أعادت عملية الطعن التي نفذها فادي أبو شخيدم قبيل استشهاده والتي أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة آخرين، فتح الباب أمام التساؤلات حول مصير التحقيقات التي تباشر فيها الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة الاحتلال خاصة مع جنودها الذين يتورطون بقتل شباب فلسطينيين لمجرد الاشتباه بهم، رغم اثبات عدم قيامه بأي أعمال مقاومة فيما بعد.
صحيفة هآرتس كشفت في مقال لها إلى ان “إسرائيل لم تقم بتقديم أي جندي للمحاكمة خلال سنتين كاملين، والمتورطين في 18 حالة إطلاق نار على فلسطينيين”، مشيرة إلى ان المتحدث باسم جيش الاحتلال دائماً كان يتذرع بعدم انتهاء التحقيق.
النص المترجم:
في 11 تشرين الثاني 2019، بالضبط قبل سنتين، خرج عمر بدوي من بيته في مخيم العروب للاجئين في جنوب الضفة لإطفاء النار المشتعلة خارج سور بيته. حين ألقى شباب زجاجة حارقة على الجنود الذين اقتحموا المخيم، أخطأت هدفها وأصابت السور. بدوي (22 سنة) أمسك بيده منشفة وأراد بها إطفاء النار. كان هذا خطأ حياته؛ ففي الوقت الذي خرج فيه من البيت، ثمة جنود كانوا يقفون أسفل الزقاق أطلقوا النار عليه وقتلوه. ربما اعتقدوا أن المنشفة قد عرضت حياتهم للخطر، أو اعتقدوا أنها تبرر إطلاق النار القاتلة على شخص بريء. فيلم فيديو وثق ما حدث: الخروج من البيت.. والمنشفة في يده.. وإطلاق النار.. ومشاهد قاسية وقاطعة.
وعد الجيش الإسرائيلي في حينه -كالعادة- بفتح تحقيق. الجيش الإسرائيلي كما هو معروف هو جيش لا يتردد في التحقيق مع نفسه. “بعد انتهاء التحقيق، سيتم تحويل الاستنتاجات إلى النيابة العسكرية”، قيل لنا قبل سنتين. وقبل سنة، توجهنا للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي وطلبنا معرفة ما حصل بمصير التحقيق بعد مرور سنة. فقال الجيش بأن التحقيق لم ينته بعد. وقد مرت سنة أخرى، وفي هذا الأسبوع، قال لنا المتحدث بلسان الجيش: “أحد الجنود الذي كان يحمي القوة شخّص فلسطينياً في الزقاق وهو يحمل في يده قطعة قماش سوداء، شخّصها الجندي كزجاجة حارقة لم تشتعل بعد، وأطلق عليه رصاصة. مات الفلسطيني متأثراً بجروحه. بسبب هذه الحادثة، فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً، وبعد فحص الاستنتاجات وجد أن الأدلة التي تم جمعها لا تبرر اتخاذ إجراءات قانونية”.
شاب غير مسلح ولم يعرض حياة أي شخص للخطر، خرج من بيته. جندي تخيل أن المنشفة التي يحملها الشاب هي جزء من زجاجة حارقة مستقبلية، فقرر إعدامه على الفور. لا شيء في سلوك الجندي الذي نفذ الإعدام قد أثار شك الجيش بارتكاب جريمة، لا قتل ولا حتى التسبب بالموت جراء الإهمال، ولا يشوب سلوكه -كما يرى الجيش- أي شك، سليم بشكل كامل، وربما حتى جدير بالثناء. وتم إغلاق الملف. السهولة غير المحتملة لإزهاق حياة فلسطيني لم تكن تستحق حتى أي توبيخ في نظر الجيش الأخلاقي. ليرى ويعرف كل الجنود، أن لا يترددوا في إطلاق النار على فلسطينيين مسلحين بالمناشف.
