الأخبار
بعد يومٍ واحد فقط من نفي محافظ جنين لما تداولته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية حول حملة أمنية عسكرية تستهدف المقاومة، عاد الرجوب بنفسه ليقول في تصريحات إلى إذاعة «الرابعة»: «منذ وجودي في منصبي على مدار ثلاث سنوات، لم أشاهد ولم أسمع عن أيّ مسلح أطلق النار على جنود الاحتلال أو على أيّ مستوطنة، ولم يُصَب أيّ إسرائيلي بأذى»، مضيفاً: «سنلاحق ونعتقل كلّ مظاهر الفلتان الأمني المسلّح، وما يجري في جنين هو خروج عن القانون»، مؤكداً «وجود قرار من أعلى المستويات بإعادة الأمن للمنطقة». كذلك، توعّد الرجوب حركة «حماس» بـ«ردّ قاسٍ جداً» إذا حاولت «الخروج عن القانون»، لافتاً إلى أن «السلطة بدأت بمعالجة المظاهر المسلّحة السلبية التي انتشرت بشكل واسع منذ أشهر» (أكدت «الأخبار» قبل نحو شهرين وجود قرار لدى السلطة بإنهاء ظاهرة المسلّحين في مخيم جنين خاصة). وبعد ساعات من تصريحات محافظ جنين أمس، خرج عشرات المسلّحين في مسيرة عسكرية من دون إطلاق النار في الهواء، خلال استقبال أسير محرّر من «الجهاد الإسلامي» في المخيم. وبحسب مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن هذا العرض العسكري جاء ردّاً على تهديدات المحافظ.
منذ بداية 2021 وحتى الآن، قدّمت محافظة جنين أكثر من 14 شهيداً، فيما شهدت المدينة ومخيّمها وحتى بعض قراها اشتباكات مسلّحة مع جيش العدو، وتحوّل حاجز الجلمة إلى «ملطشة» وفق فكاهة الفلسطينيين، للدلالة على كثافة استهداف المقاومين له بالرصاص وبالعبوات المحلّية الصنع، وهذا ما يؤكد وجود تعارضٍ بين ما ساقه الرجوب وبين الواقع على الأرض. كذلك، تشهد بقيّة محافظات الضفة عمليات إطلاق نار بين فترة وأخرى؛ إذ سجّل الأسبوع الماضي عدّة أحداث نوعية، أبرزها: إطلاق نار تجاه قوّة من نخبة جيش العدو في مدينة طوباس أثناء اقتياد الجنود لشاب بعد اعتقاله، حيث يُظهر مقطع فيديو هروب الجنود وإلقاءهم المعتقل أرضاً لحظة تعرّضهم لإطلاق النار. وخلال الأسبوع نفسه، تعرّضت نقطة عسكرية إسرائيلية لإطلاق نار على قمّة جبل جرزيم في نابلس، في حين شهدت نابلس أيضاً اعتقال قوّة خاصة إسرائيلية للشاب عبد الحكيم شاهين الذي كان مطلوباً ومطارَداً منذ عدّة أشهر، ويتّهمه الاحتلال بتنفيذ عمليات إطلاق نار ضدّ قوّاته وأهداف إسرائيلية. أمّا القدس، فقد كانت بدورها على موعد مع عمليتَين مفاجئتَين، الأولى نفّذها الفتى عمر أبو عصب، بطعنه اثنَين من المستوطنين داخل البلدة القديمة في القدس؛ والثانية بعد أيّام، حيث شهد المكان نفسه عملية نوعية نفّذها الشيخ الداعية فادي أبو شخيدم، بقتله مستوطناً يعمل كجندي احتياط في كتيبة المظلّيين في جيش الاحتلال وإصابته عدّة إسرائيليين، باستخدام بندقية آلية إيطالية من طراز «Beretta M12».
هذه الأحداث المتلاحقة أعقبها إعلان إسرائيلي رسمي عن تفكيك خلايا لحركة «حماس»، وكشف أسلحة بحوزتها من بينها حزام ناسف وكمّيات من المواد المتفجّرة – في إشارة إلى شهداء بلدة بدو ونشطاء من الحركة هاجمهم العدو في منزل في بلدة برقين ونشطاء معتقلين آخرين -، الأمر الذي يشي بوجود جمر تحت الرماد، ومحاولات من «حماس» لإشعال الميدان. ووصف الصحافي الإسرائيلي، تال ليف رام، ما يجري بأنه «عهد جديد في الضفة والقدس بعد زيادة قوّة حماس وسعيها المستمرّ للتصعيد في ظلّ أزمة اقتصادية تعيشها السلطة الفلسطينية». وتتحدّث مصادر مطّلعة، إلى «الأخبار»، بدورها، عن تنامي ظاهرة المطارَدين والمطلوبين لجيش العدو خلال العام الجاري، في مشهدٍ لافت لم تعشه الضفة منذ سنوات طويلة. على أن المصادر تعرب عن اعتقادها بأن السلطة ستتّجه نحو «حلول» أخرى بعيداً عن «الحلّ الأمني» لأنه أثبت سابقاً عدم جدواه في جنين تحديداً، مستبعدةً إمكانية اتّساع الاشتباكات بين المسلّحين والأمن الفلسطيني لتصل إلى سيناريو مماثل لما جرى في البلدة القديمة في نابلس ومخيم بلاطة قبل سنوات، أي أنه لن تكون هناك خسائر في الأرواح، فضلاً عن أن السلطة لن تتحمّل تدهور الوضع الأمني بشكل أكبر، وفي المقابل لن ينجرّ المقاومون خلف اشتباكات مسلّحة داخلية. ومن هنا، تتوقّع المصادر أن تتّجه الأمور في الأسابيع المقبلة نحو «تسوية غير معلَنة وغير رسمية»، قوامها «إنهاء الاستعراض المسلّح من الشبان مقابل إنهاء الحملة الأمنية على مخيم جنين». لكن مع ذلك، سيظلّ المشهد مرشّحاً للتصعيد في حال عودة جيش العدو إلى تنفيذ اقتحاماته الليلية الواسعة، لأنه سيقابلها بلا شكّ ظهور أسلحة ومقاومين، وبالتالي وقوع مواجهات.