مئة وواحد وستون دولة صوّتت على قرار يُحّمل «إسرائيل» مسؤولية دفع تعويضات فورية إلى حكومة لبنان نتيجة الضرر الذي تسبّب به العدو الإسرائيلي خلال عدوان تموز 2006 (في 15 تمّوز 2006) والذي تمثّل ببقعة نفط سبّبتها غارة جوية إسرائيلية ولوّثت الشاطئ اللبناني. في المقابل، إعترضت ثمانية دول من بينها الولايات المُتحدة الأميركية وبالطبع «إسرائيل»، وإمتنعت سبعة دول عن التصويت.

وبحسب القرار، تبلغ قيمة التعويضات ثمانمئة وستة وخمسون مليون ليرة (856.4 بالتحديد) تُدفع فورًا للبنان والدول الأخرى التي تضرّرت نتيجة بقعة النفط، وبالتحديد سوريا التي تضرّرت شواطئها جزئيًا بحسب القرار. وكلّفت الجمعية العمومية أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقديم تقرير عن تنفيذ هذا القرار في الدورة المُقبلة للجمعية في أيلول 2022.

هذا القرار وعلى الرغم من أهميته المالية التي ستسمح للبنان بتنفسّ الصعداء، يحمل في طياته أبعاداً سياسية وبالتحديد الإدانة الواضحة للعدوان الهمجي الذي قام به العدو، والأساليب التي استخدمها والتي تُعارض مبادئ الأمم المُتحدة وشرعة حقوق الإنسان. وحبذا لو كان هناك قرارًا مُماثلا يدين مجزرة قانا ويُعوّض على أهالي الضحايا.

ماليًا حصة لبنان من هذا المبلغ والتي ستفوق بأغلب الظنّ 90% من قيمة المبلغ المُقرّر، ستسمح للبنان بالصمود في خضم أزمته الحالية وستُعطي نفحة «أوكسيجين» إذا ما تمّ استخدامها من قبل الحكومة بالشكل المُناسب وليس على الدعم كما قامت به حكومة حسان دياب.

لكن من يؤكّد أن العدو الإسرائيلي سيلتزم دفع المبلغ؟ عدم دفع المبلغ من قبل «إسرائيل» سيؤدّي حتماً إلى إدانتها في الجلسة العمومية المقبلة للأمم المُتحدة في أيلول 2022، لكن «إسرائيل» التي تتمتّع بدعم مُطلق من قبل الولايات المُتحدة الأميركية وبريطانيا في مجلس الأمن، ستعمد بدون أدنى شكّ إلى المُماطلة، وقد يظلّ هذا القرار حبرًا على ورق كما القرارات الأممية وخصوصًا القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن والذي تُمعن «إسرائيل» في خرقه عبر إحتلالها لأراض لبنانية حتى الساعة.

في هذا الوقت، لا تزال الأزمة مع الدول الخليجية في مكانها، لا بل على العكس تذهب إلى تصعيد إضافي. فصحيفة «العين» السعودية كتبت مقالًا بعنوان «رئيس لبنان يتجاهل الأزمة مع الخليج: مجلس الوزراء سيعود للاجتماع قريباً»، وهو ما يُعزّز فرضية إتخاذ إجراءات إضافية من قبل دول الخليج تجاه لبنان.

كذلك الحال بالنسبة إلى ملف التحقيقات في جريمة مرفأ بيروت، حيث أن لا مخارج حتى الساعة لهذه الأزمة التي إنعكست في الشارع في أحداث الطيونة وعلى طاولة مجلس الوزراء من خلال رفض الثنائي الشيعي المشاركة في أي جلسة قبل حل «مُشكلة القاضي بيطار». وكان هناك موقفًا لافتًا لكلٍ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول التحضير لعقد جلسة حكومية في القريب العاجل، علّله ميقاتي بضرورة البحث في جدول أعمال بأكثر من مئة بند تتناول قضايا إقتصادية ومالية ومعيشية وتربوية، وهو ما يُمكن فهمه على أن اللجان التي شكّلها ميقاتي للعمل على الملفات، أنهت عملها وهي بحاجة الى إقرار في مجلس الوزراء وعلى رأسها المساعدات الإجتماعية، والدولار الجمركي، وموازنة 2022 وبعض الإصلاحات المطلوبة في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

لكن السؤال الجوهري يبقى عن إمكانية عقد هذه الجلسة في ظل إحتمالية غياب المكوّن الشيعي؟

المعلومات المتوافرة تشير الى أن ميقاتي نسّق التحضير مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي قبل أن يقوم بإبلاغ الرئيس ميشال عون بهذه التحضيرات، وهو ما لاقى تجاوبًا من قصر بعبدا، حيث من المُتوقّع أن يكون اللقاء الثلاثي الذي يجمع كلٌ من الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي بمناسبة عيد الإستقلال في اليرزة مناسبة لوضع اللمسات الأخيرة.

إلا أن المُعطيات الآتية من حزب الله لا تُعطي صورة واضحة عن إمكانية عقد مثل هذه الجلسة، خصوصًا أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قال خلال كلامه الأخير «نحن مع عودة الحكومة اللبنانية إلى الإجتماعات بعد معالجة أسباب توقفها». وهو ما يعني بوضوح أن الحزب ينتظر الحسم في موضوع القاضي البيطار، وبالتالي فإن إحتمال تلبية وزراء الثنائي الشيعي دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء غير مُمكنة.