أما إطلاق النار على امرأة عجوز ومريضة نفسياً، اقتربت بخطوات مترددة وبطيئة وهي مشوشة من الحاجز، وهي تحمل، بكل ضعف، سكين مطبخ غير كبيرة ووجهها يدل على ضائقة… كل هذا لا يبرر -حسب المعايير الأخلاقية للجيش الإسرائيلي- اتخاذ أي خطوات، بل القتل مباشرة. ألم يتسرع الجنود في القتل؟ ألم يكن بالإمكان عدم قتلها؟ ألم يكن هناك جنود أكثر شجاعة وأقل جبن بحيث كانوا قادرين على السيطرة عليها بدون إطلاق النار على امرأة ثقيلة الحركة وعجوز ومريضة نفسياً؟ ألم يكن من الواجب أن لا يكون إطلاق النار هو الرد التلقائي الأول للجنود، بل الأخير؟ وهذه المرة أيضاً، لم تفتح الشرطة العسكرية تحقيقاً؛ لماذا يكلفون أنفسهم عناء ذلك! “في ظروف الحادثة تم إجراء فحص أولي، وعندما لم يثر أي شك معقول بارتكاب جريمة جنائية، لم يتم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية عقب الحادثة”، قال لنا المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في هذا الأسبوع.
لقد اخترنا 18 حالة قتل أو إصابة بالغة لفلسطينيين على أيدي الجنود في السنتين الأخيرتين. حالات وثقناها وتوجهنا للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي لمعرفة ما حصل بمصير التحقيق فيها. حول خمس حالات من هذه الحالات قرر الجيش إغلاق ملفات التحقيق بذريعة أن البيانات التي تم جمعها لم تبرر اتخاذ إجراءات قانونية. وحول الحالات الأخرى، بعضها حدث قبل سنة أو سنتين، أعلن الجيش بأن “التحقيق حول الأحداث الأخرى المفصلة ما زال مستمراً، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأنها بعد”. لم يتم اتخاذ أي قرار بتقديم الجنود للمحاكمة بأي تهمة بخصوص أي حالة من حالات القتل والإصابة. لا شيء. إزهاق حياة الناس ومن بينهم أطفال، أو إصابتهم وتحويلهم إلى معاقين طوال حياتهم، لا يستحق حتى التحقيق فيه من قبل الجيش الإسرائيلي. ما الجديد في ذلك؟
12 تموز 2019، تم إطلاق النار على رأس الطفل عبد الرحمن شتيوي، في قرية كفر قدوم. كان شتيوي واقفاً على مدخل بيت صديقه أثناء قيام الجنود بإطلاق النار مباشرة على رأسه من بعيد. الطفل الذي كان عمره عشر سنوات، والذي كان يظهر حتى أقل من عمره، بقي مشلولاً بعد إطلاق النار على رأسه. وبعد سنتين ونصف تقريباً، كان رد الجيش الإسرائيلي: “في أعقاب الإخلال بالنظام، استخدمت القوات قنابل الصوت والرصاص المطاطي على خارقي النظام. وفي النهاية، تم إطلاق رصاصتين في الهواء، ولم يتم تشخيص أي إصابة منهما. وعقب الحادثة، أخبر بإصابة قاصر فلسطيني. ونتائج التحقيق لم تمكن من تحديد -ضمن المنسوب المطلوب في القضايا الجنائية- كيفية إصابة الفلسطيني. على أي حال، فحص الذخيرة التي أطلقت في الحادثة أظهر أنها لا تبرر اتخاذ إجراءات قانونية.
11 تشرين الثاني 2019، قتل عمر بدوي في مخيم العروب للاجئين. بدوي (22 سنة) حمل في يده منشفة أراد أن يطفئ بها ناراً اشتعلت على سور بيته. الجنود الذين كانوا يقفون أسفل الزقاق، أطلقوا النار عليه وقتلوه. وقد تم إغلاق الملف.
30 كانون الثاني 2020، تم إطلاق النار على رأس محمد شتيوي (14 سنة)، كان قد اختبأ أثناء المظاهرة الأسبوعية وراء صخرة، فأطلق أحد الجنود النار على رأسه عندما خرج من مخبئه. وأصبح الفتى مشلولاً. التحقيق ما زال مستمراً.
6 شباط 2020، قتل الشرطي الفلسطيني طارق بدوان على باب مركز الشرطة في جنين. أطلق عليه النار عليه أثناء وقوفه وهو يتحدث مع شرطي آخر. ادعى الجيش الإسرائيلي في البداية بأنه كان هناك إطلاق نار من جهة المركز. ولكن سرعان ما تراجع عن هذه الرواية الكاذبة بعد أن أظهر فيلم فيديو قصير، الشرطي وهو يقف ويتحدث ببراءة قبل إطلاق النار عليه وقتله. التحقيق ما زال مستمراً.
بداية شباط 2020، قتل بدر هرشة، قرب الجدار في المعبر قرب قرية قفين. كان عمره 20 سنة عندما ذهب إلى الجدار للتظاهر ضد خطة ترامب. وقد أغضب أحد جنود الجيش الذي كان يتحدث العربية، يبدو أنه درزي، لأنه موجود هناك. انسحب الجندي وعاد بعد بضع دقائق في سيارة عسكرية. ثم فتح باب السيارة وأطلق النار على هرشة. وقال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في هذا الأسبوع: “أثناء خرق النظام، كان الجنود قد شخصوا فلسطينياً كان ينوي إلقاء زجاجة حارقة عليهم. فأطلقوا عليه رصاصة واحدة. وتوفي الفلسطيني متأثراً بجروحه. بسبب هذه الحادثة، فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً، وبعد فحص النتائج تبين أن الأدلة التي تم جمعها لا تبرر اتخاذ إجراءات قانونية.
13 أيار 2020، قتل زياد قيسية في مخيم الفوار. كان عمره 17 سنة، حلم بأن يكون مطرباً، كان يغني في شوارع المخيم مستعيناً بمكبر صوت بسيط اشترته له أمه. وقد قتل عندما اقتحمت الوحدة الخاصة “دفدفان” المخيم لاعتقال شاب معاق كتب شيئاً غير سوي في “فيسبوك”. أطلق الجنود النار عليه من مسافة بعيدة عندما كان يقف على سطح بيته هو وابنة شقيقه الصغيرة، ويشاهد ما يحدث. الرصاصة هشمت وجهه. وقال المتحدث بلسان الجيش في هذا الأسبوع: “رداً على خرق النظام، قام جنود الجيش بالرد بإطلاق النار. استمراراً لنفس الحادثة، تم الإبلاغ بأنه وعلى بعد مئات الأمتار من المكان، أصيب قاصر فلسطيني وتوفي متأثراً بجروحه. بسبب الحادثة، فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً، لم تسمح نتائجه بتحديد كيف أصيب القتيل، هل أصيب بإطلاق نار الجيش الإسرائيلي، أم النار بشكل عام. بالتالي، وجد أن الأدلة التي جمعت لا تبرر اتخاذ خطوات قانونية”.
26 شباط 2021، أصيب أحمد فلنة إصابة بالغة واعتُقل قرب الجدار في قرية صفا. فلنة عمره 17 سنة، أطلق عليه النار قرب جدار الفصل. أصيب بإصابة بالغة، وعولج مرتين، وأخذ إلى الاعتقال دون إبلاغ والديه عن وضعه. التحقيق لم ينته بعد.
5 نيسان 2021، قتل أسامة منصور على الشارع بين الجيب وبير نبالا. كان مسافراً هو وزوجته في سيارتهما. جندي أمرهما بالتوقف. بعد ذلك سمح لهما بالسفر. بعد لحظة، بدأ الجنود بإطلاق الرصاص الحي على السيارة. وبع عشرات الرصاصات قتل منصور، وهو بائع خضار فقير، أمام زوجته. وقد ترك وراءه خمسة أولاد أيتام. والتحقيق لم ينته بعد.
9 نيسان 2021، أطلق الرصاص الحي على عين عز الدين البطش، في سوق الخليل. البطش فتى يبلغ 14 عاماً، كان يقف على مدخل دكان خضار في السوق الصاخبة. وفي الوقت الذي كان يرتب فيه البضاعة، أطلق عليه جندي النار من بعيد وأصاب عينه. لم ينته التحقيق بعد.
