الأخبار
وإذ لا يمكن فصل الإعلان المتجدّد للاحتلال بخصوص رغبته في البقاء، عن أزمة نتائج الانتخابات الناجمة من وجود اتهامات بالتزوير، والتي يَظهر أنها ستكون طويلة جدّاً، وسط تمسّك كلّ طرف بموقفه منها، بعد قرار الهيئة القضائية إلغاء نحو عشرة آلاف محطّة اقتراع تُمثّل 18 في المئة من مجمل الأصوات، فلا يبدو من المنطقي أيضاً فصْل الأحداث الأخيرة، بما فيها الخضّات الأمنية التي شهدها البلد على خلفيات انتخابية، وضمنها محاولة اغتيال الكاظمي، عن اقتراب الموعد المفترض لانسحاب الاحتلال الأميركي الذي لم يَعُد يخفي بحثه عن ذرائع للبقاء، بهدف التأثير في التوازات الإقليمية، وخاصة في ما يتعلّق باستهداف إيران، ولا سيما أن احتلال العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود 900 جندي أميركي يعملون ضمن المهمّة نفسها، أي «العزم الصلب»، مع «قوات سوريا الديمقراطية» شرقي الفرات في سوريا، بما يمنع الجيش السوري من السيطرة على هذه المنطقة، فضلاً عن احتفاظ واشنطن بقاعدة التنف التي تتمثّل وظيفتها في تهدئة مخاوف إسرائيل من وجود قوى محور المقاومة في سوريا. ومن هنا، يُلاحظ أن هجمات «داعش» المتجدّدة صارت تحصل في توقيت مشبوه يخدم هدفاً سياسياً يتعلّق بالاحتلال الأميركي. فالتنظيم نفّذ، قبل يومين، وسط هذا الالتباس بشأن الانسحاب، هجوماً أسفر عن مقتل خمسة من عناصر «البيشمركة» الكردية في ناحية كولجو التابعة لإدارة كرميان في «إقليم كردستان». كما استعاد سابقاً نشاطه في محافظة ديالى التي تقع على الحدود الإيرانية، وعبرها يجري تزويد العراق بالكهرباء الإيرانية التي تمثّل نسبة معتبرة من استهلاكه.
في هذا الوقت، جاء تقرير وزارة الدفاع الأميركية، الصادر قبل أيام قليلة، ليؤكد أن لا تغيير في عدد الجنود الأميركيين الباقين في العراق، وهم 2500 جندي، بعد 31 كانون الأول الذي قدّمه رئيس الوزراء العراقي كموعد لانسحاب كامل للقوات الأميركية، مع تفكيك القواعد ونقلها إلى بلدان مجاورة كالأردن، والإبقاء فقط على قوّة تدريبية استشارية صغيرة. ويتعارض التقرير الصادر عن المفتش العام للوزارة حول عملية «العزم الصلب» التي ينفّذها تحالف تقوده الولايات المتحدة ضدّ تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، مع تأكيدات الكاظمي ومستشاره للأمن القومي قاسم الأعرجي الذي فاوض على اتفاق الانسحاب مع القادة العسكرييين الأميركيين في واشنطن، قبل أن يعلنه رئيس الحكومة العراقية والرئيس جو بايدن من المكان نفسه، حيث أَبلغت حكومة بغداد المعنيّين، بِمَن فيهم طهران، بأن الانسحاب سيكون كاملاً، وسيشمل تفكيك قاعدتَي عين الأسد غرب بغداد، وحرير في شمال العراق. وأشار التقرير الذي يَصدر بصفة ربع سنوية إلى أن «داعش» ضعُف، إلّا أنه ما زال أولوية ضمن اهتمامات الأمن القومي الأميركي في المنطقة، مضيفاً أن «الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف يظلّون عنصراً رئيساً لاستمرار نجاح الحملة ضدّ التنظيم، حيث يبقى نشاط داعش في منطقة الحدود السورية – العراقية مثيراً للقلق». وفي تحليله لهذا النشاط، قال التقرير إنه على رغم تراجع عدد الهجمات، إلّا أنه في بعض الحالات قام التنظيم بهجمات معقّدة على نحو غير عادي، وذات مستوى أعلى من النضوج العملياتي. وعلى الجانب السوري من الحدود، لفت إلى أن «الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 900 جندي، والمهمّة الأميركية للعمل مع قوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش لم تتغيّر»، متابعاً أن «التنظيم يعزّز وجوده، كما يبدو، في الصحراء استعداداً لزيادة النشاط، ضمن ما تصفه وكالة استخبارات الدفاع بأنه المرحلة التالية من التمرّد»، وأن نشاط «داعش» يتركّز حول مخيم الهول للاجئين في الحسكة من أجل التجنيد والتوجيه.
إزاء ذلك، أطلقت «كتائب سيد الشهداء» حملة تطوّع لقتال القوات الأميركية بعد 31 كانون الأول المقبل. وأعلن الناطق باسم الكتائب، الشيخ كاظم الفرطوسي، أن فصيله تلقّى 45 ألف اتصال هاتفي من راغبين في التطوّع حتى الآن، وأن من بين هؤلاء مَن شاركوا سابقاً في القتال ضدّ «داعش». والجدير ذكره، هنا، أن «كتائب سيد الشهداء» أُنشئت في عام 2013، بمهمّة أساسية هي القتال إلى جانب الجيش السوري، ولها علاقات وثيقة بـ«كتائب حزب الله».
بالنتيجة، تشي مجمل هذه التطوّرات برغبة الأميركيين في إعادة الوضع في العراق سنوات إلى الوراء، ليكون ساحة تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، ولا سيما السعودية والإمارات، ضدّ إيران، خاصة بعد أن فتحت نتائج الانتخابات، والشرخ العميق الذي أحدثته، داخل «الصفّ الشيعي» تحديداً، الباب واسعاً أمام هؤلاء لتعميق تدخّلهم في الشأن الداخلي العراقي.