منصور حسين|المدن
لم يقتصر النشاط الأميركي الأخير في سوريا على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتقديم تطمينات عن توقف العملية العسكرية التركية على المنطقة، إنما شمل أيضاً عقد اجتماعات مع ممثلين عن المعارضة في إسطنبول، الأمر الذي أعاد الجدل حول أسباب هذا الحراك وما يحمله من رؤية أميركية للحل في سوريا.
فبعد أيام من زيارته مناطق شرق سوريا ولقائه القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ومسؤولين في الإدارة الذاتية الكردية، زار معاون وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش اسطنبول الثلاثاء، للقاء ممثلين عن المعارضة السياسية السورية.
ماذا تريد واشنطن؟
والتقى غولدريتش الذي ترأس وفداً أميركياً ضمّ دبلوماسيين وقادة عسكريين، أعضاء من وفد المعارضة في الهيئة العليا للمفاوضات وشخصيات في الائتلاف الوطني المعارض، كما اجتمع مع مسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة.
وفي مؤتمر صحافي عقده غولدريتش، أكد استمرار بلاده في دعم الحل السياسي وفق القرار 2254، وقال، إن لبلاده ثلاثة أهداف في سوريا، تتمثل بزيادة المساعدات الإنسانية، ومحاربة تنظيم داعش الارهابي مؤكداً على أن بلاده ستبقى في سوريا لأجل ذلك، وأيضاً، دعم عملية وقف إطلاق النار في كافة المدن لوقف قتل السوريين.
وقالت مصادر خاصة حضرت الاجتماعات ل”المدن”، إن الاجتماعات ركزت بشكل أساسي على المسار السياسي، إلا أن الوفد الأميركي أشار بشكل ضمني إلى ضرورة الحوار بين المعارضة وقسد، وإعادة إحياء الرؤية الأميركية حول توحيد ملف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قسد، وشمال غرب سوريا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة، على الصعيد السياسي وتبادل المعلومات الاستخبارتية فيما يخص عناصر تنظيم داعش.
وأكدت المصادر أن “الوفد يريد العمل على تقريب وجهات النظر وحل أبرز النقاط الخلافية بين الطرفين مبدئياً، والنظر في إمكانية عقد اجتماعات حوارية مستقبلاً، والتي تهدف واشنطن من خلالها، إلى قطع الطريق أمام عودة النظام السوري وروسيا إلى المنطقة مستقبلاً”.
حوار بلا ضمانات
ويوضح المحلل السياسي في مركز جسور للدراسات وائل علوان أن قضية الحوار بين قسد والمعارضة ليست بالمقترح الجديد، حيث يعبر عن رؤية أميركية قديمة، قائمة على إيجاد نافذة حوارات بين الطرفين.
ويقول ل”المدن”: “كان هناك تركيز أميركي على طمأنة المعارضة والتأكيد على عودة الإهتمام بالملف السوري، مع التأكيد أيضاً على الموقف الأميركي في دعم العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإعادة تقييم فاعلية العقوبات ورفضها عمليات التطبيع مع نظام الأسد”.
ويضيف أنه “إلى جانب ذلك، كان هناك اهتمام واضح من قبل الوفد الأميركي فيما يخص عودة الحوار بين المعارضة وقسد، لكن ومع هذا الاهتمام وتبني الإدارة الأميركية مشروع الحوار وترحيبها بأي تقارب بين المعارضة وقسد، إلا أنها لم تقدم أي ضمانات حقيقية يمكن البناء عليها في إنجاح هذا المشروع”.
وأشار إلى أن “هذا الملف يحتاج إلى تقديم ضمانات للمعارضة ولتركيا، التي تتحفظ على التقارب مع قسد، بسبب النفوذ الكبير الذي يتمتع به حزب العمال الكردستاني (pkk)، وسيطرته على الأجهزة الأمنية في قسد، وما يشكله من تهديد حقيقي على الأراضي والقوات التركية ومناطق سيطرة المعارضة”.
عودة أميركية للملف السوري
بدوره يعتبر الكاتب فراس علاوي أن هناك أبعاد أكثر أهمية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية من محاولة إحياء الحوار بين قسد والمعارضة، بالنظر إلى وجود الكثير من الصعوبات والتحديات التي تعيق المشروع.
ويقول في حديثه للمدن: “لا أعتقد أن أميركا تمتلك خارطة طريق أو تصور لآلية توحيد قرار المعارضة، إلا إذا كانت تنوي فعلياً ممارسة الضغوط على الجانبين، وبالتالي فإن الهدف الحالي من الحراك الأميركي عموماً هو لتقليل مخاوف قسد من الانسحاب المفاجئ، وفي ذات الوقت تقديم ضمانات للأتراك بعدم وجود دعم حقيقي للأكراد من ناحية، ومن ناحية أخرى، يكون مقدمة لعملية تنشيط المعارضة التي تنظر إليها الولايات المتحدة أنها دخلت في مرحلة خمول”.
ويضيف أن “الإدارة الأميركية تسعى إلى خلط أوراق خصومها والعمل على ضرب المخططات الروسية التي كانت تبني تحركاتها على أساس الانسحاب الأميركي، والتضييق أكثر على إيران في المنطقة، وذلك من خلال التأكيد على استمرارية وجودها وإعادة الدعم إلى المعارضة السورية، وتشجيع الحوار بينها وبين قسد، الأمر الذي يعمق من أزمة حلفاء الأسد الباحثين عن نصر سياسي يخدم نصرهم العسكري”.
ينظر محللون بتفاؤل إلى عودة الاهتمام الأميركي بالملف السوري حتى وإن كان من بوابة مشروع احتمالية نجاحه ضئيلة جداً، إلا أنه يخفف من الضغوط الروسية على قسد لصالح عودة النظام إلى شرق سوريا، ويمنع الآخير من الحصول على موارد اقتصادية كبيرة تساعده في حربه ضد المعارضة، وبالتالي استمرار نزيف النظام وفشل روسيا من تحقيق انتصارها المتكامل.