ٍَالرئيسية

خلق واقع مسلّح لمساواته بسلاح المقاومة: أفكار انتحاريّة لخصوم حزب الله

(أرشيف ـ مروان طحطح)

 

الأخبار- ابراهيم الأمين

الأجانب لا يحبّون بشّار الأسد. لكل منهم نظرته ورؤيته لرفض التعامل مع النظام في دمشق. لكن غالبيّتهم تقرّ اليوم بجانب من المسؤولية عن استمرار أزمة النازحين السوريين، وخصوصاً في لبنان والأردن. وهم يخشون من تدهور الوضع في لبنان وتفاقم الأزمات الاقتصادية في الأردن وتركيا لأنهم، ببساطة، يخشون من أن ينقلب الأمر إلى مشكلة لهم، في حال عمل لبنان والأردن، كما هي الحال في تركيا، على تسهيل هجرة النازحين الى الغرب، وإلى أوروبا خصوصاً.
رغم ذلك، يرفض هؤلاء تماماً أيّ طرح لفكرة صرف الموازنات المقررة للنازحين لمساعدتهم على العودة إلى بلدهم وتثبيتهم في أرضهم بدل أن تُصرف في مخيمات البؤس التي يقيمون فيها اليوم، علماً بأن خبراء أجانب ممن عملوا في لبنان أكّدوا في اجتماعات رسمية لمنظماتهم الدولية أن من الأجدى مساعدة هذه العائلات داخل مدنها وقراها، لأن ما ستحصل عليه من مساعدات سيكون من دون «عمولات غير مشروعة» يتقاضاها «المستثمرون في الحروب»، ولأن ما ستخسره الدول المضيفة من أموال المساعدات يبقى أقل من الكلفة التي تتحمّلها جرّاء بقاء النازحين على أراضيها، فضلاً عن مشكلات من نوع مختلف في لبنان خصوصاً، نظراً الى التناقضات الطائفية والمذهبية والسياسية.
سابقاً، كان الغرب ــــ ومعه جهات عربية وإقليمية ــــ يراهن على تحوّل كتل النازحين الكبيرة الى قوة ضغط مباشر على النظام في سوريا أو على حلفائه في لبنان. لكن تبيّن أن لا مشكلة لهؤلاء مع السلطات في تركيا، وأن الأردن رسم سياسات حدّد بموجبها كل أنواع النشاط غير الإنساني الخاص بهم. وفي لبنان، لم يظهر أن هناك قدرات جدية على استخدام النازحين في معركة ضد النظام في سوريا وضد المقاومة، ولو أن بعض اللبنانيين، ولا سيما القوى الرئيسية في 14 آذار، كانوا يعتقدون ــــ أو يتصرفون ــــ باعتبار النازحين قوة ضغط يمكن استخدامها ضد حزب الله. وعندما فكر الغرب في استخدام النازحين في الانتخابات الرئاسية في سوريا، كانت النتيجة مخيبّة. إذ إن غالبية ساحقة رفضت المشاركة، فيما صوّتت أقلية معتبرة لمصلحة الرئيس الأسد، بعدما أحبطت هزيمة المجموعات المسلحة الناشطين من النازحين ومن أرادوا استغلالهم. ولم يبقَ لدى هؤلاء إلا الاستفادة من النازحين عبر السطو تحت عناوين كثيرة على الأموال المخصصة لدعمهم.

