الإسلام السياسي في بريطانيا ـ الجمعيات الخيرية، واجهات عمل.

بقلم إكرام زيادة

تنطلق استراتيجية جماعات الاسلام السياسي وبالأخص التنظيم الدولي للإخوان المسلمين للتغلغل في المجتمعات الغربية من خلال نسج شبكة هائلة من العلاقات داخل العديد من الدول الأوروبية، عن طريق المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات “الخيرية” التي تشترك جميعها في كونها عبارة عن واجهات لتنفيذ أهداف امشروع الإخواني في أوروبا. من جهة أخرى تتخفى جماعات الاسلام السياسي، تحت ستار الجمعيات والمؤسسات الخيرية، من أجل التغطية على تمويل العمليات الإرهابية التي ترتكبها فروعه المسلحة بها في دول عدة، مستغلًا العمل الخيري والمساعدات الإنسانية.

تحذيرات استخباراتية

سبق وأن أصدرت الهيئة المشرفة على أعمال الجمعيات الخيرية في بريطانيا في ديسمبر2015 بيانا أعربت فيه عن قلقها البالغ من استغلال الجمعيات الخيرية المرتبطة بتنظيم الإخوان بالدعاية للتنظيمات المتطرفة. مستغلة عملها الخيري كمنصة للترويج للإرهاب والأفكار المتطرفة، عبر اطلاق حملات تجنيد وتحويل أموال المفترض أنها مخصصة للأعمال الخيرية لتمويل نشاطات إرهابية، أو لدعم تنظيمات تحوم الشكوك حولها مثل تنظيم الإخوان.المسلمين.

كان ذلك بالتزامن مع صدور تقرير حكومي برئاسة السير جون جنكيز السفير البريطاني السابق في المملكة العربية السعودية، أشار فيه إلى نمو شبكة معقدة من الجمعيات الخيرية مرتبطة بالإخوان على مدى عدة سنوات. التقرير الذي فتح أعين البريطانيين على خطورة إمبراطورية الإخوان المسلمين على أراضيهم، مشدداً على أن الانتماء إلى الإخوان المسلمين بداية الطريق نحو التطرف.

صحيفة “صانداي تلغراف” البريطانية، أثبتت في تحقيق صحفي في فبراير 2015 ، أن المحاور الرئيسية لعمليات الاخوان المسلمين في أوروبا هي وست جيت هاوس Westgate House تقع غرب لندن، فيها مبنيان يحتويان على ما لا يقل عن 25 منظمة مرتبطة بحركة الإخوان المسلمين أو حماس. وهناك مبنى ثالث قريب جدًا، يسمى بيناكل هاوس Pinnacle House يضم إنتربال، وهي مؤسسة خيرية كبرى أخرى لها صلات وثيقة بالإخوان المسلمين وحماس. وكانت الحكومة الأمريكية حظرت إنتربال Interpal كمنظمة إرهابية، لكنها لا تزال تعمل في المملكة المتحدة زاعمة أنها قطعت علاقاتها مع حركة “حماس”.

مؤسسات وجمعيات مرتبطة بالاسلام السياسي في بريطانيا
هناك حوالي (60) منظمة داخل بريطانيا، ترتبط بجماعة الاخاون المسلمين وجماعات الاسلام السياسي بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تلفزيونية، وذلك بحسب صحيفة تلغراف في اكتوبر 2014 نقلاً عن تقرير حكومي غير منشور، ومن أبرز هذه المؤسسات:

