الحجاب بين الواجب الديني و نظرة المجتمع
فرض على بني آدم قواعد وقوانين وأسس ليتبعها منذ خلق آدم وحواء
وهذه القواعد تقسم الى قسمين اجباري – واختياري… وعلى البشر تطبيقها للعيش ضمن المنظومة الاجتماعية المتكاملة.
فمنها ما نطبقه من باب الطاعة لله سبحانه على خلفية أن النبي محمد صلى الله عليه واله سلم قد أخبرنا بها وأنار لنا طريقنا ورسم الخطوط العريضة لهذه القواعد، وأودع لنا المرجع الأول لنعود له في نظم امورنا الحياتية بكل مناحيها وهو القرآن الكريم ولنهتدي به ونطبق أحكامه.
ومنها ما نطبقه ونحن شبه مجبرين على الالتزام به ومنها ما نحن مقيدين به تقييدا لا طاعة فيه لله انما مخافة المذمة من المجتمع, ومن خلال تجارب متعددة ومتنوعة و شخصية أيضا, ومن خلال الواقع الذي نعيشه اليوم احببت ان اسأل نفسي والآخرين عن الحجاب وعن نظرة الناس له بغض النظر عن النصوص الدينية الواردة في ذكره والتي تحض المرأة على ارتداء الحجاب من باب ديني وأخلاقي يعنى بالحفاظ عليها مصانة ومحمية, وقد تبين ان الناس يعيشون العرف والحالة الاجتماعية السائدة ويخشونها اكثر مما يخشون الله او يحبون اتباع أوامره وترك ما نهى عنه, وقد وجدت عند بعض الشرائح أن الأهم هو اتباع العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة المتواجدة في بيئة معينة أن ترتديه حتى وإن كانت لا تريد ارتدائه فالمجتمع هو من يفرضه عليها ذلك, وبنفس الوقت هناك نساء تتمنى ارتدائه ولكنها تخاف من ردة فعل المجتمع من ذلك كون البيئة المحيطة لا تسمح بذلك, وما يوضح هذا الامر ويلقي الضوء عليه هو سبر ميداني قمت به على شرائح متنوعة المشارب والشخصيات في المجتمع وكانت اللقاءات كما يلي:
الأخت (س. ب) ما رأيك بالحجاب مع العلم أنك تعيشين في بيئة لا تفرض الحجاب على النساء مطلقا؟
ج – أنا احب الحجاب كثيرا وكنت افكر منذ الصغر أنني سأرتديه عندما أكبر, وعندما كبرت احببته اكثر وحتى أنني أحب لبس العباءة ولكن والدي رفض الفكرة, و عندما تزوجت تناقشت مع زوجي في الموضوع فكان جوابه انه سيعيدني لبيت أهلي إن ارتديت الحجاب وقال لي ( أتريدين أن تجعلي سيرتي على كل لسان ).
الأخت (ن. أ) ما رأيك بالحجاب وهل من الممكن أن ترتديه يوما ما في مجتمعك الذي يرفض فكرة المرأة المحجبة؟
ج – بالنسبة لي لا مانع لدي أن أرتدي الحجاب ولكني أحب ارتداؤه في مدينة ومجتمع لا يستهجنه ولكن في مجتمعنا إذا ارتدت المرأة الحجاب ستكون حديث الناس وسيقولون إنها تعاني من مرض خطير وأن شعرها قد تساقط لذلك غطت رأسها، أو يقولون من المؤكد أنها قد غيرت اتجاهها الديني واختارت طريق أخر وهنا ستصبح منبوذة وسيكرهها الجميع ومن الممكن أن تتعرض للأذى فلماذا أفكر بالحجاب لست مضطرة لذلك.
