اللواء
يوم الإستقلال في كل دول العالم المتحضر هو عيد للوطن والمواطن، يزخر بكل مشاعر الولاء والحب والإخلاص للبلد، إلا في لبنان حيث تحولت ذكرى الإستقلال إلى مناسبة حزينة، يُناجي فيها اللبنانيون آلام الحزن والمعاناة على فقدان وطن كان يوماً يُعتبر نموذجاً للإستقرار والإزدهار والرخاء، تسعى إليه الأمم والشعوب التي كانت تحلم برؤية عواصمها بالصور الزاهية التي إشتهرت فيها سيدة العواصم بيروت في أيام العز والزمن الجميل.
كانت البعثات الخارجية تأتي من الشرق ومن الغرب، لتقف على أسرار «المعجزة اللبنانية» في بناء إقتصاد مزدهر ومتطور، وتُغطي نشاطاته دول الشرق الأوسط وأفريقيا والعديد من الدول الأوروبية التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة القوى، وتتلمس مسارات إعادة بناء الإقتصاديات المدمرة، وإستعادة الحياة الكريمة لمواطنيها بعد سنوات مريرة من المعاناة من شظف العيش، والحرمان من أبسط مقومات الحياة الضرورية.
من سنغافورة، التي أضحت اليوم النمر الأول في الإقتصاديات الآسيوية، إلى دبي، التي تحولت إلى مدينة عالمية في عهد باني نهضتها الشيخ محمد بن راشد، كانت بيروت بالنسبة إليهم المثل والمثال في نهضة الأمم، وتأمين المستوى اللائق في العيش الهنيء، ومستوى الدخل المرتفع لمواطنيها، وتوفير كل مواصفات المدينة الحضارية، التي حولتها إلى عاصمة الإشعاع والنور، في زمن كانت الظلمة تلف العديد من دول ومدن الشرق والغرب معاً.
ماذا يمكن أن نقول اليوم عن واقع البلد المنكوب بمنظومة سياسية، إمتهنت الفساد ، وأمعنت في أساليب النهب والتدمير لكل مصالح الوطن، من أجل تجميع الثروات الحرام، والتسابق على حرمان شعبهم من أدنى مستلزمات الإستقرار والعيش الكريم، وحوّلت اللبنانيين إلى جماعات من الفقراء والجياع، وأغرقت البلاد والعباد في عتمة سوداء، لإخفاء الوجوه الكالحة لمصاصي دماء الناس الغلابى، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في دوامة الذل والقهر، ودفعتهم قسراً إلى ترك وطنهم والهجرة إلى أرجاء المعمورة بحثاً عن لقمة العيش، وسعياً لتأمين مستقبل أولادهم، بعدما فقدوا كل الآمال بالمستقبل القريب لوطنهم.
أي إستقلال يحتفل فيه أهل الحكم بخجل في ثكنة عسكرية، بعدما أضاعوا سيادة الدولة، وهتكوا حرمات الشعب، ووضعوا مصالحهم الأنانية والحزبية فوق كل الإعتبارات الوطنية المصيرية؟
ألا يستحوا من أنفسهم عندما يُخاطبوا شعبهم لتبرير الإنهيارات المتلاحقة، ويتنكروا لفسادهم وفشلهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إتخاذ الخطوات الضرورية لوقف هذا الإنحدار المخيف في أودية جهنم؟
لعل العزاء الأول والأخير للبنانيين في هذه الأيام العصيبة هو إيمانهم بأن الوطن سيبقى أقوى من جلاديه، وأن الشعب إذا أراد الحياة لا بد أن يستجيب القدر..
ولو بعد حين !