الرابطة الإسلامية في بريطانيا(MAB): تمثل أبرز كيانات الإخوان بالمملكة وأسسها كمال الهلباوي – عضو سابق في مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين المصري ، والمتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب الذي انشق فيما بعد عن الجماعة ، وتضم قيادة حزب MAB قيادات اخوانية مثل عزام التميمي ، الناشط السابق في جبهة العمل الإسلامي (الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية). محمد صوالحة ، العضو السابق في حماس. وأسامة التكريتي نجل زعيم الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين.
منظمة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا: مؤسسة إسلامية بارزة ، مرتبطة بشكل وثيق بشبكة الإخوان المسلمين، ولها فروع في أكثر من (20) دولة. تمتعت بقدر كبير من الوصول إلى المسؤولين الحكوميين البارزين. اذ تضمنت فعاليات الإغاثة الإسلامية خطابات للأمير تشارلز . كما أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية أول جمعية خيرية إسلامية متخصصة تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية لمشاريع في القارة الأفريقية عام 1994. وفي عام 2012، أغلق العملاق المصرفي السويسري UBS حسابات الإغاثة الإسلامية و “منع التبرعات القادمة من عملائه إلى المؤسسة الخيرية” ، حسبما ورد، بسبب مخاوف من تمويل الإرهاب. بعد أربع سنوات ، فعل HSBC الشيء نفسه.
المجلس الإسلامي في بريطانيا (MCB) : أكبر منظمة دعم سياسي تعمل باسم المسلمين في بريطانيا، تأسست عام 1997 على يد قيادات جماعة الإخوان المسلمين ، وهى منظمة جامعة لأكثر من (500) مؤسسة إسلامية منتشرة في جميع أنحاء بريطانيا، وفي عام 2009 قررت بريطانيا وضعها تحت الرقابة على خلفية دعمها لعمليات العنف، ذا تايمز ديسمبر 2015.
الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية:أسسه عصام يوسف في التسعينيات يمتلك الصندوق (11) فرعا في بريطانيا . دخل الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية ضمن التصنيف الذي أطلقته الحكومة البريطانية في 2017؛ حيث اعتُبر كجزء من البنية التحتية لفرع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في بريطانيا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث وجهت وزارة الخزانة الأمريكية أصابع الاتهام إليه واعتبرت أن الصندوق ما هو إلا كيان إرهابي أنشئ لتقديم الدعم المالي لحركة حماس كما ذكرت صحيفة ذا تايمز في 5 أغسطس 2019. فيما قرر بنك “HSBC” وقف التعامل بالحوالات البنكية المجدولة من المتبرعين لصالحه ابتداء من 17 مايو 2020.
مؤسسة قرطبة : (TCF ) هي مؤسسة فكرية شرق أوسطية تأسست مؤسسة قرطبة عام “. ويديرها أنس التكريتي ، المتحدث الرئيسي باسم لوبي جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا ، رغم أنه يدعي أنه ليس عضوا فيها. وفي شهر أغسطس 2014، أغلق بنك أتش أس بي سي (HSBC) الحساب المصرفي لأنس التكريتي فضلا عن حسابات أقاربه ومؤسسة قرطبة حسبما جاء في الجارديان .
الوصول للمسؤولين والاحزاب
أدت حرية الحركة لجماعات الاسلام السياسي في بريطانيا لإيصال النفوذ للبرلمانيين، على رأسهم “جيريمي كوربين” زعيم حزب العمال، المتهم بالتقرب من الجماعة والظهور في مؤسساتها في أكثر من مشهد مختلف، ففي أغسطس 2018 ظهر في مسجد “فينسبري بارك” وهو يرفع علامة رابعة الشهيرة والمرتبطة بإخوان مصر. ونشرت فورين بوليسي أكتوبر 2018 تقريراً يستنكر العلاقة بين “كوربين” والصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية بعد دعوته للتبرع إلى المؤسسة بكثافة، فيما اعتبر كدعم واضح للتيارات المتطرفة.

القوانين والاجراءات لعام 2021
تعهدت الحكومة البريطانية بزيادة المراقبة على المتطرفين الذين يستغلون جائحة كورونا. وأكدت الحكومة في مايو 2020 إنها ستراقب الجماعات المتطرفة عن كثب مثل الإخوان المسلمين الذين كانوا يحاولون لاستفادة من الأزمة.

يأتي هذا بعد أن شهدت بريطانيا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإجراءات والجهود المبذولة داخل أروقة البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الاسلام السياسي و تنظيم الإخوان والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف.

