لم يفاجىء بيان التيار الوطني الحر الأخير، الذي عكس اعتراضه على بقاء الحكومة معطلة كما تم وصفه بانه عالي اللهجة أحدا من المتابعين، كونه عبّر عن جزء من واقع الحال، وشكل تنفيسة لفريق ميرنا الشالوحي المحاصر بالأزمات، فالتيار الوطني الحر في «أزمة «، والارباك الذي يعانيه في التعاطي مع الأحداث أكثر تجليا لديه، كونه التكتل النيابي الأكبر والحزب المحسوب على رئاسة الجمهورية، فلا تخلو الحلقات التي يعقدها عونيون من انتقادات كبيرة يتشارك فيها هؤلاء، قيادات وكوادر، حيال التباينات وأداء الحلفاء وعدم وقوفهم الى جانبهم في ملفات كثيرة، فالعونيون مُحرجون في بيئتهم وجمهورهم، وأينما توجهوا تلاحقهم التساؤلات نفسها في شأن الوضع المسيحي وعلى صعيد الوطن ككل.
منذ الرابع من آب، والتيار يتخبط مع العهد في الأزمات الكبرى، وكان ينقص قضية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وتداعيات حادثة الطيونة السياسية التي تركت بصماتها وتأثيراتها مسيحيا عليه، وقد صار التباين مع الثنائي الشيعي واقعا ملموسا، ولم يعد مخفيا في موضوع تعطيل مجلس الوزراء والعودة الى الحكومة كما في قرار تنحية المحقق العدلي في جريمة المرفأ، فكلها ملفات انفجرت بوجه التيار والعهد وترهقهما معا، وسط اصرار الثنائي الشيعي على المضي في قرار ازاحة المحقق العدلي التي تعتبره مسألة استراتيجية بالنسبة الى فريق 8 آذار، اعتراضا على المسار الذي ينتهجه التحقيق والاستنسابية، مما دفع في اتجاه رفع البطاقة الحمراء في وجه البيطار.
واذا كان من الطبيعي ان لا يقدم حزب الله وحلفائه تراجعات سياسية، بالعودة الى مجلس الوزراء قبل انتزاع موقف في ملف التحقيق الدولي، فان انعكاس ذلك صار مكلفا على التيار الوطني الحر الذي بدا محرجا ومربكا في خياراته، مما دفعه الى الذهاب نحو خطاب تصعيدي لامتصاص النقمة الشعبية ضده، فهو من جهة يواجه تعبئة شعبية ضده في الشارع المسيحي، وثمة من ينتظره على الكوع قبل الانتخابات النيابية في حال»جارى حلفائه وقدم تنازلات، ولم يعد سرا ان التيار والفريق الرئاسي مستاءان من أسلوب التعاطي مع ملف التحقيق وتعطيل الحكومة، كما عبر البيان الأخير لتكتل لبنان القوي ومواقف للنائب جبران باسيل، حيث تؤكد مصادر سياسية ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لا يمكنهما التفريط او التنازل في موضوع التحقيق الذي يريده الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي، ويحتاج التيار الى تعويم شعبيته المسيحية المتكسرة، فحزب «القوات» سبقه في حصد التأييد والشعبوية ويزاحمه في الشارع المسيحي وأثبتت «القوات» قدرتها على استمالة وجذب الشارع المسيحي الذي يشعر انه مستضعف ومتروك منذ إنفجار الرابع من آب.
بحسب مصادر سياسية، فان التيار يواجه معضلة بقاء الحكومة معطلة بما لها من ارتدادات سلبية عليه، وقد دخل التعطيل بابا اخر بعد ان سدت الحلول وسقط المخرج القضائي لموضوع التحقيق الذي كان يتم العمل عليه لاعادة تفعيل عمل الحكومة، والتوجه اليوم هو للعودة الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي لا يقل إحراجا بالنسبة الى التيار والعهد عن المخارج القضائية الأخرى، لعدم اقتناع شرسحة واسعة من اللبنانيين والقانونيين بعمل هذا المجلس الذي يعتبر «مقبرة» الملفات ومخرجا لتبرئة مسؤولين نوابا ووزراء وتمييع الملف.