قيل لنا : هوذا البديل عن الحرب الأهلية. الأزمة الأشد هولاً من الحرب الأهلية. خطيئتنا أننا لم نفتح أبوابنا أمام صفقة القرن (حاخامات القرن)، وان تم تصنيع غالبية أركان المنظومة السياسية لتلك اللحظة التوراتية …
نعلم كيف، ومن حال، دون اندلاع تلك الحرب، وكيف، ومن، حالِ، دون امتداد الحرب في سوريا الى لبنان. الفارق، ونحن، كما السوريون، في القاع الاقتصادي، أن ثمة دولة في سوريا. كنا نتمنى لو كانت لدينا دولة ولو برأس واحد لا بكل تلك الرؤوس.
السعوديون يعلمون أننا هكذا. في سائر أرجاء المنطقة، يتداخل السياسي مع الديني (مع القبلي)، ويتداخل الديني مع الطائفي، ويتداخل الطائفي مع المذهبي. لبنان، دستورياً، دويلات داخل الدولة. اقرأوا ما وراء النصوص في وثيقة الطائف. المادة 95 من الدستور التي تنقلنا من منطق الخندق الى منطق الدولة ليست أكثر من نص فولكلوري، لتغطية ثقافة البازار، وثقافة المافيا، بل و… ثقافة الهاوية.
الأشقاء الذين لا يمكن أن نكرههم، ولو اختلفنا سياسياً (الخلاف بين الطوائف لا يليق حتى بالقردة)، لماذا يقتصّون منا، بتلك الطريقة المروعة. آخر خطواتهم منع لبنان من استخدام خطوط «الترانزيت» البحري عبر الموانئ السعودية؟
كيف يمكن اقناعهم بأننا لسنا، ولن نكون، ايرانيين؟ ندرك أن ما يحصل صراع حول بلقنة المنطقة. كل السياسات تبنى على اساس لعبة المصالح، بشقيها الجيوسياسي، والجيو استراتيجي. ما يحكى عن التداخل الايديولوجي، والتداخل التاريخي، ذر للرماد في العيون.
لطالما رددنا أن المشكلة فينا كعرب. أحياناً يبلغ بنا اليأس أو الغضب حد نبش عظام يعرب بن قحطان والقائها في صندوق القمامة. كل تلك الثروات، وكل تلك العائدات الأسطورية، لم تمكّنا من انشاء منظومة سياسية، واقتصادية، واستراتيجية، عربية فاعلة، وتتصدى للعبة الأمبراطوريات، وما دون الأمبراطوريات.
أي دور لنا ان على المسرح الدولي، أو على المسرح الاقليمي؟ لننظر الى شرق آسيا، وكيف تحوّل الضحايا، ضحايا التاريخ الضائع، والجغرافيا الضائعة، الى نمور، وتنتشر منتجاتهم التكنولوجية في أسواق الدنيا.
نسأل أشقاءنا السعوديين لماذا يستطيع الايرانيون، وقد غزونا بلادهم، وحتى الآن ما زلنا نتغنى بالقادسية، أن يصنعوا القنبلة النووية، أو أن يصنعوا الغواصات، وأن يتحدّوا الأميركيين في سائر أرجاء المنطقة، دون أن يكون بامكاننا أن نصنع ولو الدمى الالكترونية؟
تلك الثروات الهائلة في أرضنا، وتلك الأدمغة الهائلة المكدسة في المستودعات، أو المبعثرة على أرصفة الأمم، لماذا لم تستثمر في بناء دول تفرض احترامها على الايرانيين، وعلى الأتراك، بدل أن نبقى تحت مظلة القيادة الأميركية الوسطى، ليقول لنا دونالد ترامب، بفظاظة الغوغاء، ان بوسع آيات الله ازالة عروشنا خلال دقائق؟
ضعفنا في لبنان جزء من الضعف العربي العام. تصدعنا في لبنان امتداد للتصدع العربي العام. كيف يمكن للآخرين أكانوا في القريب أم كانوا في البعيد، أن يلعبوا على أرضنا لو لم تكن الأرض السائبة (الأرض السليبة)؟
لم نفعل أي شيء لنملأ ما دعاه «مبدأ ايزنهاور» (عام 1957) ملء الفراغ. بقينا في ليالي شهرزاد، تاركين للآخرين أن يملأوا الفراغ الذي، للغرابة، لا يحــكى عنه سوى في منطقتنا. مسؤولية من…؟
اشقاؤنا السعوديون يقفلون علينا حتى البحر. هل يمكن لثقافة العقاب (ولماذا العقاب؟)، أن تصل الى هذا الحد، كما لو أننا مسؤولين عن حرب اليمن، وما يجري على أرض اليمن التي، أيضاً لم تكن، ولن تكون، الا أرضاً لأهل اليمن…
هكذا يقتل قايين هابيل. لكنه لبنان الذي أنتج فيروز، فيروز العرب (الآن عيد ميلادها السادس والثمانين). وكنا نتمنى لو أن المرأة التي تراقص القمر في دولة تراقص ثقافة القرن لا ثقافة وحيد القرن.
أزمتنا أزمة المنطقة، سواء كنا بالعباءت الباذخة أم بربطات العنق الفاخرة. أنظمتنا تستنسخ بعضها البعض. لماذا دفعنا نحن بالذات، بالأيدي الشقيقة، الى طريق الجلجلة؟
فيروز تبقى ملاذنا: يا زماناً ضاع في الزمن …