كما هو حال البلد، مرّ عيد الاستقلال «بلا روح» هذا العام، سواء في الاحتفال الرسمي وعرضه العسكري «المختصر» لدواع اقتصادية، او لجهة غياب «الامل» بان تكون المناسبة بداية لانطلاقة «ورشة» الانقاذ الجدية غير المدرجة على جدول اعمال القوى السياسية المنكبة على اجراء «الحسبة» الانتخابية لاتخاذ ما يناسب من اجراءات للتعامل مع الاستحقاق الانتخابي وقانونه المعرّض «للطعن» بكامله او بالتجزئة، وفيما يجمّد المجتمع الدولي والعربي «مد يد العون» لانقاذ ما يمكن انقاذه بانتظار نتائج الانتخابات المعوّل عليها من قبله لقلب «الاكثرية»، كان استحقاق نقابة المحامين في بيروت علامة فارقة بعد تلقي «المجتمع المدني» «صفعة» مدوية بعدما تشبّه بالسلطة الحاكمة وخاض الانتخابات منقسما وتائها، ما يؤكد ان كل شعارات خلق «البدائل» مجرد «فقاعات صابون»، لن تجد لها مكانا، ولن ينقذها عرض «مدني» للاستقلال حمل في طياته شعارات انقسامية تمسّ بشريحة وازنة، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حيال منظمي هذه التحركات ومن يقف خلفهم.
وفيما خرقت موسكو الاحداث بتسليم لبنان صور الاقمار الاصطناعية لما قبل انفجار المرفا وبعده، وبانتظار معرفة ما اذا كانت الصور تشمل لحظة التفجير، فان تحول خبر وجود «الرؤساء» الثلاثة في سيارة واحدة اقلّتهم من اليرزة الى بعبدا الى «حدث» اخباري يوم امس، دليل على حالة «الخواء» المخيفة في الحياة السياسية ، حيث بات مجرد انعقاد الحكومة انجازا، وهو امر لم «يبصر النور» في اللقاء الثلاثي لمزيد من «التشاور»، وثمة جهد يبذل لانضاج تسوية تقوم على «تحييد» القاضي طارق البيطار لا «تطييره»، وبعدها يتمّ معالجة ملف الازمة السعودية المفتعلة مع لبنان «بالقطعة»، علما ان اللقاء بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري كان «بروتوكوليا»، «كسر الجليد» شكليا، لكنه لن يثمر تعاونا ايجابيا فيما تبقى من عمر العهد، خصوصا ان بري سبق وتحدث امام زواره صراحة انه بات يتعامل مع الرئيس عون بانه جزء من الماضي، والاشهر المتبقية من عهده مجرد «تقطيع وقت» لا اكثر ولا اقل.!
ارتياح في بعبدا… ولكن؟
وكانت قيادة الجيش اقامت عرضاً عسكرياً رمزيّاً في وزارة الدفاع بمناسبة الذكرى الـ 78 للاستقلال، ترأّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، في حضور رئيسَي مجلس الوزراء والنواب، نجيب ميقاتي ونبيه بري، تلاه اجتماع ثلاثي في القصر الجمهوري، ووفقا لاوساط مقربة من بعبدا، فان الرئيس عون مرتاح للقاء، لكن تبقى الامور بخواتيمها، فالتوافق الذي حصل على اهمية انعقاد الحكومة مطلع الشهر المقبل بعد العودة من زيارته الى قطر وعودة ميقاتي من الفاتيكان، يحتاج الى ترجمة عملية للتفاهمات السياسية – القضائية. ووفقا للمعلومات تم التفاهم في بعبدا بالامس، ان الحل لقضية القاضي البيطار تكون اما عبر القضاء او مجلس النواب، وستكون الفترة الفاصلة عن نهاية الشهر فرصة لانضاج التسوية. اما ملف العلاقة مع دول الخليج ، فثمة توافق «ثلاثي» على اهمية استعادة هذه العلاقات لطبيعتها، لكن لم يكن لدى اي من «الرؤساء» تصور واضح لكيفية مقاربة الملف في غياب اي استعداد للسعودية لفتح قنوات الحوار، وعلم في هذا السياق، ان «باب» اقالة الوزير جورج قرداحي «مقفل»، والمخرج يكون «بالاستقالة الطوعية»، وهذا يحتاج الى توافق سياسي «وخارطة طريق» ليسا في «متناول اليد» بعد.
