عيد” الاستقلال: مسرح جنائزي للدولة أم لرموز السلطة؟

عيد الاستقلال: طلاق إسلامي أم “هجر” ماروني؟ (دالاتي ونهرا)
منير الربيع|المدن
أتى مشهد الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال بائساً إلى حد لا يُصدق، لا من ناحية تقشفه وركاكته المشهدية وحسب، بل من ناحية التعبيرات السياسية القاتمة التي بدت عليها الوجوه الحاضرة. كأنما تقف على مسرح الاحتضار والحداد. ليس غياب الأبهة ولا افتقاد سيمياء الزهو هو المهم هنا. فهذه المناسبة باتت “احتفالاً” معزولاً ومجوفاً من المعنى منذ عام 2019 على الأقل، أي حين تحولت رموز السلطة إلى هدف للازدراء.. لكن المهم هذه المرة هي الملامح الجنائزية التي أضفت طابعاً تشاؤمياً على “الاستقلال” ومناسبته.
إزاء هذا الواقع الكئيب، لا يمكن فهم حقيقة العلاقات القائمة راهناً داخل البيت اللبناني بمنازله الكثيرة: هل حال الانفصال بين ممثلي الجماعات، سكان تلك المنازل وأهلها، قائم على مبدأ “الهجر” حسب ما يفرضه أحياناً فشل الزواج الماروني، أم هو قائم على “الطلاق” وفق أبغض حلال بشريعة المسلمين؟

طلاق ويتم وضياع وعجز
والتصور هذا مستمد من مقولة أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حين قال إن الاحتفال بعيد الاستقلال يشبه احتفاء امرأة مطلقة بعيد زواجها.

ومهما يكن الجواب، فإن “العائلة” اللبنانية تبدو مفككة، وأبناءها في حال يتم وضياع. فممثلو اللبنانيين في حال احتراب دائم، صراع بين عاجزين “عجزة”. ويظهر عجزهم في عدم قدرتهم على اجتراح أي حلّ سياسي. وقد أظهرت إحدى الصور الملتقطة من احتفال الاستقلال، عجزهم الجسدي في إلقاء أيديهم على مساند كراسيهم.

توجس وتربّص.. ووجوه جديدة
وفي المشهد أيضاً توجس مكتوم من قائد الجيش. من موقفه، وما يحظى به من دعم خارجي وإجماع وطني. وهو توجس لطالما يحضر قوياً بين القوى اللبنانية كافة. ويحفّ بهذا التوجس الكثير الحسد والتربص. ولا سيما في ظل آراء متعددة داخلياً وخارجياً، من أن السلطة أو التركيبة التي تسمي نفسها دولة في لبنان، لم تعد أهلاً للبقاء والاستمرار مؤتمنة على هذا البلد. وفي حال بقائها، تستمر البلاد في الانزلاق أكثر فأكثر نحو هاوية بلا قرار.

لذا هناك بحث عن مخارج وبدائل: التعويل على الانتخابات وما يليها من تسويات مفترضة، إقليمية ودولية الأبعاد، لإيصال وجوه جديدة إلى التركيبة السياسية. وجوه تعيد رسم المشهد اللبناني رسماً مختلفاً، بموازين قوى متغيرة، تنتج تركيبة جديدة وربما دستور جديد وطبيعة سلطة مستحدثة. وهذا وفق آلية تكوينية خاضعة للمزيد من البحث.

من وحي الشهابية
ولم يعد سراً في لبنان القول إن ثمة بحثاً دولياً عن جهات موثوقة، يمكن البناء معها للمرحلة المقبلة لإنتاج بلد جديد بمقومات مختلفة. ويستحضر البعض تجربة ما يشبه الحياد، ذاك الذي أرساه الرئيس الراحل فؤاد شهاب بين العروبة التي مثلها عبد الناصر، وبين الموقف اللبناني التاريخي الذي يميل نحو الغرب.

ففي ظل عدم القدرة على إنتاج تجمعات وقوى حزبية وسياسية قادرة على تشكيل البديل، ثمة من يخرج بفكرة إنتاج السلطة عن مرتكزاتها ومن أصحاب المواقع المتقدمة فيها. وكما استنسخت تجربة فؤاد شهاب، قد تستنسخ التجربة في موقع كل من رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة أيضاً، ورئاسة الجمهورية طبعاً.

حرب إلغاء جديدة
وفي معركة التوجس التي تنعكس في المزيد من التعطيل، و”علْك” الهواء بضخ الأجواء الإيجابية الوهمية، حول السعي لإعادة تفعيل عمل حكومة دفنت قبل أن تولد، ثمة حسابات أخرى لا ينتبه إليها أحد. حسابات تتقدم فيها الفردانية والشخصانية.

ولم يكن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام -رفضه تسليم كرسي الرئاسة للفراغ، والتوقيع على التمديد للمجلس النيابي- إلا نذر إعلان حرب مجنونة. فصاحب الطبع العوني يستحيل عليه أن يوافق على مغادرة القصر الجمهوري، فيما يبقى نبيه برّي رئيساً للمجلس النيابي.

هذه هي المعركة الأم: معركة تشبه إلى حد كبير حرب الإلغاء في أواخر الثمانينيات.

Exit mobile version