3 أيار 2021، قتلت فهمية حروب، قرب مستوطنة “غوش عصيون”. الحروب تبلغ من العمر 60 سنة، كانت مريضة نفسياً، وقد تدهور وضعها في فترة كورونا ففضلت الموت. بعد أن أطلق الجنود النار عليها استلقت وهي تنزف مدة 40 دقيقة على الحاجز دون تقديم أي علاج لها. وقال المتحدث بلسان الجيش، في هذا الأسبوع: “أطلق الجنود النار ضمن إجراء اعتقال مشبوه، وعندما استمرت المخربة في التقدم نحوهم أطلقوا عليها النار. المخربة توفيت متأثرة بجروحها. وبسبب ظروف الحادثة، تم إجراء فحص أولي، عندما لم يثر أي شك معقول بارتكاب مخالفة جنائية لم يتم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية عقب الحادثة.
12 أيار 2021، قتل حسين الطيطي في مخيم الفوار. صعد الطيطي (28 سنة) على سطح بيته بعد أن كان على قناعة بأن الجنود الذين اقتحموا المخيم قد غادروا، كي يشاهد ما حدث. لقد نظر من فوق السطح وأصيب. أطلقوا الجنود النار عليه وقتلوه. التحقيق لم ينته بعد.
14 أيار 2021، قتل طارق صنوبر، من قرية يتما. أطلق الجنود النار عليه بعد يومين على ولادة ابنه البكر، في الوقت الذي كان في الطريق إلى المستشفى لإعادة زوجته وابنه إلى البيت. شوهد جندي وهو يصوب السلاح نحوه ويطلق النار عليه من مسافة 100 متر. التحقيق لم ينته بعد.
15 أيار 2021، قتل فادي وشحة، على مدخل رام الله الشمالي. كان وشحة طالباً وناشطاً اجتماعياً، عمره 24 سنة. في ذكرى يوم النكبة، ذهب للتظاهر، وأطلق عليه النار وقتل من مسافة 100 متر تقريباً. أبناء عائلته على قناعة بأن إطلاق النار وجه له بقصد بسبب نشاطه. التحقيق لم ينته بعد.
18 أيار 2021، قتل إسلام برناط في قرية بلعين. كان عمره 16 سنة، طالب في الصف 11. أطلق الجنود النار على رأسه أثناء مظاهرة في القرية. التحقيق لم ينته بعد.
23 تموز 2021، قتل محمد التميمي، في قرية “النبي صالح”. كان التميمي ابن 17 سنة. ذهب للبحث عن شقيقه الصغير عندما دخل الجيش إلى القرية. فجأة، فتح باب السيارة العسكرية وأطلق أحد الجنود رصاصة واحدة عليه، وأصابته. بعد انهياره ومحاولته للهرب للنجاة وهو مصاب بإصابة بالغة، أطلق الجنود الذين كانوا يسيرون وراء السيارة العسكرية، رصاصتين عليه وقتلوه. التحقيق لم ينته بعد.
27 تموز 2021، قتل شادي الشرفا على مدخل قرية بيتا. كان الشرفا سبّاك القرية. أطلق عليه في الوقت الذي ذهب فيه لإصلاح صنبور المياه الذي يغذي القرية. أطلق الجنود النار عليه كما يبدو بسبب المفتاح السويدي الذي كان يحمله. وصادرت إسرائيل جثته. التحقيق لم ينته بعد.
7 آب 2021، قتل عماد دويكات في قرية بيتا. كان أباً لأربع بنات وولد. وقد خرج للتظاهر ضد سيطرة رجال بؤرة “أفيتار” الاستيطانية على أراضي قريته. وقال شهود عيان إن النار أطلقت عليه، وقتل في الوقت الذي كان يشرب فيه الماء. التحقيق لم ينته بعد.
26 أيلول 2021، قتل محمد خبيصة في قرية بيتا. كان أباً لطفلة عمرها ثمانية أشهر. وهو القتيل السابع في القرية في حملة نضال ضد البؤرة الاستيطانية غير القانونية “أفيتار”. التحقيق لم ينته بعد.
المصدر: هآرتس
الكاتب: جدعون ليفي وأليكس ليبيك