صحيح أن من بين اللبنانيين الذين يطالبون بعودة النازحين، من ينظرون إليهم نظرة عنصرية، بخلفيات سياسية وطبقية وحتى طائفية، لكن ما يمكن وصفه بالانعكاسات السلبية لوجود هؤلاء على الوضع العام في لبنان، أخذت بعداً مختلفاً بعد التدهور الاقتصادي والمالي. إلا أن أركان الدولة العميقة في لبنان، وخصوصاً العاملين في مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية وفي النظام المالي، لم يتوقّفوا عن ابتداع وسائل لسرقة أموال النازحين. وحتى اليوم، لم يقدّم أحد كشفاً بلوائح الناشطين الذين يعملون منذ عشر سنوات في برامج تخص دعم النازحين، من الإغاثة الإنسانية المباشرة الى الدعم النفسي والخدمات اللوجستية الخاصة بالتعليم والطبابة، وعشرات البرامج الخاصة بتمكين المرأة والطفل وخلافه. في وقت تبيّن فيه مراجعة سجلّات «الجرائم» لدى قوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الأمنية وجود عدد غير قليل من السوريين المتورطين في أعمال مخالفة للقانون، تتوزع بين السرقة والنشل والدعارة والمخدرات، إضافة الى «مافيا التسفير» التي توهم النازحين بقدرتها على توفير فرص لهم للسفر الى الغرب، علماً بأن عمليات التهريب للبشر لم تتوقف على طول الحدود بين لبنان وسوريا بمساعدة نافذين لبنانيين، أمنيين وعسكريين وحزبيين، إضافة الى المهرّبين الذين ينشطون دون ضوابط على جانبَي الحدود، لأن لديهم من يساعدهم في الجانب السوري أيضاً.
ما بات محل تدقيق، أخيراً، لا يتعلق فقط بالحسابات الخاصة بتهريب البشر أو البضائع أو حتى المشتقات النفطية والأدوية، بل بعمليات تهريب أسلحة وبيعها في السوق اللبناني الذي يشهد «طلباً» على الكثير من الأسلحة. ورغم أن الغالب على هذا الطلب حتى الآن هو السلاح الفردي، إلا أنّ الأمر قابل للتطور بشكل مختلف إن لم يجر تداركه. وتشير المعطيات المتوافرة لدى جهات معنية، رسمية وسياسية وحزبية، الى عودة التهريب المعاكس، حيث ينتقل مئات من اللبنانيين والسوريين الى سوريا عبر نقاط التهريب، وبعضهم يغيب لشهرين أو أكثر قبل أن يعود، ويبقى آخرون في الخارج. ويتبيّن من التدقيق أن هذه المجموعات لا تنتقل الى مناطق الشمال السوري حيث تسيطر المجموعات الإرهابية التي ترعاها تركيا، بل الى مناطق الشرق السوري ومنها الى العراق.

وتؤكد مصادر أمنية أن بعض الأهالي في الشمال يقصدون مديرية الاستخبارات في الجيش للإبلاغ عن سلوك مشكوك فيه لأبنائهم. وكشفت أنّ أكثر من ٣٥ شاباً تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً غادروا قبل نحو سنة منازلهم في منطقة الشمال، وأبلغوا أهاليهم لاحقاً بأنهم التحقوا بتنظيم «داعش» في سوريا والعراق، وأنّ عدداً من هؤلاء يرسلون أموالاً لذويهم. أحد هؤلاء كان قد أوقف لدى فرع المعلومات، وفور إخلاء سبيله توارى عن الأنظار قبل أن يتصل من العراق. كذلك عمد أحد الآباء إلى الإبلاغ عن فقدان ابنه م. ع.، لكن الأخير ما لبث أن اتصل بوالدته وأبلغها أنه «التحق بركب المجاهدين». ووجّه بعض هؤلاء الأهالي اتهامات لإمام أحد المساجد وشيخ آخر بتجنيد أبنائهم، فيما تشير المعلومات إلى أن هؤلاء الشبان يخضعون لدورات متخصصة في الأعمال الحربية أو ذات الطابع الأمني.
وفي انتظار تفاصيل إضافية، تزداد الصورة القاتمة سواداً مع ارتفاع منسوب التوتر السياسي الداخلي، لأن الخشية باتت حقيقية من احتمال لجوء الغرب، بقيادة أميركية ودعم سعودي ومن جهات أخرى، الى استخدام هؤلاء في أنشطة ذات طابع إرهابي داخل لبنان، بغية الوصول الى وضعية غير قانونية لنقاط تمركز لهذه المجموعات في مناطق مختلفة، مع تركيز على مناطق في شمال لبنان، لينتقل البحث لاحقاً الى وضعية تربط هذه المجموعات بتنظيمات لبنانية تعتبر أن سلاحها مبرّر في ظل الانقسام الداخلي في لبنان. ويظهر من كلام بعض الرعاة الخارجيين أن وضعاً كهذا سيدفع الى مزيد من الاحتكاك ليس مع الجيش اللبناني أو القوى الأمنية، بل مع حزب الله على وجه التحديد، وصولاً الى ما يراه خصوم المقاومة بـ«الحلم الذهبي» عندما يصار الى مساواة سلاح هذه المجموعات بسلاح المقاومة، واشتراط أي محاولة لنزع سلاح هذه المجموعات بنزع سلاح المقاومة.
وفي هذا السياق، يبدو الإرباك واضحاً لدى قيادة الجيش اللبناني، وخصوصاً أن مديرية الاستخبارات تملك، كما فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، معلومات «وازنة» حول هذه المشاريع، وفي حال قيام الجيش وقوى الأمن بعمليات تدقيق ذات طابع أمني أو حتى أعمال «تفقّد»، سيعثرون على ما يكفي من أدلّة على المشروع الانتحاري الذي يحضّر له في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى