ٍَالرئيسية

حظر حزب الله أم تسوية طائفية ناجعة تنزع سلاحه؟

تصعيد “نيو 14 آذاري” لن يُفيد إلا حزب الله في المحصلة (مصطفى جمال الدين)
نبيل الخوري|المدن
لا يتردد بعض المحللين السياسيين في الدعوة علناً إلى حظر حزب الله في لبنان. يقف هؤلاء على ضفة مقابلة لتلك التي يجلس عليها محللون آخرون يدعون إلى تسليم السلطة بالكامل لهذا الحزب، ليس محبةً به، بل لتركه يتحمّل وحده مسؤولية الأزمة، أو لكي يقع الهيكل عليه وحده.

القاسم المشترك بين هؤلاء هو التعب والإرهاق. لقد أرهقهم العجز المطبق عن إضعاف حزب الله ودفعه إلى تقديم تنازلات. لكن البعض يلجأ إلى رد فعل يتسم بالاستسلام. أما البعض الآخر فيختار التصعيد. أي الانتقال من المطالبة بنزع سلاح حزب الله، إلى المطالبة بحظره وحلّه، لأن ولاءه الإيديولوجي والمالي هو لدولة أجنبية. وهذا يعتبر حالة شاذة غير مقبولة في أي دولة سيدة ومستقلة!

فكرة غريبة
وهذه فكرة باتت متداولة هذه الأيام في الأوساط الصحافية، خصوصاً في الصحافة المقربة من السياسة السعودية. لكنها فكرة غريبة وغير منطقية وغير بنّاءة.

غريبة أولاً، ومن منطلق بسيط: كيف لسلطة سياسية عجزت عن إلزام حزب الله بتسليم سلاحه منذ العام 2005 – وفقاً لاتفاق الطائف وقرارات منظمة الأمم المتحدة، لا سيما القرار 1559 – أن تتمكن من حظره؟! أصحاب وجهة النظر هذه لم يتلقفوا رسالة وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، حين روى لأحد الصحافيين كيف سخر من مسؤول أميركي قائلاً له ما مفاده: أرسلوا 100 ألف عنصر من المارينز وتخلصوا من حزب الله، “أما الشمبانيا، فعلينا”. الهدف الضمني لهذه الرسالة هو إحراج الأميركيين والقول لهم: إذا كنتم أنتم، بما تمثلونه من قوة عظمى في العالم، عاجزين عن نزع سلاح حزب الله، فكيف للدولة اللبنانية الضعيفة أن تنجز المهمة؟

عبرة حل القوات اللبنانية
والفكرة إياها غير منطقية ثانياً، لأن مشكلة حزب الله لن يحلها حظره. فهو حزب يمتلك ما يسمى عند ماكس فيبر “الشرعية الكاريزماتية” و”الشرعية التقليدية”. ولديه أيضاً شرعية منبثقة من الانتخابات النيابية والبلدية. فهناك جمهور لبناني يعتقد أن حزب الله هو خير من يمثل مصالحه في النظام اللبناني. وطاعة هذا الجمهور له مصدرها كاريزما القائد الاستثنائي والمؤثر (السيد حسن نصرالله)، الذي يدافع عن “القضية”: المقاومة وحماية الطائفة ووجودها. ومصدر الطاعة أيضاً  الواقع السياسي اللبناني التقليدي، الذي كرّس منطق الزعامة الطائفية، واعتيادية التمثيل الحزبي على أساس طائفي في مؤسسات الدولة.
وهذه الخاصيّة ليست حكراً على حزب الله. بل هي سمة يشترك فيها مع غيره من الأحزاب اللبنانية، لا سيما حزب القوات اللبنانية. والتجربة تقول إن قرار حظر حزب “القوات” عام 1994، لم يؤد إلى نهايته وإلغائه. بل عاد هذا الحزب ليحتل موقعاً أساسياً في المعادلة السياسية اللبنانية، بعد الانسحاب السوري عام 2005. وهذا ما سيكون عليه مصير حزب الله أيضاً، إنْ قُدّر لأحد أن يحظره ويحلّه يوماً ما.

تصعيد “نيو 14 آذاري” فاشل
والفكرة غير بناءة ثالثاً، لأنها تنقل الصراع السياسي الحالي من مأزق إلى مأزق: من المطالبة بتطبيق الطائف وتسليم سلاح المليشيات ونزع سلاح حزب الله، إلى المطالبة بحلّ هذا الحزب. وهذا لن يؤدي إلى أي نتيجة مأمولة. وقد يذهب الجهد المبذول سدى. فكل ما يمكن أن ينتجه شعار كهذا هو تعميق الاستقطاب السياسي والطائفي في لبنان، وبعث توترات محتملة وضحايا مدنيين محتملين. لذلك، يجدر بمن يريد أن يخوض الصراع السياسي أن يتحلى بدم بارد ونفس طويل. والحل قد يكون بالمثابرة لتوفير شروط تسوية مرضية للجميع. تسوية سياسية جديدة غير منحازة لحزب الله. ولا تتيح له الغلبة والتحكم بالسلطة السياسية. وهذا يتطلب توفير شروط لم تكن متوفرة لدى تحالف قوى 14 آذار.

الشرط الأول يتمثل في تطهير المعركة السياسية من لاعبين فاسدين وزبائنيين وغنائميين. الشرط الثاني يتمثل في الاستقلالية الكاملة، وعدم الارتهان لأي قوة خارجية، إقليمية أو دولية. العلاقات الممتازة مع السعودية ودول الخليج ضرورية، لكنها خاسرة مسبقاً أي معركة تُخاض ضد حزب الله من وراء متراس سعودي، أو من على منبر سعودي. الشرط الثالث يتعلق بقدرة القوى السيادية الجديدة على إنتاج خطاب سياسي جامع، قادر على كسب شرعية جمهور الطوائف والمناطق اللبنانية، خصوصاً أهل الجنوب.
أما الشرط الرابع، فيتعلق بضرورة طرح برنامج يجمع بين مسألة السيادة والمسألة الاجتماعية، من أجل بناء دولة سيدة، ولكن دولة رعاية اجتماعية أيضاً. وأي مواجهة تُخاض وفق هذه الشروط، من شأنها أن تحرج حليف إيران، وتكسب نقاط أكثر من أي تخبط وضياع، وتصعيد “نيو 14 آذاري” لن يُفيد إلا حزب الله في المحصلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى