شبكات التجسس الإيرانية في بريطانيا وبلجيكا ـ الأهداف والأنشطة

وحدة الدراسات والتقارير ” 20″

المصدر:ECCI

يمثل الاتفاق النووي الإيراني قيمة إستراتيجية بل وقضية مفصلية بالنسبة لكل من بريطانيا بصفتها عضوا في مجموعة 5+1 وبلجيكا أيضا بصفتها عضوا فاعلا في الاتحاد الأوروبي، رغم حملات التجسس الإيرانية المستمرة، فالحاجة لتخفيف الضغط على اقتصاد إيران المنهك مرهون بتطلعات الإدارة الجديدة الموسومة بالبراغماتية، والتي من المفترض أن تعقد صفقةً متوازنة تساهم في إنعاش التجارة والمحافظة على المصالح الاقتصادية لدول أوروبا وعلى استقرار الشركات في إيران من جانب وتمكِّن الولايات المتحدة من العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة من جانب آخر.
بريطانيا ـ أنشطة شبكات التجسس الإيرانية

أُكتُشفت في 13/07/2021 مجموعة تجسس إيرانية تظاهرت بأنها أكاديمية مقرها بريطانيا لاستهداف بعض الأفراد، في حملة تجسس إلكتروني. إذ اخترقت موقعا إلكترونيا تابعا لكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، لسرقة بعض المعلومات. وحسب ما أدلت به شركة أمن إلكتروني “بروف بوينت” عن العملية فمجموعة المهاجمين تدعى “تشارمينغ كيتين”، مرتبطون بالحكومة الإيرانية، ومهيأون للدخول في محادثات آنية مع أهدافهم في أمريكا وبريطانيا. حيث دعت رسائل بريد إلكترونية مطلع 2021، نسبت لعضو كبير بالكلية ذاتها، لمؤتمر عبر الإنترنت باسم “تحديات الأمن الأمريكية في الشرق الأوسط. وأرسلت عبر (Gmail). وهو أمرا غير اعتيادي وفقا لمدير شركة “بروف بوينت”. حيث يطلب المرسل التواصل عبر الهاتف مع متسلمي الدعوة لمناقشتها عبر الهاتف، أو محادثات الفيديو وهو أمر غير معتاد كذلك.

استهدفت العملية 10 منظمات في أمريكا وبريطانيا، وهم مكونون من 03 مجموعات:

كبار الموظفين من الباحثين في الشرق الأوسط
الصحفيون المهتمون بالمنطقة
الأكاديميون، ومن بينهم الأساتذة الكبار
يُعتقد أن هؤلاء استُهدفوا على الأرجح كون أنهم قد يملكون معلومات عن السياسة الخارجية للدول تجاه إيران، أو المفاوضات حول برنامج إيران النووي، أو معلومات عن المنشقين الإيرانيين. وهو ما يتناسب مع النشاط السابق لمجموعة التجسس الإلكتروني، التي تسميها بروف بوينت “تي إيه 453”. ما يدلل على التزام إيران المتواصل بالعمليات المعتمدة على الاستخدام الإلكتروني لجمع المعلومات الاستخبارية.

بلجيكا ـ أنشطة شبكات التجسس الإيرانية
أصبح الحكم الصادر في حق أسد الله أسدي بالسجن 20 عاما حكما نهائيا. وأُدين المعني بمحاولة ارتكاب عمل إرهابي في فرنسا كان يستهدف معارضين إيرانيين. هذا وأكد محاموه في 05-05-2021، قراره بعدم الطعن وسيقضي فترة حبسه. واستبعد ممثلو الادعاء مبادلته بسجناء غربيين في إيران. وهذه أول مرة يُحاكم فيها مسؤول إيراني للاشتباه في ارتكاب عمل إرهابي في أوروبا.

أوقفت الشرطة البلجيكية زوجين بلجيكيين أيضا من أصل إيراني في منطقة بروكسل وبحوزتهما 500 غرام من مادة متفجرة وجهاز تفجير في سيارتهما. ويمثل الزوجان المعتقلان “نسيمه نعامي، وأمير سعدوني” إلى جانب ” أسدي” ورجل آخر يدعى مهرداد عارفاني، أمام محكمة أنتويرب الجنائية. وسيحاكم هؤلاء بتهم “محاولات قتل ذات طابع إرهابي” و”المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية”، وهم يواجهون عقوبة السجن المؤبد.

أشارت المحكمة البلجيكية في حكمها أن الأسدي كان يدير شبكة مخابرات حكومية إيرانية وكان يتصرف بناء على أوامر من طهران. وقال محامي الادعاء جورج أونري بوتيه أن هناك ضمانات من بلجيكا بعدم مبادلته بسجناء غربيين في إيران، مشيرا لفصل السلطات بين السلطة القضائية والنظام السياسي. وقد أثارت هذه القضية التي تجمع بين التجسس والإرهاب توترا دبلوماسيا حادا بين طهران والعديد من العواصم الأوروبية، بما فيها باريس.

الاتفاق النووي الإيراني المشروط بتبادل الأسرى

منذ اعتقال “أسدي” تم اعتقال أربعة ألمان في إيران. ومن الممكن التفكير في حدوث تبادل مع الطبيب السويدي الإيراني أحمد رضا دشالي، المحتجز منذ أربع سنوات ويواجه عقوبة الإعدام بتهمة “التجسس لصالح إسرائيل”. ولا يُعرف إجمالي عدد الأجانب المسجونين في إيران. هذه الأخيرة رغم أنها تريد العودة للاتفاق النووي، إلا أنها تتحفظ على مواطنين من جميع الدول الغربية التي وقعت معها الاتفاق النووي. وقد دعت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إيران للإفراج عن رعاياها، في فبراير 2021، قبل بدء محادثات فيينا. في حين أبدت إيران استعدادها لتبادل الأسرى “لأسباب إنسانية” حسبها.

