الأخبار- أحمد حاج علي
وشكَّلت الأزمة التي تفجَّرت في الثامن من تشرين الثاني الجاري، عاملَ ضغط أوروبي إضافي على الحكومة البيلاروسية، إذ بدت السلطات البولندية وكأنّها على أهبّة الاستعداد لمواجهة عسكرية، بعدما نشرت قوات معزَّزة من جيش وحرس حدود، في مشهد دلَّ على إفراط في استخدام القوّة غير المتكافئة ضدّ لاجئين عُزَّل. في المحصّلة، نشأت عدّة مخيمات هي أشبه بالمعتقلات قرب المعابر الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا، يعيش مَن فيها في ظروف مناخية وصحية وإنسانية قاسية. وفي حين تمكّن بعض المهاجرين من التوغُّل لمسافة 30 كيلومتراً داخل الأراضي البولندية، ألقت سلطات وارسو القبض عليهم وأعادتهم بالقوّة إلى داخل المخيمات. إزاء هذه التطوّرات، صدرت تصريحات أوروبية من واشنطن على لسان رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين، بعد لقائها الرئيس الأميركي جو بايدن، تشير إلى عزْم بروكسل على فرْض عقوبات جديدة على بيلاروسيا، مستفيدةً من أزمة اللاجئين، إذ يتّهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي بافتعال الأزمة للردّ على العقوبات الأوروبية التي أعقبت إعادة انتخابه لولاية جديدة، وما رافق الحدث من تظاهرات داخلية مندِّدة دَعَمَها موقف أوروبي رافض لإعادة انتخاب لوكاشينكو.
في هذه الأثناء، تحوّلت الأزمة إلى وسيلة استغلال وابتزاز تمارسهما أوروبا ضد مينسك، بهدف المُضيّ قُدُماً في محاصرة روسيا من خاصرتها الغربية، إذ شدّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على ضرورة تقديم مساعدات إنسانية للمهاجرين العالقين والعمل على التوصّل إلى حلول للأزمة من جهة، وطالب، من جهة ثانية، بمواصلة الضغط على لوكاشينكو. وهي أزمة سارع الاتحاد الأوروبي إلى استثمارها لفرض سلسلة عقوبات موسَّعة جديدة على بيلاروسيا، شملت كيانات وأشخاص تتّهمهم بروكسل بتسهيل عبور المهاجرين نحو الحدود مع بولندا.
من جهته، أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن استعداد بلاده وجهوزيّتها للمساهمة في حلّ أزمة المهاجرين، وتسهيل عودتهم إلى ديارهم، فيما أعلن الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، ضرورة إجراء اتصالات بيلاروسية – أوروبية مباشرة لمعالجة الملفّ، مشيراً إلى تبادل وجهات النظر بين الرئيسَين بوتين ولوكاشينكو حول الحلول الممكنة. وفي إشارة إلى احتمال التصعيد، دعت بولندا دول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا) لطلب اجتماع مجلس أمانة «حلف شمال الأطلسي» لمواجهة خطر تدفّق المهاجرين. دعوةٌ تهدف، بحسب رأي مراقبين، إلى التذرُّع بالأزمة لتعزيز توسّع «الناتو» شرقاً، وهو ما استدعى طلب لوكاشينكو من موسكو تزويده بمنظومات «إسكندر» النووية التكتيكية لنشرها على الحدود الغربية لبلاده، لاسيما وأن بيلاروسيا تمثّل خطّ دفاع روسيا الأوّل في مواجهة توسُّع «الناتو» شرقاً.
وتُشير التقارير الواردة من مكان الحدث إلى أن الأعداد الأكبر من المهاجرين قَدِموا من إقليم كردستان العراق وبأعداد أقل من سوريا؛ أمّا اللبنانيون فلا يتجاوز عددهم العشرة بحسب تقييم قنصل لبنان الفخري في بيلاروسيا جيفارا سليم الذي أشار إلى عودة شخص لبناني واحد هو علي مروة، فيما يرجَّح أن البقية نجحوا في عبور الحدود البولندية، والوصول إلى ألمانيا.