الاخت (م .ح) ما رأيك بالحجاب مع العلم أنك محجبة ومن بيئة محجبة و تزوجتى وانتقلت الى بيئة لا تدعو الى التحجب او تفضله؟
ج- في بداية ارتدائي للحجاب لم اشعر يوماً أنه يشكل لي أية متاعب بل العكس كان الوضع طبيعي جداً, ولما تزوجت وانتقلت للبيئة الجديدة عند زواجي كان الأمر صعبا وشاقا جداً, فكنت أتعرض للانتقاد الدائم واشعر أنني مقيدة وحتى أنني تعرضت لموقف فيه عنف في الشارع, فأحسست برفض هذه البيئة لي وبدأت أكره التحجب ولا أخرج من المنزل إلا عند الضرورة القصوى, ومع مرور سنين عديدة ومرور مواقف كثيرة حول هذا الموضوع والتي لا أستطيع التكلم عنها لبشاعتها وغلظتها أحببته وتمسكت به و شعرت أنني مميزة وأنني أمتلك مساحة من الخصوصية التي لا يمتلكها غيري من النساء وحتى من الرجال الرافضين لفكرة الحجاب في هذه البيئة, وبالمناسبة أنا لم أكن أستطيع زيارة ولدي في المدرسة ومراجعتها للاطمئنان عليه او لحل مشكلة ما خوفاً عليه من ردة فعل المعلمة والطاقم التدريسي و من أصدقائه, أما الآن فقد فرضت نفسي على مجتمع لم يكن يقبلني بل ينبذني وأصبح لدي أصدقاء منهم ولو ان عددهم قليل جدا الا انني لم أستسلم وهذا هو الأهم بالنسبة لي.
الاخت (ر.م) ما رأيك بالحجاب وأنت محجبة وتعيشين في بيئة يندر وجود نساء غير محجبات فيها؟
ج- لا أعلم ماذا أجيب على سؤالك فأنا لم أفكر يوماً أنني أرتدي الحجاب فهو أصبح عادة مثل عادة ارتداء أي قطعة ثياب أساسية، ولكن أحب أن يكون حجابي مميز بلونه وقماشه وطريقة ارتدائي له، ولا أستطيع أن أتخيل نفسي يوما لا أرتديه فهو أصبح جزء مني ومن شخصيتي وبيئتي.
بعد اجراء هذا السبر السريع والتعرض لمسألة الحجاب في بيئات مختلفة منها ما ينبذ فكرة الحجاب ومنها ما يحض عليها ومنا ما لا يشعر بالمسألة أصلا.
وصلت الى النتائج التالية:
أن تحجب المرأة حاليا يمثل عادة من جهة ومخافة المذمة المجتمعية من جهة أخرى وواجب والتزام ضمني كامن في الشخصية، ولم تتطرق ولا واحدة من النساء اللواتي تم سؤالهن عن الموضوع الى الجانب الديني والرسالي للحجاب.
بل ان بعضهن حولنه الى موضة وعنصر جذب ولفت انتباه، وكان اهتمامهن بالجانب الجمالي للحجاب لجهة لونه وشكله وطريقة ارتدائه أكبر من معناه وهدفه الحقيقي، وهذا مبرر كون المنظومة المجتمعية تعيش حاليا تداعيات حرب اسقطت القيم واضرت بالمنظومة الأخلاقية، وأول ما اسقطت من نفوسنا هو الدين بل حولته الى مسخ نكرهه جميعا اتباعه واعدائه.
نتيجة السبر
ولعل السبر الذي قمت به حول موضوع الحجاب هو موضوع شائك كون النسيج الاجتماعي لبلدي متنوع ومتعدد جدا, وانا شخصيا لست مع فرض الحجاب على أي انسانة ان لم ترد ارتدائه, بل يجب تركها لتقرر هذا الامر بنفسها حتى يكون الحجاب متكاملا ومحققا لرسالته الأساسية وهي حماية وصيانة واحترام الانثى من خلال إخفاء احد الجمالين فيها وهو الشعر, والوصول الى حجاب القلب عن المعاصي, اولها المخطط الإلهي يندرج ضمن منظومة القوانين الإلهية التي تسعى لكمال الانسان ووصوله للصورة الإلهية التي تصبح مانعا له في كمالاته من الاعتداء على حقوق الاخرين بل وان يكون عنصرا فاعلا ومساعدا ومفيدا اجتماعيا.
مرفق لوحة تعبيرية تمس الموضوع رسمها والدي اثناء سكنه في البيئة الجديدة التي انتقلت اليها الى جانب زوجي، حيث جاورنا لمدة عام ونصف بسبب الحرب.
ملك الموسوي 22/11/2021