تحييد البيطار لا «تطييره»؟
ووفقا لمصدر مطلع على الاجتماع الثلاثي، ركز ميقاتي على ضرورة إعادة تعويم الحكومة بمعاودة جلسات مجلس الوزراء، مؤكدا انه تلقى العديد من المؤشرات السلبية الدولية حيال «التعطيل»، مشددا على انه لا يقبل بان تتحول حكومته الى «تصريف الاعمال»، مجددا التأكيد انه ليس في وارد القبول بتسجيل سابقة تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، وهو مع ان يتخذ الجسم القضائي ما هو مناسب لتصويب مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. وهذا المسار يوافق عليه رئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك الرئيس بري الذي سأل عن كيفية «تسييل» هذا «المخرج» اذا كان القضاء حتى الآن لم يتخذ الاجراءات العملية للعودة عن تجاوزات القاضي البيطار للدستور، وهو الامر الكفيل بحلحلة الامور.
ووفقا لتلك المصادر، تحتاج «التسوية» الى مزيد من الوقت، والحل سيبدأ من خلال تجزئة التحقيق في جريمة المرفأ الى قسمين، الأول يبقى في عهدة القاضي البيطار، والثاني المرتبط بالوزراء والنواب ورئيس الحكومة السابق حسان دياب يحال إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذا الامر يحتاج الى قرار حاسم من مجلس القضاء الاعلى الذي ينكب على دراسة الموقف وسط انقسام بين اعضائه، ولهذا يمكن القول ان المعركة انتقلت من مرحلة «كف يد» البيطار الى «تحييده» عن قسم من الملف، وفق ما تقتضيه القوانين المرعية الاجراء، وكذلك الدستور.
بري وخيارات الحريري «المقلقة»
في هذا الوقت، ينشغل رئيس مجلس النواب نبيه بري في رصد المؤشرات السياسية المرتبطة بالاستحقاق الانتخابي المقبل، ووفقا لزوارعين التينة بات رئيس المجلس مقتنعا بان الانتخابات لن تحصل في 27 آذار، بعدما اعلن الرئيس عون انه لن يوقع «المراسيم» التطبيقية، لكن ما يشغل بال بري اتجاه رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري للعزوف عن المشاركة في هذا الاستحقاق، ما له من تداعيات «خطيرة» على الساحة السنية، ووفقا للمعلومات، لم يتلق بري جوابا نهائيا من الحريري حيال قراره الاخير، وهو لن يحسم خياراته الانتخابية الا بعد صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وعندها «يبنى على الشيء مقتضاه»، وسيعود الى بيروت لحسم الموقف!.
الضغط على «الدستوري»
ووفقا لزوار عين التينة، يشعر بري «بالاستياء» من مواقف رئيس الجمهورية الاخيرة، فكلامه عن عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الا اذا وافقت «اهواء» فريقه السياسي، يشكل التفافاً على ما سيصدر عن المجلس الدستوري الذي ينظر حاليا في الطعن، ويشتم من هذا الموقف تدخلا للضغط على موقف «المجلس».
عون «جزء من الماضي»!
ووفقا لتلك الاوساط، اذا كان اللقاء بالامس في بعبدا «كسر الجليد» ويمكن ان يبنى عليه لاعادة اطلاق عجلة الحكومة، فان الجفاء سيستمر بين الرجلين الى نهاية العهد، فبري يتعامل مع الرئيس انه بات «جزءا من الماضي»، ولم يعد التعاون مجديا، في الاشهر الاخيرة من عمر الرئاسة، وبات الامر مجرد «تقطيع وقت»، «اللي ما ضبط بخمس سنين ما رح يركب باشهر»، والتطلع الآن الى الاستحقاقات الدستورية ومنها الرئاسية. وهنا لم يكن بري مرتاحا لتحديد عون مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، وكلامه عن عدم تسليم الفراغ «يثير الريبة» برأيه، لانه كان حمّال اوجه؟!
العرض العسكري «الرمزي»
وكانت قيادة الجيش اقامت عرضاً عسكرياً رمزيّاً في وزارة الدفاع بمناسبة الذكرى الـ 78 للاستقلال، ترأّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، في حضور رئيسَي مجلس الوزراء والنواب، نجيب ميقاتي ونبيه بري، وكان العرض مختصرا جدا «لدواع القتصادية»، حيث أطلقت مدفعية الجيش 21 قذيفة على وقع الألحان العسكرية، ووضع الرئيس عون، برفقة قائد الجيش، إكليلاً على النصب التذكاري للشهداء، وألقى التحية على الفرق المشاركة في الحفل. وبعدها، غادر الرؤساء الثلاثة في سيارة الرئاسة الأولى، واجتمعوا في قصر بعبدا، ولدى مغادرته، قال بري رداً على سؤال عما إذا كانت الأوضاع «تحلحلت»: «انشالله خير». من جهته، قارن ميقاتي على نحو «سريالي» بين واقع الدولة والمرأة المطلقة التي تحتفل بعيد زواجها! وقال «ما كان الاستقلال لو ما اجتمع اللبنانيون جنباً إلى جنب في راشيا. التفاهم والحوار هما الأساس. البُعد جفاء. ولقاء اليوم شكّل حواراً جدياً، وبإذن الله سوف يؤدّي إلى الخير».
وفي سياق متّصل، أوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، عبر «تويتر»، اسباب عدم حصول الاستقبال التقليدي لتقبّل التهاني في قصر بعبدا معللا ذلك بالأوضاع الراهنة والظروف الصحية في البلاد.
عرض «بشعارات مريبة»؟
في المقابل، وتحت شعار مريب يثيرعلامات الاستفهام حول خلفياته، تقصدت مجموعات «مدنية» تنظيم عرض مدني للاستقلال تحت شعار «شعب جيش قضاء»، في اسقاط مقصود لعبارة «المقاومة»من المعادلة السابقة، واستبدلتها بكلمة «قضاء»، في استهداف واضح لشريحة كبيرة مؤيدة لحزب الله، ما يزيد الانقسامات الخطيرة في البلاد، وقد انطلق العرض من منطقة الكرنتينا باتجاه مرفأ بيروت بمشاركة مجموعات من المجتمع المدني و»ثوار 17 تشرين». وفي خلط «مريب» للشعارات، رفع المشاركون اللافتات التي تدعو إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي وخروج إيران ! ومحاربة الفساد وسرقة المال العام والوصول إلى الدولة المدنية إلى جانب محاسبة المسؤولين عن انفجار 4 آب.
«خيبة» «المجتمع المدني»
وعشية الاستحقاقات الانتخابية، وفي مؤشر يثير علامات استفهام، ويطرح الكثير من الاسئلة حول هشاشة الادعاء بالتغيير، تلقى «المجتمع المدني» في انتخابات نقابة المحامين باسم «نقابتنا» خسارة كبيرة يوم الاحد، وقد أدت الانقسامات والصراع بين لائحتي «نقابتنا» و»جبهة المعارضة» إلى عدم فوزهما على خلاف العام الماضي حين توحدت وحصلت على مركز النقيب الذي تولاه ملحم خلف، وقد فاز المرشح المستقل ناضر كسبار بالرئاسة بعدما قررت معظم الأحزاب منحه أصوات محاميها من «تحت الطاولة» في المرحلة الثانية، وقد منحت معظم الأحزاب باستثناء «القوات اللبنانية»، و»الكتائب»، أصواتها لكسبار في المرحلة الثانية من التصويت ما مكنه من الحصول على 1550 صوتا.
«الصور» الروسية
وفي تطور لافت، سلمت روسيا لبنان صور الأقمار الاصطناعيّة المتعلّقة بانفجار مرفأ بيروت، وبانتظار معرفة ما اذا كانت تتضمن صور لحظة وقوع الانفجار، تبدو هذه الخطوة مهمة بعدما امتنعت 13 دولة عن تزويد لبنان بمعطيات مماثلة. وقد اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع الوزيرعبدالله بو حبيب، بعد محادثاتهما في موسكو ، إنّه «بناءً على طلب الحكومة اللبنانية، قمنا بتسليم صور فضائية وصور للأقمار الاصطناعية أعدّتها وكالة روس كوسموس، لما قبل الانفجار وما بعده، آملاً أن تساعد هذه المواد في التحقيق في أسباب الانفجار». وأوضح لافروف أنه بحث كذلك مع نظيره اللبناني إمكانية مشاركة شركات روسية في إعادة بناء البنية التحتية التي دمرها الانفجار. من جهته، بو حبيب الذي لم يمنح موسكو اي وعود استثمارية، طلب «دعم روسيا في حل صعوبات لبنان المتراكمة»! وعن الأزمة مع السعودية ودول الخليج، قال بو حبيب: «نريد الحوار مع الخليج، وهناك مسائل يجب أن تحلّ ليس بالإملاء، وقضية قرداحي ليست مستعصية».
تضارب في ملف «الترسيم»؟
وكان لافتا، تقديم بوحبيب اجواء مغايرة لتفاؤل الرئيس عون في ملف ترسيم الحدود البحرية، وقال إنّ واشنطن لم تفلح بتقريب وجهات النظر «ومنذ حوالى أكثر من شهر، اتفقنا مع الممثل الأميركي للطاقة في العالم العربي آموس هوكشتين، أن يعود إلينا بالاقتراحات، وقد زار «إسرائيل» منذ أسبوع، لكن لم يعد بعد بأيّ اقتراحات»، وأضاف أنّنا «مصرّون على أنّ الـ 860 كيلومتراً مربعاً من حقنا ولن نتنازل عنها. ويتقاطع موقف بوحبيب مع معلومات اعضاء الوفد المفاوض الذين لا يملكون اي معطيات حول التقدم الذي سبق وتحدث عنه الرئيس عون، مع العلم ان مصادر معينة بالملف تنتقد تحديد وزير الخارجية للمساحة المفترضة للبنان، وتخليه عن السقف العالي للتفاوض الذي رسمه الجيش، داعيا المفاوض اللبناني استغلال الحاجة الاميركية – «الاسرائيلية» لحسم الملف قبل شهر آذار المقبل، موعد بدء التنقيب في حقل «كاريش» وتسييل التفاهم على الحصول الكامل على حقل «قانا».
موسكو «حذرة» نوويا
ووفقا لمعلومات «الديار»، ابلغ لافروف بو حبيب بضرورة عدم رهن الازمة اللبنانية بالملف النووي الايراني، لان الإشارات تبقى حذرة ولا تظهر حتى الآن أن الاطراف قريبة من العودة الى اتفاقية 2015. وتبدو موسكو أكثر تشاؤما اليوم مما كانت عليه عندما توقفت المحادثات في حزيران، وسط اصرار إيران على رفع العقوبات النووية وغير النووية مع ضمانات بعدم قيام الرئيس الاميركي في المستقبل باتخاذ قرار فردي للخروج من الاتفاقية كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو امر ترفضه واشنطن، ويبقى التعويل الآن على إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت لتجميد انتاج إيران من اليورانيوم المخصب، مقابل قيام الولايات المتحدة بتخفيف بعض العقوبات.