بازار رئاسي
سياسياً، يعني هذا أن عون قرر فتح البازار الرئاسي باكراً، باعثاً رسائل في اتجاهات عدة: نحو الحلفاء والخصوم، في الداخل والخارج.
وكما يطرح البعض معادلة: الحكومة مقابل القاضي طارق البيطار، أو الحكومة مقابل استقالة جورج قرادحي، طرح عون أكثر من معادلة للمقايضة. أولها، لا انتخابات نيابية في آذار، ولا بد من البحث عن تسوية رئاسية قبل انتهاء ولاية الرئيس، وإلا فلن يغادر القصر الجمهوري.
الصهر الوريث
ووضع عون مواصفات الرئيس: يجب أن يكون ابن بيئته، ويتمتع بالتمثيل الشعبي والسياسي. والأنظار كلها تتجه إلى جبران باسيل في هذه الحال. فهو الوحيد الذي يعتبره عون يتمتع بهذه المواصفات. وعليه، إما أن تنص المقايضة على هذا التوافق، وإما يكون الفراغ والتعطيل مصير كل شيء، فيما هو يقبع في القصر الجمهوري، لأنه لن يسلّمه للفراغ.
وهكذا يدخل لبنان المعادلة الأخطر والمرحلة الأصعب. فلا تعود المشكلة في تعطيل مجلس الوزراء، ولا في تحديد موعد الانتخابات، بل يصير الحدث الأول والأخير مصير الانتخابات الرئاسية.
ويضع عون حزب الله أمام معادلة الاختيار مجدداً بينه وبين نبيه برّي. يرفع السقف في وجه نصرالله والأميركيين معاً. يطرح معادلته بوضوح: إما أن تلبى شروطه إو لا حلّ إطلاقاً، مهما تفشت الأزمات والانهيارات، وتناسلت وتفاقمت.
ولا مصادفة في تلميح عون إلى أن هناك طرفاً يريد الفراغ، ليضع نفسه في معركة مواجهة تكريس هذا الفراغ بعدم مغادرته قصر بعبدا. وهنا تختلف التقديرات. فبعضهم يعتبر أن عون يكرر تجربة الثمانينات. وآخرون يعتبرون أنه غير قادر على ذلك، ولن يُسمح له بتكرار التجربة. فما كان في السابق مختلف جذرياً عن الواقع الحالي.
الموقف الدولي
وتتضارب وجهات النظر بين القوى السياسية. طرف يعتبر أن المدخل الأساسي الآن هو الانتخابات النيابية، وطرف آخر يراهن على الانتخابات الرئاسية.
المجتمع الدولي يركز على الاستحقاقين معاً. وصلت رسائل دولية في الأيام الماضية إلى مختلف القوى: لا يمكن القفز فوق أي من الاستحقاقين، وليس من ذريعة مقبولة لذلك. فعدم إجراء الانتخابات النيابية يقود إلى إجراءات عقابية قاسية جداً، قد تؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي اللبناني، بارتدادته السلبية على القوى السياسية كلها.
ميقاتي يحاول البقاء
المعركة الأساسية تنطلق في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة. وها هي تتخطى اليوميات المتعلقة بالبحث عن مخرج لإعادة تفعيل الحكومة وعملها، وتتجاوزها. حكومة يعد رئيسها بتوجيه الدعوة لالتئامها قريباً، مراهناً على نقطتين أساسيتين: إيجاد مخرج قضائي يحصر محاكمة الرؤساء والوزراء في مجلس النواب، بعد ضغوط كبيرة مورست على القضاء. ومخرج آخر لمشاركة وزير الإعلام جورج قرداحي في جلسة مجلس الوزراء.
والموضوعان مدار نقاش. بعض الوزراء يحاول الضغط على قرداحي ويطلبون من الاستقالة، لكن حزب الله لا يزال يمانع. لكن في حال قرر قرداحي الاستقالة فإن الحزب إياه يتفهم الأمر. وميقاتي ناقش هذه الصيغة مع فرنجية، الذي طلب منه اللقاء بقرداحي، والتقاه، فقال قرداحي: “أنا مستعد للمشاركة بجلسة حكومية وطرح وجهة نظري، ولنناقش الموضوع من جوانبه المختلفة. وفي حال اقتنعتُ بأسباب الاستقالة أستقيل”.
وتقول المعلومات إن قرداحي غير مقتنع بأسباب الاستقالة، خصوصاً أن لا ضمانات لحلّ الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج.
لكن هذه التفاصيل غدت طفوليات أمام المعركة الأكبر: مصير البلد معلّق بمصير ميشال عون وتأمين مستقبل وريثه.