هذه القراءة كانت في الأساس رؤية القوى الدولية التي تشدد على ضرورة إجراء الانتخابات، ليكون الاستحقاق فاصلاً في الحياة السياسية اللبنانية. ولذلك تنظر إليه القوى المختلفة بأنه معركة الحفاظ على وجودها.
وتبرز أيضاً رهانات جهات عدة، داخلية وخارجية، لتكريس تغيير سياسي في الوجوه والشخصيات السياسية، كما حصل في حقبات سابقة.
عزوف الحريري
هذا يفتح الباب لكثرة من القراءات، منها قرار شخصيات وازنة بالعزوف عن خوض المعركة الانتخابية. وهذه التهكنات تتعلق بموقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وهي تشير إلى أنه يفكر جدياً بالعزوف عن خوض الانتخابات.
ونتيجة ذلك يبرز المزيد من الضياع في البيئة السنية، ومحاولتها البحث عن بدائل: إما مناطقية أو باستنهاض مجموعات قادرة على تشكيل حضور متنوع جغرافياً. وفي قراءة أوسع سيكون لنتائج الانتخابات تغيير سياسي كبير، وربما في جوهر بنية النظام اللبناني وتركيبته.
الشيعية وباسيل والعونية
وبناء عليه، تتركز المعركة الانتخابية في البيئتين السنية والمسيحية، وسط احتفاظ الثنائي الشيعي بقدرته التمثيلية الحصرية لحصة الشيعة، في البرلمان وفي تركيبة النظام. ما يعني أن حزب الله وحركة أمل يحافظان على مواقعهما، وإن سجّل الحزب تقدماً على حساب أمل.
وفي مراجعة تاريخية لما أنتجته الحقبات اللبنانية السابقة، فإن الوضع الحالي يشبه إلى حدّ بعيد حقبة ما قبل اتفاق الطائف. وما يزيد من الشبه بين الحقبتين، هو كلام رئيس الجمهورية ميشال عون قبل يومين، عن أنه لن يسلم البلد للفراغ. ما يعني استخدامه الأوراق التي يمتلكها، لتوفير تسوية سياسية تحفظ مستقبل وريثه جبران باسيل.
لم يخض عون معركة الحفاظ على مستقبل باسيل منذ اليوم الأول لدخوله القصر الجمهوري. لكن قناعته تركزت في الوصول إلى تغيير كبير في البنية السياسية اللبنانية. لذلك يريد عون أن يتجنب زوال العونية بانتهاء ولايته الرئاسية، وبعد ثورة 17 تشرين، والدعوات إلى التغيير السياسي الشامل.
ولا يريد عون أن يكون مصير العونية، كمصير الزعامات المسيحية التقليدية ما قبل الحرب. وهنا تتركز المعركة الشرسة بين العونيين والقوات اللبنانية.
داخل الطائفة الشيعية، يحافظ حزب الله وأمل على وضعيتيهما، بدون تكرار تجربة حسين الحسيني، أو كامل الأسعد أو غيرهما من الزعامات التقليدية الشيعية.
تشرذم البيئة السنية
والمعركة المفتوحة على مصراعيها، تبقى متركزة في البيئة السنية، لا سيما في حال قرر الحريري عدم خوض الانتخابات. وهذا يعيد الاعتبار للزعامات المناطقية، أو للبحث عن تجمع سياسي جديد، قد لا يؤدي إلى تشكيل حزب أو تيار. وتقاطع المصالح بين بيوتات سياسية وشخصيات جديدة تحاول خلق فرص جديدة، يستحيل أن يتحقق من دون دعم خارجي، خليجي بالتحديد، لا سيما المملكة العربية السعودية. فمرحلة ما قبل الطائف تخللها تمهيد الأرضية لدخول رفيق الحريري إلى لبنان. وضرب مشروع الحريرية باغتيال الحريري عام 2005، وضع لبنان في مرحلة انتقالية. وهي وصلت حالياً إلى إعلان نهاية الحريرية أو دفنها، مقابل البحث عن زعامات بديلة.
وكما فتحت طريق رفيق الحريري بتنحية الزعامات السنية التقليدية، وجاء الطائف في أعقاب ضرب القوة العسكرية للسنة التي كان يمثلها إبراهيم قليلات، وضرب القوة السياسية التي يمثلها صائب سلام، يؤدي ضرب الحريري حالياً إلى فتح الطريق أمام زعامات جديدة غير ظاهرة أو متبلورة. لكن النتيجة السياسية واحدة: الانتخابات والأشهر التي تليها، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية، على وقع المتغيرات الإقليمية، تقود إلى تغيير في طبيعة القوى السياسية في لبنان، وفي طبيعة النظام اللبناني أيضاً.