سفير الشمال- غسان ريفي
تعيش حكومة ″معا للانقاذ″ بين نارين، نار التعطيل الذي فرضته قضية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في ملف إنفجار مرفأ بيروت، ونار السباق السياسي لركوب موجة التحركات الشعبية إحتجاجا على الوضع المعيشي حيث سارع البعض أمس الى تبني الدعوات للنزول الى الشارع ظنا منه أنه قادر بذلك على إستعادة ما خسره من جمهور خلال السنوات الماضية.
تدفع الحكومة ثمن النارين من دون أن يكون لها علاقة بهما، فلا هي تمتلك صلاحيات إقالة أو عزل القاضي البيطار، بل على العكس فقد حافظ رئيسها على هيبة وإستقلالية القضاء عندما رفض التدخل بشؤونه وطالبه بمعالجة مشاكله بنفسه، ولا هي مسؤولة عن الانهيار الحاصل الذي يتحرك ضده المواطنون بل هي جاءت من أجل وقفه تمهيدا للانقاذ قبل أن تواجه التعطيل السريع الذي لم يعد إستمراره بهذا الشكل مبررا.
يمكن القول إن تعطيل عمل مجلس الوزراء، لم يؤثر كثيرا على إنتاجية الحكومة التي تتابع ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي حيث قطعت شوطا كبيرا في الأمور التقنية، وملف الكهرباء بشقيه من إستجرار الغاز المصري الى التيار عبر الشبكة الأردنية، وملف البطاقة التمويلية، ومشروع مساعدة العائلات الأكثر فقرا، إضافة الى القرارات التي صدرت عن الاجتماعات الوزارية التي تعقد في السراي الحكومي حول تقديم المساعدات الاجتماعية لكل موظفي القطاع العام، ورفع بدل النقل الى 64 ألفا، وذلك تمهيدا لاعادة الانتظام العام الى مؤسسات الدولة.
لا يختلف إثنان على أن الوضع الاجتماعي والمعيشي أصبح كارثيا، بفعل الأزمات التي تتوالد يوما بعد يوم، وقد بات معروفا أن بعضها مصطنع وبعضها الآخر يأتي في سياق الانهيار الذي جاءت هذه الحكومة لمعالجته، وخصوصا الارتفاع الهستيري وغير المنطقي لسعر صرف الدولار الأميركي الذي يبدو أن هناك جهات تعمل على إستهداف الحكومة من خلاله وعلى تحقيق أرباحا طائلة، حيث أن الفارق بين إنخفاض السعر وإرتفاعه في اليوم الواحد يصل الى حدود الألف ليرة، ما يعني أن عدم الاستقرار السياسي والاستمرار في تعطيل عمل الحكومة، يفتح المجال واسعا أمام بعض المافيات للتلاعب بلقمة عيش اللبنانيين من خلال سعر صرف الدولار، حيث يرى متابعون أن مجرد تحديد موعد لاجتماع الحكومة من شأنه أن يساهم في إنخفاض سعره ثلاثة أو أربعة آلاف.
أمام هذا الواقع المأسوي، يبقى الشارع هو الملاذ الأخير للمواطنين الموجوعين غير القادرين على تأمين ربطة خبز لعائلاتهم أو توفير العيش الكريم، لكن الأجدى والأفعل في هذه التحركات أن تكون بعيدة كل البعد عن السياسة وأن لا تسمح لأي تيار أو مستفيد أو طامح نحو شعبية إنتخابية بأن يركب موجتها أو أن يصفي حسابات من خلالها، وأن يصار الى تنظيمها من أجل الضغط على كل المعنيين لاعادة تفعيل عمل الحكومة التي يبقى وجودها أكثر من ضروري لاتمام الاستحقاقات من صندوق نقد الى إنتخابات نيابية، والحفاظ في الوقت نفسه على الكيان، خصوصا أن كل دول العالم لا تتعامل مع حكومات تصريف الأعمال ولا تقيم لها وزنا، وبالتالي فإن إستقالة الحكومة من شأنها أن تحل الفرامل التي وضعت مع تشكيلها منعا للارتطام المدمر الذي ستكون تداعياته كارثية على سعر صرف الدولار الذي سيكون من دون سقف، وعلى الصعد الأمنية والاجتماعية والانسانية والتي قد تؤدي مجتمعة الى أخطر مما يتصور البعض.