“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
تدخلُ القاهرة كأنك تدخلُ قفيراً. لا حاجةَ لك إلى خوذةٍ مخَرَّمةٍ تقيكَ من اللَّسْع. العَقصُ من إختصاصِ القفرانِ اللبنانية. في العاصمة المصرية مواطِنون كالنَّحل يحومونَ حول مفرداتِ التهذيب ويحاكونَ انحناءاتٍ شبه بوذية.
بضعُ كلماتٍ تكفيكَ كمنصِتٍ لتتيقّنَ كياسةَ أحفادِ الفراعنة. أغلبنا يعرِفُ المفردات. ” نوَّرت مصر يا أستاذ ” أغربها. على ضوء كثرة الأساتذة المنوّرين مصر ستكون الفَونَسَة سيدة الموقف.
ما أن تطأَ قدماكَ حَرَمَ المَطار تجدُ رجلاً بمهمةٍ واحدة. أن يشعركَ بأنك ” سعادة الباشا ” وأنك شرّفتَ مِصر. شعورُك المضطرد بأنك سليلُ الإسكندر المقدوني هو في الغالب ما سيحدثُ لك فيما مرافقُكَ الأمين يحرقُ ويبرقُ ليأتي لك بتأشيرة دخول الأراضي المصرية.
أن تتخطى الخمسين فهذا مُضِرٌّ ومُفيدٌ في آن. كوليسترول ووجع مفاصل وقياس لمعدلات السكّر عالرّيق من المضارّ. من حسنات مغازلتك للستين دخولك من دون تأشيرة مسبقة إلى الديار المصرية.
أُثَرثِر على ما درجتُ عليه منذ نعومة أظفاري. هي وسيلتي للتثقف ومعرفة المزيد عما أعرفه عن مصر. السائق الذي يرافقني في إقامتي دَمِث الأخلاق. نهار أمس طلبت اليه أن يدلّني على أفضل محمصة للمكسّرات. أبو العوف.
دخلنا أبو العوف معاً دخول الفاتحين. ضمن عاداتي الإحتفاظ بالقليل من المكسَّرات في غرفة الفندق أوقات الضيق. لا شيء يضاهي زقزقةَ عصافيرِ البطنِ قساوة. خصوصاً عندما تتصلُ هَفياناً بخدمة النزلاء متسوّلاً ” حِتَّة عيش ” فتقولُ لك الموظفة بصوتٍ شبه روبوتيكي أن مطبخَ الفندق أقفلَ للتَوّ وتتمنى لك ليلة سعيدة.
تعلّقتُ بِحَمادة. رأيت صُور ولَدَيه فَرَح وعبد الرّحمن على هاتفه الخلوي. يحبُّ حمادة القهوة التركية وكرة القدم الألمانية والمالبورو الأميركية.
اصطحبني منذ يومين إلى مطعم شاورما ” أرابياتا ” ثم الى مقهى في شارع مكتظ لفتني فيه مطعمٌ اسمه ” المُأّ “. على يافطته مكتوب أن ” طعمته يامَّا “. اقترحتُ على حمادة شعاراً آخَر وعدني أن ينقلَهُ إلى صاحب ” المُأّ “. ” المُأّ أفَضَل ما يحدثُ للبُأّ. أو ” من المُأّ للبُأّ “.
ضحكنا كثيراً في كافيه قريب اسمه ” الطَلَّة “. حدّقتُ في الأنحاء طويلاً لأرى من أي جهةٍ يُطلُّ هذا المقهى على منظر ٍ مُطِلّ. أنتَ محاطٌ هناك بأبنيةٍ سكنيةٍ تكاد ترى فيها مقاس الفانيلات المنشورة على البلاكين وَألوان الملاقِط. قليل من الفطنة جعلني استنتجُ أن الطلَّةَ المقصودة هي طلَّتي الشخصية وانا داخلٌ الى المقهى. كنت بِحاجةٍ الى المعنى فوجدته في طلّتي.
في خضمِّ العمل يمرُّ العمرُ كأنه انفراطُ ضباب. الطعميّة في مصر من الوجبات الواجب تذوّقُها وانتَ تمرُّ مرورَ الكرام فوق الأرض. الجنبري أيضاً والشيشة على الطريقة المصرية. مئةُ مليون مصري لا يتذمرون. يعملونَ بكدّ. يبيعون الرزّ بلبن فوق جُسورِ المارّة الحديدية.
فاتَني أن أخبِرَكُم أني عرضتُ على حمادة تقاسُمَ المكسَّرات فيحصلُ كلانا على كيلو منها. شكرني حمادة بلطفٍ معتذراً بلباقة عن قبولِ عرضي. عند إصراري اختارَ ربعَ كيلو من الفستقِ السوداني المغطَّسَةِ بالشوكولا. شوكولوتا مشكلَطة قلت له وضحكنا سويّاً. استنتجتُ لاحقاً أنه لم يختَرها حبّاً بها لِنفسِه. ستكون من نصيب ربى وعبد الرحمن. سيفرحان بها مقرمشةً ومغطَّسةً بالشوكولاتة.
لم أكن لأُعير فيلم ” سفارة في عمارة ” أهميةً كبيرةً إلا عندما شاهدتُ سفارةَ العدو في عمارةٍ سكنيةٍ مأهولةٍ بالنساءِ والشيوخِ والأولاد. أن تأخذَ المدنيين متراسًا هو أفضل تكتيك حماية على الإطلاق. الكلُّ هنا يحلف بحياة الجيش. الكل في لبنان أيضاً سوى أن سلطات الجيش في مصر واسعة.
ما زلت في ضيافة رعمسيس الأول. برمتُ على سبع صيدليات سائلاً عن مقصّ أظافر دون جَدوى الى أن جعلني حمادة أقل جهلاً مشيراً الى ان اسمه ” القَصَّافَة”. يقصف عمري على جهالتي.