طالب البرلمان البريطاني وزيرة الداخلية “بريتي باتل” بتقييم سريع لنشاط جمعيات “الإخوان” الاقتصادي، للتأكد من عدم استخدامها في تمويل التطرف،. وفقاً لـتقرير بعنوان “تساؤلات برلمانية بشأن نشاط الإخوان في ظل كورونا”- نشرته “سكاي نيوز عربية” في 19 مارس2021.

وكانت السلطات البريطانية في أغسسطس 2020 قد حظرت جمعية “خيرية” مؤسسة “قافلة المساعدات” بعد اكتشاف أن موظفيها على صلة بتنظيم “القاعدة” الإرهابي، وتورطهم في مخالفات إدارية ومالية.

وفي نفس السياق، قامت هيئة تنظيم الجمعيات الخيرية البريطانية بتوجيه تحذير رسمي للمركز الإسلامي في إنجلترا و الذي يعد أحد المراكز الإسلامية التابعة لإيران بعد أن قام المركز بتنظيم وقفة بالشموع في الثالث من يناير 2020 استجابة لمقتل قاسم سليماني في العراق.

وبينما لم تعلن الحكومة التقرير كاملاً، هي لم تعلن أيضاً موقفها من الجماعة بعد، وسط مطالب بأن تكشف حكومة جونسون، عن موقفها وتقييمها لتلك النتائج، حيث أنه في 26 أكتوبر 2021، سأل اللورد مارلسفورد، زميل حزب المحافظين، الحكومة عن تقييمها لتعيين إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، وما هو تقييمها لأي تهديد يمثله وجوده على الأمن القومي البريطاني والعلاقات الدولية؟. وجاء الرد في 5 نوفمبر 2021، حين قالت الحكومة البريطانية: “نحن لا نعلق على الأفراد، لكن الحكومة تواصل مراجعة الآراء والأنشطة التي تروج لها جماعة الإخوان، بما في ذلك شركائهم في المملكة المتحدة”.

الخطوات البريطانية في المسائلة و تشديد الرقابة على منظمات الاسلام السياسي، والتى كان أخرها حظر حركة (حماس) في 26 نوفمبر 2021، قد تكون خطوة ضمن سلسلة أشمل لتفكيك نفوذ التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي تعتبر المملكة المتحدة حاضنته التاريخية ومركز أنشطته الدعوية والسياسية والإعلامية وتتحرك فيها شبكاته المختلفة بحرية كبيرة.

التقييم
تمتلك جماعات الاسلام السياسي وبالاًخص تنظيم الاخوان المسلمين شبكة من المنظمات الاهلية والخيرية في بريطانيا، وحصلت شركات الإخوان ومؤسساتها على الوضع القانوني ، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من ان تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.

تتعامل السلطات البريطانية مع الجماعات الإسلاموية بمرونة عززت من تلك الصورة المربكة لمستقبل الأمن، فمن ناحية تُركت جماعات الاسلام السياسي والمنظمات الاسلامية للتوسع بشكل كبير مع استثمارات متعددة أتاحت لها قنوات للترويج عن أيدلوجيتها عبر وسائل الإعلام وساسة صناعة القرار، ومن جهة أخرى فهناك الكثير من المجموعات المشبوهة النشطة بالبلاد المرتبطة بجماعات ارهابية في الشرق الاوسط كالإخوان المسلمين.

تشهد بريطانيا سلسلة من الإجراءات والجهود المبذولة داخل البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر تنظيم الإخوان والمنظمات التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف.

بعد أن أصبحت مصادر الدعم المالى لجماعات الاسلام السياسي والجمعيات الخيرية الاسلامية مكشوفة لدى الدولة الأوروبية خصوصا الدعم من أنقرة والدوحة ، فينبغى بذل المزيد من الإجراءات ضد جماعات الإسلام السياسى واذرعها من منظمات مجتمع مدني، من خلال اعتماد آليات لوقف الدعم المالي للجماعات المتطرفة التي بات يتصدّرها تنظيم الإخوان. وتشديد الرقابه على النشاطات والمؤسسات التابعة لتلك الجماعات والجمعيات.

Exit mobile version