“يسرائيل هَيوم”،
دانيال سيريوتي – محلل سياسي
خلال الأشهر الأخيرة، وعملياً، منذ تغيّر الإدارة في الولايات المتحدة ودخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض تنتهج الرياض وأبو ظبي استراتيجيا جديدة حيال كل ما يتعلق بالعلاقة الخارجية بإيران واستئناف الاتصالات الدبلوماسية معها.
في البداية أجرى السعوديون في بغداد سلسلة اجتماعات سرية مع مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، شارك في جزء منها السفير السعودي في العراق. لاحقاً، بدأ الإماراتيون حواراً مع الإيرانيين؛ ومؤخراً، عينوا وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية الدبلوماسي الكبير أنور قرقاش للدفع قدماً بالحوار مع طهران.
قرقاش الذي اجتمع بنائب وزير الخارجية الإيراني والمسؤول عن البرنامج النووي في الجمهورية الإسلامية علي باقري، صرّح في ختام لقائه المسؤول الإيراني الذي زار أبو ظبي بأن “هدف الاجتماع التوصل إلى ترسيخ العلاقات وتخفيف التوترات حيال إيران”. وأضاف الدبلوماسي الإماراتي الكبير أن وفداً إماراتياً رفيع المستوى سيقوم بزيارة إلى العاصمة الإيرانية قريباً.
لم يكتفِ الإماراتيون باستئناف الحوار مع طهران. وبعد محادثة هاتفية بين الأمير محمد بن زايد وبين بشار الأسد، أرسل الأول وزير خارجية الإمارات إلى دمشق لعقد اجتماع مع الرئيس السوري. جرى كل ذلك على الرغم من الاحتجاجات الشديدة من طرف واشنطن على أن الإمارات يمكن أن تخرق العقوبات الشديدة المفروضة على سورية، والمعروفة بـ “قانون قيصر” الأميركي الذي يعاقب كيانات تقيم علاقة اقتصادية مع سورية.
في الإمارات ادّعوا أن التقارب مع دمشق هدفه إبعاد النظام السوري عن أذرع الأخطبوط الإيراني. علاوة على ذلك، شددوا في أبو ظبي على اهتمامهم بعلاقات جيدة مع كل دول المنطقة، وضمن إطار سياسة “صفر توترات” التي تنتهجها الإمارات، قام الأمير بن زايد هذا الأسبوع بزيارة نادرة إلى تركيا التقى خلالها الرئيس التركي أردوغان ووقّعا سلسلة اتفاقات للتعاون التجاري واتفاقات اقتصادية ودبلوماسية.
لكن الآن توضح مصادر رفيعة المستوى في الرياض وأبو ظبي السبب الأساسي للانعطافة في الموقف السعودي والإماراتي حيال طهران واستراتيجية “صفر توترات”. الائتلاف الإقليمي المعادي لإيران، والذي تبلور خلال ولاية ترامب ووصل إلى ذروته مع توقيع اتفاقات أبراهام وشمل هذا الائتلاف إسرائيل والبحرين والإمارات والسعودية، تفكك ولم يعد موجوداً، لا نظرياً ولا عملياً. مصدر رفيع المستوى في أبو ظبي قال: “صحيح أنه جرت تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة مؤخراً، هدفها أيضاً نقل رسالة إلى طهران، لكن الائتلاف الذي تبلور بتشجيع من ترامب وإدارته، والذي شكّل حلف دفاع إقليمي غير رسمي مدعوماً من الأميركيين بين إسرائيل ودول الخليج، التي تتخوف من حصول نظام آيات الله المتشدد على سلاح نووي، هذا الحلف تبخر”.
في رأي مصادر رفيعة المستوى في أبو ظبي، السبب الذي أدى إلى الانعطافة في العلاقات الدبلوماسية مع إيران هو “أجندة بايدن في الشرق الأوسط ومسألة التهديد الإيراني بالنسبة إلى دول المنطقة. لكن إسرائيل، على الرغم من التغييرات في السلطة، فإنها ظلت ملتزمة بالتزاماتها حيالنا”، هذا ما قاله مصدر في أبو ظبي لـ”يسرائيل هَيوم”.
وأضاف المصدر: “المشكلة أن بايدن وإدارته فعلوا كل شيء لتمييع إنجازات ترامب في كل ما له علاقة بالتطبيع مع إسرائيل ودق إسفين في التحالف الدفاعي الإقليمي الذي جرى التوصل إليه بين دول المنطقة في مواجهة التهديد الإيراني. على سبيل المثال، تجميد اتفاق بيع طائرات أف-35 للإمارات، ومعارضة واشنطن وفرضها ڤيتو على بيع سلاح نحن بحاجة إليه. لم نفاجَأ بخطوة السعودية في الدفع بحوار إيجابي مع طهران في ضوء علاقة عدم احترام بايدن وإدارته للملك السعودي والمملكة عموماً”.
يقول المسؤول الإماراتي إن الانسحاب الأميركي المتسرع من أفغانستان لم يساعد على الإحساس بالثقة لدى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة حيال السودان وردة فعل واشنطن على الانقلاب الذي قام به رئيس المجلس السيادي الموقت الجنرال عبد الفتاح البرهان زاد في مخاوف الدول التي وقّعت اتفاقات أبراهام، وبينها السودان، من أنه في لحظة الحقيقة لن يقدم الرئيس الأميركي وإدارته الدعم والتأييد المطلوبين.
ويضيف المصدر: “إدارة بايدن ترتكب كل الأخطاء الممكنة التي يمكن أن تدفع السودان إلى عدم استقرار سياسي، وأيضاً إلى انسحاب الخرطوم من اتفاقات أبراهام. الجنرال البرهان يعمل على طرد كل الأطراف السياسية التي تتآمر ضد المجلس العسكري، والذين تعاونوا مع جهات إسلامية متشددة أرادت الاستيلاء على السلطة…” وتابع المصدر: “بدلاً من أن يؤيد الأميركيون الخطوات التي اتخذها البرهان من أجل تأليف حكومة ليبرالية، فرضوا عليه إطلاق سراح الحمدوك من الإقامة الجبرية وحذروه من أنه إذا لم يسمح له بتأليف حكومة، فإن واشنطن ستفرض عقوبات قاسية على السودان. ولم يبقَ أمام البرهان سوى قبول الإملاء الأميركي”.
وأضاف: “إذا تعرّض السودان لانقلاب جديد تكون لتنظيمات الجهاد الإسلامي اليد الطولى فيه، فإن أحداً لن يفاجَأ عندما يرمي هؤلاء اتفاق التطبيع مع إسرائيل في مزبلة التاريخ”.