اندريه قصاص
من يعمل في السياسة عليه أن يربط بين الأمس واليوم ويتطلع إلى الغد. وكذلك على المحللين والصحافيين أن يتعاملوا مع الواقع بأبعاده الثلاثية معًا من دون اغفال أي بعد على حساب البعد الآخر.
المغزى من هذا الكلام ما ورد على لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته الإستقلالية الأخيرة، وما قاله قبل أيام في صحيفة “الأخبار”، وكأن قائلهما ليس الشخص نفسه.
في حديثه إلى “الأخبار” بدا رئيس الجمهورية وكأنه في السنة الأولى من عهده، أو بمعنى آخر بدا وكأنه يتحضّر لمرحلة سياسية جديدة، خصوصًا عندما تحدّث عن رفضه تسليم قصر بعبدا للفراغ.
الذين يتابعون تسلسل الأحداث والتطورات السياسية لا يستبعدون فرضية عدم حصول إنتخابات نيابية، وبالتالي إستحالة إجراء إنتخابات رئاسية. وهذا يعني دخول البلاد في حال جديدة من الفراغ. وإستنادًا إلى كلام الرئيس عون فإنه في حال تعذّر أو إستحالة إجراء إنتخابات رئاسية فإنه لن يترك القصر الجمهوري بـ”طيبة خاطر”، لأنه لا يريد أن يترك البلاد في فراغ على مستوى الرئاسة الأولى. وفي ذلك سابقة دستورية لم تخطر على بال أي رئيس سابق للجمهورية.
أمّا في رسالته الأخيرة فبدا الرئيس عون وكأنه يودّع اللبنانيين بجملة من التوصيات، التي بدأها بـ”فعل إعتراف” بأن “أربعين بالمائة من عمر هذا العهد مرّت من دون حكومة، بعد تعثر عمليات التشكيل، جراء عقبات مصطنعة وصدامات سياسية، ما أدى الى تأخير المعالجات وتفاقم الأزمات”.
ولم تخلُ “رسالة الوداع” من رسائل سياسية، إعتبر البعض أنها موجّهة إلى “الثنائي الشيعي”، وبالأخصّ إلى “حزب الله” حليفه الإستراتيجي، عندما تحدّث عن حاجة الإستقلال للحفاظ عليه، أي الحفاظ على ما تبقّى من الدولة ومؤسساتها، إلى “تعاون صادق بين جميع مكونات الوطن جماعات وأفراداً، أما الاستغلال السياسي للأزمات، فلن ينتج إلا مزيداً من التأزم والتشرذم”.
وللدلالة إلى أن الرئيس عون قصد “حزب الله” برسالته الأخيرة أنه تحدّث بموضوعية ومسؤولية عن الأزمة الحكومية التي إفتعلها “الثنائي الشيعي”، فقال: “وبعد مخاض عسير، وفي ظروف ضاغطة، ولدت حكومة “معاً للانقاذ”، وكانت التحديات أمامها ضخمة وشائكة، أزمة مالية ونقدية غير مسبوقة، وأزمة معيشية وصحية خانقة، ضمور اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والهجرة والفقر. وقد التزمَتُ برنامجاً واقعياً يضع لبنان على طريق الخروج من النفق، وما إن بدأت تتلمس طريقها، حتى توقفت بفعل أزمة مستجدة اختلط فيها القضاء بالأمن بالسياسة”.
المخرج من هذه الأزمة قال إنه ليس بمستعصٍ، “وقد أوجده لنا الدستور، وتحديداً في الفقرة “ه” من مقدمته التي تنص على أن النظام اللبناني قائم على مبدأ الفصل بين السلطات”، كان محور الحديث الثلاثي بين الرؤساء الثلاثة: عون – بري – ميقاتي، وهذا ما دفع رئيس الحكومة بعد الإجتماع إلى التصريح بالتالي: “لا نستطيع المحافظة على الاستقلال إن لم نكن يداً واحدة، والتفاهم هو الأساس واللقاء الذي حصل اليوم (أمس) كان حواراً جدياً وبإذن الله سيؤدي إلى الخير .الاستقلال لم يكن سيحصل لولا توحد اللبنانيين، ولو لم يكن اللبناني بجانب أخيه اللبناني في راشيا. التفاهم والحوار هما الأساس والبعد جفاء والجفاء يؤدي إلى الشر”.
ووفق المعلومات أن رئيس الجمهورية كرر أمام الرئيسين بري وميقاتي ما سبق أن سأله في رسالته الإستقلالية: “هل نلتزم جميعنا سقف الدستور ونترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، لتعود الحكومة الى ممارسة مهامها في هذه الظروف الضاغطة، أم سنسمح للخناق أن يشتد أكثر فأكثر على رقاب أهلنا وأبنائنا سواء في معيشتهم أو في أمنهم؟ وهل ندرك فعلاً مدى الأذى الذي يصيب مجتمعنا جراء تعطّل الحكومة؟ إن هذا الوضع لا يجب أن يستمر”.
المصدر: خاص “لبنان 24”