حول العديد من النقاط، مع دعم العلاقات الاقتصادية الإماراتية!
في ذات الوقت يقوم محمد بن زايد (ولي عهد الإمارات) بزيارة تركيا، وفتح صندوق للاستثمارات قدره عشرة مليارات دولار!
كذلك فإنّ الاتصالات والمباحثات مستمرة بين السعودية وإيران!
ومن جانب آخر، تقود السعودية، ضغوطاً واختلاق أزمة مع لبنان بلا معنى، إلا أنها تعكس ما يدور في الخفاء بين مراكز القوى الإقليمية في إطار تفاعلاتها مع القوى الكبرى!
فضلاً عن الأزمة اليمنية، تتصاعد وتشتعل جبهات المواجهة، وتحقق القوى المقاومة نصراً وانتصارات كلّ يوم، وتتراجع في المقابل قوى العدوان السعودي الإماراتي في الجنوب وفي مأرب!! وانحسر بالفعل الوجود السعودي الإماراتي على الأرض في اليمن، ولهذا انعكاساته في الحوارات التي تجري في الإقليم.
وفي ضوء ما سبق، فإنه بغضّ النظر عما يُقال عودة من، إلى من؟ فإنّ العودة السورية إلى ممارسة دورها القيادي العروبي في المنطقة العربية، سواء من خلال الجامعة العربية أو خارجها، أضحت حتمية ولا مناص عنها. وقد أكدت كلّ الشواهد أنّ هذا الاستخلاص صحيح تماماً، وهو ما أكدته وصدّقت عليه صحف عالمية في تقاريرها عن الأزمة السورية وتطوراتها، مثل جريدة «التايمز» البريطانية وغيرها.
فقد سبق أن توقعت أنّ الموقف الجزائري العروبي بعد توليه رئاسة دورة الجامعة العربية وقمتها الدورية السنوية، هو الفيصل في عودة سورية إلى الجامعة، بخاصة أنها دولة مؤسسة للجامعة. فهي إحدى خمس دول أصلية أسست الجامعة في آذار/ مارس 1945، وانضمّت بعد ذلك السعودية ثم اليمن في الاجتماع التأسيسي الثاني في أيار/ مايو 1945، ومن ثم ترى الجزائر أنه من العيب أن ينعقد مؤتمر القمة العربية على أرض الجزائر المقاومة، من دون سورية، إهانة كبيرة للفكرة العروبية التي عاشت وستظلّ، سورية تعيش لأجلها. وقد أصرّت الجزائر، بل ورفضت الاعتذار عن الرئاسة حتى تستقيم الأمور، وتعود سورية لمقعدها الذي حرمت منه أكثر من 10 سنوات!! أما المواقف الأخرى لدول عربية في التواصل مع سورية والسعي نحو لقاء الرئيس، فهي مضطرة، ومجبرة، في ضوء حسابات التكتلات والتحالفات القائمة بين دول عربية، في إطار التفاعلات مع القوى الدولية، وبخاصة بعد تولي إدارة بايدن رئاسة أميركا، ولها رؤيتها الحاكمة للإقليم، والتي قادت إلى أنّ هذه الدول في طريقها إلى إعادة هيكلة سياستها الخارجية قبل أن تطولها يد البطش الأميركية، أو محاولة للضغط على الإدارة الأميركية.
فكلّ يوم تتكشف ما وراء الذي يحدث من دون معلومة واحدة حالية، لكننا نحاول بالتحليل فكّ الألغاز. فسورية هي قلب كلّ هذه التفاعلات، وهي الكاسبة والفائزة في النهاية. وجاء الدور على الشعب السوري الذي تحمل الأزمة سنوات عشر وأكثر، ليجني ثمار الصبر بإذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