إستهداف جماعات معارضة خارج إيران
أفاد تقرير لـ “washingtoninstitute the” في 05-08- 2021 عن انتشار أنباء في أواخر يوليو 2021، تشير أن وكالات الاستخبارات الإيرانية قد خططت لخطف صحفيين مغتربين وإجراء تجسس إلكتروني على علماء في الخارج من خلال انتحال صفة جامعة بريطانية. وتعتبر الحادثتان مؤشرات على استمرار الجمهورية الإسلامية في قمعها العابر للحدود الوطنية ضد الإيرانيين الذين يعربون عن معارضتهم للنظام. وعند مناقشة عمليات الاستخبارات الإيرانية الأخيرة، يركز المراقبون الدوليون على “الحرس الثوري الإسلامي”. وبقيامهم بذلك، غالباً ما يتجاهلون الأنشطة المشبوهة التي ينفذها جهاز الاستخبارات الرئيسي التابع للنظام، المعروف باسم “وزارة الاستخبارات والأمن القومي”.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 03-09-2021، عقوبات على 4 عملاء تابعين للاستخبارات الإيرانية، واستهدفوا مواطنا أمريكيا في الولايات المتحدة ومعارضين إيرانيين في كل من بريطانيا وكندا والإمارات. مؤكدة في بيان، أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض هذه الإجراءات باعتبارها تمثل جزء من حملة واسعة النطاق لإسكات منتقدي الحكومة الإيرانية

قاد مسؤول المخابرات الإيراني ” فرحاني” شبكة خططت لاختطاف ناشطة حقوقية أمريكية. كما يعتبر كل من حمود خزين، وكيا صادقي، وأوميد نوري، أعضاء في الشبكة الإيرانية المُكلفة باستهداف المعارضين الإيرانيين في الخارج.

مساعي إيران المستمرة لتطوير برنامجها النووي عبر تحصيل التكنولوجيا
وفقا تقرير لـ “الحرة” في 04-05-2021- خلصت وكالات الاستخبارات لكل من”هولندا والسويد وألمانيا” إلى أن إيران حاولت جاهدة خلال 2020 الحصول على تكنولوجيا لبرنامجها النووي، علماً بأن الاستخبارات الهولندية قد أحبطت المحاولات المشبوهة، وإلى جانب إيران حاولت دول كسوريا وباكستان وكوريا الشمالية اقتناء هذه السلع والتكنولوجيا في أوروبا وهولندا.

يذكر أن وكالات المخابرات هذه لم تقدم تفاصيل عن المحاولات المتعددة لهذه الدول المشار إليها لتحصيل التكنولوجيا. كما لم تتطرق لما إذا كانت إيران قد حصلت بشكل غير قانوني على التكنولوجيا والمعدات اللازمة. ومن جهة أخرى كشف جهاز الأمن السويدي في تقريره الاستخباراتي لعام 2020 أن إيران سعت لذلك فعلا بحسب وثيقة. من خلال عمليات تجسس تستهدف تحديدا صناعة التكنولوجيا الفائقة والمنتجات السويدية، والتي يمكن استخدامها في برامج الأسلحة النووية.

قيادات الحرس الثوري وفيلق القدس على القائمة السوداء
سلطت الخزانة الأمريكية في 29-10-2021، عقوبات جديدة تستهدف أعضاء في شبكة من شركات وأشخاص تقدم دعما حيويا إلى برنامج الطائرات المسيرة الخاص بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له، وأشارت في بيان أن القائمة السوداء الجديدة تشمل قائد قيادة الطائرات المسيرة في القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، سعيد آقاجاني، محملة إياه مسؤولية هجومي”شركة “أرامكو” والسفينة التجارية “ميرسر ستريت”، كما شملت العقوبات الجديدة 03 مواطنين وشركتين في إيران. وحملت أمريكا “فيلق القدس” المسؤولية عن استخدام طائرات مسيرة قتالية أو تسليمها لجماعات مدعومة من إيران، كحزب الله وحماس” و”كتائب حزب الله” والحوثيين.

تقييم
تراهن أوروبا على الاتفاق النووي الإيراني إذ يمثل الانتعاش المأمول في التجارة بين مجموعة 5+1 وإيران أحد أهم العوامل المحفزة لطهران لإحياء الاتفاقية المبرمة سنة 2015، الذي قد يخفف العقوبات الأمريكية. ورغم توقعات المراقبين حول استئناف المفاوضات بعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وأن تضم الإدارة المقبلة شخصياتٍ انتقدت جهود حسن روحاني لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب، إلا أن هناك بعض المطالب الإيرانية والقضايا العالقة مثل تبادل الأسرى خاصة بعد اعتقال الأسدي ومحاكمته ببلجيكا.

لازالت بريطانيا تدعم تحركات تهدف لإحياء الاتفاقية الدولية بشأن برنامج طهران النووي، من خلال عقد اجتماعات بلندن في نوفمبر 2021، وهو مؤشر واضح على مدى تمسكها بالحل السلمي وكسب الرهان الأوروبي، فيما أعلنت إيران نيتها في التقليص من طموحاتها النووية مقابل رفع عقوبات اقتصادية مفروضة عليها.

Exit mobile version