إذًا، كيف سيعقد الرئيس ميقاتي جلسته الحكومية بغياب المكوّن الشيعي، مع العلم أن مبدأ الميثاقية الذي طرحه لأول مرّة الرئيس برّي يسري في هذه الحالة؟

بعض المحللين يقولون أن الإتفاق الضمني بين الرئيسين برّي وميقاتي قد ينصّ على أن يكون جدول أعمال مجلس الوزراء إقتصادي – مالي – تربوي – معيشي بإمتياز، وهو ما يسمح للحكومة بأخذ قراراتها بمن حضر مع الموافقة المُسبقة للثنائي الشيعي على هذه القرارات. في المُقابل يرى مُحللون أن محاولة ميقاتي عقد جلسة لحكومته مُستحيلة من دون إتفاق مع الثنائي الشيعي على مصير القاضي البيطار. ويُعلّل هؤلاء هذا الأمر بأن قضية القاضي بيطار لها أولوية عند حزب الله.

على صعيد آخر، يطرح البعض قضية الوزير جورج قرداحي. إذ كيف لرئيس الحكومة الذي يسعى الى إستعادة العلاقات الطيبة مع دول الخليج أن يترأس جلسة يكون فيها الوزير قرداحي حاضرًا؟ وهل سيتلي قرداحي بنفسه مُقرّرات جلسة المجلس؟ ألا يكون هذا الأمر إستفزازيًا للدول الخليجية؟ من هذا المنطلق، يتوقع هذا البعض أن لا يكون هناك جلسة حكومية، وجلّ ما يقوم به ميقاتي «إستعراض فولكلوري» يتنصّل من خلاله من أية مسؤولية، وهو العالم أن أي جلسة حكومية ستعتبرها الدول الخليجية إستفزازًا لها، وهو ما سيزيد من الإجراءات التصعيدية تجاه لبنان!

إذا وبفرضية عدم إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء، كيف سيُمرّر الرئيس ميقاتي القرارات التي إتخذتها اللجان التي شكّلها؟ يُجيب مصدر قانوني أنه سيتمّ إعتماد نفس الآلية التي تمّ إعتمادها في حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب – أي مراسيم جوالة على أن يتمّ إقرارها في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء.

وعن محتوى القرارات التي إتخذتها اللجان، خصوصًا فيما يتعلّق ببدل النقل والمساعدات الإجتماعية، يقول مرجع إقتصادي رفيع، أن هذه القرارات هي قرارات شعبوية بحكم أن لا تمويل لها، وهي ستكون كارثية على الإقتصاد. فبدل نقل 65 ألف ليرة في النهار، يعني ما يقارب مليون ونصف ليرة بالشهر للموظّف الواحد، وإذا ما أخذنا شركة فيها ثلاثون موظفًا، فإن الكلفة على الشركة سترتفع إلى أكثر من 42 مليون ليرة شهريًا. فهل يُمكن للشركات أن تتحمّل هذه الكلفة. وفي القطاع العام، القرارات ليست بأفضل، فمن أين ستؤمّن الدولة كلفة النقل؟ مع توقّعات بأن تفوق الـ 400 مليون ليرة لبنانية شهريًا. وإذا ما أخذنا المساعدات الإجتماعية بنصف شهر في هذا الشهر والشهر المقبل، بالإضافة إلى مساعدات بأكثر من 100 دولار أميركي للعائلات القاطنة على أكثر من 700 متر، فإن الكتلة النقدية ستنفجر حكمًا إذا لم يتم إتخاذ إجراءات مثل حصرها على بطاقات مصرفية. ويُضيف المرجع أن الحكومة عجزت عن مساعدة شعبها القابع تحت الفقر مع أكثر من 500 ألف عائلة تعيش في فقر مُدقع، وبالتالي ذهبت إلى خيار بنظرها هو حلّ، لكنه سيجلب الكوارث!

إذا ، تُشير الأحداث إلى أن البلد أصبح في مرحلة الإنهيار والذي أصبح يطال كل المرافق العامة وكل القطاعات، وبالتالي وبغياب توافق سياسي، يرى مرجع وزاري سابق، أن لا حلّ لأزمة لبنان، وهذا التوافق لا يُمكن أن يأتي إلا في ظل حلّ إقليمي، خصوصًا بين المملكة العربية السعودية وإيران. ويُضيف المرجع أن حلّ الأزمة اليمنية يسبق أي حلّ للأزمة اللبنانية نظرًا إلى أن تداعيات الأزمة اليمنية تصبّ مباشرة في الساحة اللبنانية وتطال عمل الطبقة السياسية من خلال تبعيتها السياسية الخارجية، وهو ما يمنع أي حلّ في المدى المنظور.

وعن إمكانية التغيير في الإنتخابات النيابية المُقبلة، يقول المرجع أن الإنتخابات النيابية لن تحصل قبل أن تتأكد القوى السياسية أن مكانها محجوز على الخارطة الإنتخابية، خصوصًا أن هناك أكثر من 200 ألف مُغترب سجّلوا أسماءهم، وهو ما قد يُغيّر المُعادلة بالنسبة للعديد من القوى، خصوصًا على الساحة المسيحية. وبالتالي يستبعد المرجع أن ترى الإنتخابات النور قبل حسم هذا الموضوع.

في المحصلة، يُمكن القول أننا أصبحنا في الفوضى الكاملة، وأصبحت القوى السياسية تلعب لعبة «حياة أو موت»، وهو ما يدفع وسيدفع ثمنه المواطن اللبناني الغارق في أزماته اليومية.