الحدث

هذه هي حكاية “أبريق زيت الدواء” في لبنان

 

اندريه قصاص

“سعر دواء السكري بيعمل ضغط. وسعر دوا الضغط بيعمل سكري. وسعر دوا الكوليسترول بيعمل بالقلب. وسعر دوا القلب بيعمل جلطة”.
هذا التسلسل الكاريكاتوري لواقع اسعار الدواء بعد رفع الدعم كليًا عنه يختصر معاناة اللبنانيين، الذين باتوا مكشوفين صحيًّا على الآخر، وذلك نتيجة غياب التخطيط على مرّ سنوات طويلة، يوم لم يستفد لبنان من سياسة الدعم، التي كلّفت الخزينة اللبنانية مليارات من الدولارات. كان حرّيًا بالمسؤولين أن يكون لديهم بعد نظر، وأن يخطّطوا للمستقبل. بمعنى أنه كان يُفترض أن يصار التركيز على سياسة دعم الصناعة الوطنية للدواء، وتشجيع إنتاج “الجنريك” محليًّا. لو فعلنا ذلك لكنا أصبنا عصفورين بحجر واحد. كنا شجعّنا أولًا الصناعة المحلية، وكنا ثانيًا أسهمنا في تأمين الدواء للبناني بأسعار أقل كلفة من السوق الخارجية. وهذا ما تفعله الدول التي ترى أبعد من “منخارها”.

يُقال أن مصرف لبنان تكبدّ خسائر بمليارات الدولارات في السنتين الأخيرتين من أجل تأمين الدعم للدواء والقمح والمحروقات. وعندما وجد نفسه يُستنزف ويفرَّغ من إحتياطه إضطرّ على أن يوقف هذا الدعم الإستنزافي، خصوصًا أن المواد المدعومة من جيب المواطن اللبناني كانت تُهرّب إلى خارج الحدود، فضلًا عن إستفادة أعداد كبيرة من غير اللبنانيين الموجودين على الأراضي من هذا الدعم غير المرشَّد.
كل شيء يمكن التساهل به إلاّ الوضع الصحّي. هل يمكن أن نتصورّ مثلًا أن أي مريض لا يمكنه أن يدخل إلى المستشفى لأنه غير مغطّىً إستشفائيًا من أي من الجهات الضامنة. وقد يكون لنا حديث آخر عن عجز الضمان الصحّي عن تأمين الحدّ الأدنى من الضمانات الكافية للمرضى، سواء بالنسبة إلى الدواء أو تغطية كلفة الإستشفاء. وهو أساسًا، وبحسب ما كان معمولًا به وقبل غلاء الفاتورة الإستشفائية كان صندوق الضمان الصحّي والإجتماعي إسمًا على مسمّى، أي أنه يضمن الأمن الصحّي للمواطن. أمّا اليوم فلا أمن ولا صحّة.

فإذا لم تتأمن المحروقات بأسعار مقبولة ففي إمكان المواطن الإستغناء عنها أو التفتيش عن بدائل إحتياطية. أمّا إذا لم يستطع أن يؤّمن الدواء، وبالأخصّ دواء الأمراض المزمنة، فيكون هذا المواطن أمام مشكلة عويصة، وتكون حياته بالتالي مهدّدة، وقد يتعرّض لمضاعفات خطيرة غير محمودة النتائج. وهذا ما لا يمكن أن يقبل به أحد. ولذلك كان من بين أولويات إهتمامات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وفي غياب أو تغييب مجلس الوزراء، أن يعمل على خطّ متوازٍ بين القطاعين الخاص والعام، وذلك من أجل تأمين الأدوية الضرورية للأمراض المزمنة والمستعصية بأسعار شعبية ومتوافرة وفق حاجات محدّدة بوصفات طبيّة. وهذا الإجراء معتمد في مختلف الدول، التي تقدّس كرامة الإنسان وتحفظ حقوقه كمواطن، وتحول بالتالي دون التلاعب بهذه الأدوية من خلال الأسواق الموازية.
أنهي بسرد واقعة حصلت معي قبل أسبوعين. ذهبت إلى الصيدلية هنا في كندا في آخر الشهر لشراء أدويتي. لكن سعرها تخطّى الحدّ الشهري الذي كنت أدفعه قبل ذلك، مع الإشارة إلى أن أي مواطن كندي عندما يبلغ سن التقاعد لا يدفع سوى عشرة في المئة من فاتورة أدويته. تفاجأت بهذا الفرق. الزيادة بلغت أربعين دولارًا. لم أسأل عن السبب لإعتقادي أن أمرًا ما طرأ على الأسعار.
ولكن وبعد مرور أسبوعين وردتني مراسلة من وزارة الصحة الكندية تعتذر فيها مني لخطأ وقع في سعر فاتورة دوائي، مرفقة بشيك بقيمة أربعين دولارًا وأربعين سنتًا، بدل ما سبق أن دفعته. أما لماذا هذه “الأربعين سنتًا”؟ فهي فائدة الأربعين دولارًا.
آخ يا بلدنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى