الحدث

تصوّر دولي لتغيير لبناني شامل.. وترسيم الحدود بداية مساره

التغيير يجب أن يتناسب مع موازين القوى الجديدة، وحسابات إقليمية ودولية (عباس سلمان)
منير الربيع|المدن
تتفلت الخيوط من أيدي المسؤولين اللبنانيين. فأي منهم لا يمتلك إجابة واضحة عما ينتظر البلاد في الأشهر المقبلة. ولا أحد قادر على الجزم بمصير الانتخابات النيابية. حتى المجتمع الدولي الذي يصرّ على إجرائها في مواعيدها، يضع في حسبانه احتمال تأجيلها.

يشير هذا الوضع إلى أن لبنان مقبل على تغيير كبير، نتيجة تطورات إقليمية ودولية. والدول تسميه محاولة إحداث تغيير حقيقي في السلطة السياسية وتركيبة النظام. ومعلوم أن التغيير يجب أن يتناسب مع موازين القوى الجديدة، وحسابات إقليمية ودولية.

أزمة لا تحلّها انتخابات
وتبدو الأزمة اللبنانية أعمق بكثير مما يظن كثيرون. ولا يمكن حلّها بانتخابات نيابية، تليها انتخابات رئاسية. فلبنان لم يصل إلى ما وصل إليه ليكون حلّ مشكلاته سهلاً، مثلما يتوقع البعض. ولكن في الوقت نفسه ليس من تصور واضح لما ستكون عليه الصورة اللبنانية المستقبلية، أو كيف سيكون المخرج من كل هذه الازمات المتوالية.

لذلك يستمر البحث في سيناريوهات كثيرة، سواء حصل الاستحقاقان الانتخابيان أم لم يحصلا. وأثبتت التجارب في لبنان أن أي تغيير في بنية النظام أو التركيبة السياسية، لا تحصل على البارد، بل بالفوضى والدماء.

لذا لا يمكن إغفال تأجيل الانتخابات، وسط توقعات بأن تأجيلها مقدمة لمزيد من الدمار والفوضى والاقتتال الداخلي، سياسياً وشعبياً.

الانتخابات وإلا عون باق
وفي حال تأجيل الانتخابات لن يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون القصر الجمهوري. صحيح أنه قال إنه يتوجه إلى اللبنانيين بالكلمة الأخيرة في ذكرى الاستقلال كرئيس للجمهورية. لكن هذا لا يعني أن الرئيس سيغادر السلطة، في حال استمر فيها الآخرون.

تجنباً لمثل هذا الاحتمال، تبحث جهات دولية عدة عن مخرج سياسي ملائم: توفير ظروف إنتاج تسوية شاملة، قبل الانتخابات أو بعدها. ولهذا تحتاج الانتخابات إلى بعض التأجيل، للاتفاق على سلّة كاملة: انتخاب رئيس للجمهورية، وآلية تشكيل الحكومة، وشخصية رئيسها، إضافة إلى تعيينات شاملة في المواقع القضائية والعسكرية والمالية والإدارية الأساسية في الدولة.

وفي حال عدم نجاح هذا السيناريو، توضع البلاد أمام احتمال آخر: إجراء الانتخابات في موعدها، وتكون الأكثرية فيها ضائعة في انتظار تسوية إقليمية تشمل الملف اللبناني، وسط إصرار دولي على إدخال عناصر جديدة على الطبقة السياسية تحت شعار التغيير.

استحالة البديل
هنا يظل التغيير شعاراً، نظراً إلى الوقائع وموازين القوى. فحتى لو حدثت اختراقات سياسية داخل البيئات السياسية والطائفية كلها، وتوافرت نزعة لإزاحة الطبقة السياسية التقليدية أو عدد من رموزها، تظل هناك أسئلة مطروحة: كيف تكون آلية التعاطي مع القوى الباقية، كحزب الله مثلاً، وهو يمثل قوة شيعية لها امتدادها الإقليمي؟ وكيف يكون وضع الدروز؟ وحتى لو تقدمت القوات اللبنانية على الساحة المسيحية، وبرزت على الساحة السنية بعض الزعامات المناطقية، لا بد من النظر إلى موازين القوى الإقليمية والدولية.

القوى السياسية نفسها بأخطائها وارتكاباتها أفسحت المجال لهذا المأزق الكبير، وسط انعدام أي رؤية واضحة لما يمكن للبديل أن يفعله أو يحققه. ولبنان أصبح ملفاً مطروحاً على طاولة يبتعد عنها اللبنانيون. وهذه حال مسار المفاوضات الدولية التي تطال في جوانب منها المنطقة العربية ومصير العرب، فيما العرب غائبون عن الطاولة.

اختناق في زوايا مظلمة
أما في حال حصلت الانتخابات النيابية، فلا بد من توجيه الأنظار نحو الانتخابات الرئاسية، ومصيرها: هل الاتفاق على انتخاب رئيس جديد؟ فميشال عون جاهز لاستخدام أوراقه كلها لفرض الشخصية التي تنتخب، في حال استحال تأمين فرص انتخاب وريثه جبران باسيل.

وهناك استعداد لبذل ما أمكن في سبيل ذلك، على الرغم من أنه يبدو مستحيلاً. ولكن من يعرف كيف يفكر الساسة في لبنان، يقتنع بأنهم لا يؤمنون بالمستحيل، ولو أدى إلى دفع أثمان كبيرة. وفي هذا الوقت تجد القوى السياسية أنها مخنوقة في زوايا مظلمة: انهيار مالي واقتصادي، عدم اعتراف دولي بهم، وعدم استعداد الدول لتقديم أي مساعدات.

العقوبات وترسيم الحدود
يضاف إلى ذلك الخوف المزمن والمستفحل في قلوب جميع السياسيين: احتمال تعرضهم لعقوبات الأميركية. لذا ينهمك الجميع في كيفية تمرير مواقف سياسية تجنبهم العقوبات، فيما حزب الله خاضع لها أساساً، ويعدّ العدة للتفاوض تحت سقفها. هو يمتلك أوراق القوة في ملف ترسيم الحدود، الذي قد يشكل متنفساً، أو يكون عنصراً تقريرياً في أي تسوية سياسية على إيقاع التطورات الإقليمية والدولية.

رئيس الجمهورية وفريقه يريدون إنجاز هذا الملف، مهما كان الثمن، درءاً للعقوبات وإفساحاً في المجال لتجديد المسار السياسي. وخلال عشرة أيام يفترض أن يعود آموس هوكشتاين إلى لبنان، حاملاً العرض الأميركي الواضح بعد لقاءاته بالمسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين سابقاً.

وتفيد المعطيات أن العرض الأميركي قائم: قبول اللبنانيين بما يطرح عليهم، كالحصول على 860 كلم، مع احتمال حفظ ماء الوجه بخط متعرّج. وإنجاز الترسيم يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة سياسياً في لبنان، على وقع مفاوضات النووي بين واشنطن وطهران، ومفاوضات تقودها موسكو لإعادة انتشار القوات الإيرانية في سوريا، والوصول إلى وقف الضربات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية، وضمان بقاء وجود الإيرانيين في الجنوب السوري، من دون أسلحة متطورة أو تكسر التوازن.

وفي حال عدم إنجاز ملف الترسيم، فإن تصعيداً يضاف إلى التصعيد القائم، وإطالة أمد الأزمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى