بسام مقداد|المدن
على الرغم من مرور أكثر من اسبوع عليها،لا تزال زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق تستحوذ على إهتمام مواقع الإعلام الناطقة بالروسية وتحليل إشاراتها وغاياتها. ومع أن دوائر السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية أبدت إعتراضها على الزيارة وما تعنيه من إشارات خاطئة لنظام الأسد، إلا أن محللين روس شبهوا هذا الإعتراض بخطوط أوباما الحمراء العام 2013، والتي لم تحل دون إستمرار الأسد في إستخدام الكيماوي لاحقاً.
صحيفة NG الروسية، وفي معرض حديثها عن لحاق السعودية بركب التطبيع مع الأسد، قالت بأن الإمارات كانت السباقة في التطبيع مع النظام السوري بإعادة إفتتاح سفارتها في دمشق العام 2018، وقالت بأن الزيارة الأخيرة طرحت مسالة التطوير اللاحق للعلاقات بين البلدين. وذكّرت بلقاء وزير التجارة الخارجية السوري في معرض إكسبو دبي مع زميله الإماراتي، وقالت بأن دمشق ودبي تمكنتا من إقامة “الحد الأدنى” من التعاون الإقتصادي. واشارت إلى أن وزارة الإقتصاد الإماراتية ذكرت بأن حجم التجارة غير النفطية بين سويا والإمارات بلغ في النصف الأول من السنة الجارية 272 مليون $.
موقع haqqin.az الناطق بالروسية المعارض في أذربيجان نشر نصاً بعنوان “الإمارات سامحت الأسد وأتت إليه في دمشق”. قال الموقع بأن لدى الأسد سبباً ليفرك يديه مسروراً، فمن منبوذ العالم العربي يتحول إلى شخص مرغوب به، ما يمنحه ضمانة إضافية ببقائه في السلطة بسوريا، خاصة وأن عبدالله بن زايد “عبر له عن دعمه”، وإن كان لا يزال من غير المفهوم كيف سيتجلى هذا الدعم في الواقع.
ليست المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن تطبيع علاقات ممالك الخليج مع دمشق، لكن وحتى هذه المرة لم يطرأ ما هو ملموس. والحديث يدور بالفعل عن مساومة، “فليس في عالمنا ما هو مجاني”، بما فيه مقابل الشطب من قائمة المنبوذين. فما هو مدعاة سرور للأسد، هو وجع أاس لموسكو وطهران وواشنطن.
ومن دون أن يشير إلى إنتقاد الخارجية الأوروبية، أشار الموقع إلى ردة الفعل الشديدة عليها من الجانب الأميركي. ورأى أن موسكو وطهران لاذتا بالصمت التقليدي، لكن لا شك في أنهما كانتا متوترتين، لأن ليس من ثقة البتة بالأسد، حيث أظهر أنه شريك غير موثوق للغاية في السنوات الأخيرة. فهو دوماً يعمل على مصادمتهما مع بعضهما، يضخم التناقضات بينهما ويحاول الحصول في هذه المياه العكرة على مصالحه السياسية والمالية.
بالنسبة لإيران وروسيا الأسد الجالس عل حرابهما تحول منذ زمن بعيد إلى عبء ومصدراً للقلق الدائم، حيث يمكن توقع خنجر منه في الظهر في أية لحظة. لكن ليس من بديل له، لأن البديل من غير عائلة الأسد ليس مقبولاً لهما، ومن داخلها ليس من بديل يسمن على جسد بلد ينزف دماً، ويحيك دوماً أحابيله.
ويقول الموقع بأنه وفقاً لكلام الأسد نفسه جرى في اللقاء بحث مستقبل التعاون بين البلدين، وخاصة في المجال الإقتصادي. وعلى الرغم من أنه بدا وكأنه لا يكذب هذة المرة، إلا أنه لم يقل الحقيقة كاملة. فواشنطن لن تسمح للإمارات في المساعدة بإعادة إعمار سوريا وصولاً حتى فرض عقوبات عليها. والإمارات نفسها لن تقدم على توتير العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل دمشق. ولذلك، فإذا كانت قد بحثت مسائل إقتصادية ما، فلم يُبحث سوى مصير أموال عائلة الأسد في مصارف الإمارات.
وفي إشارة إلى سائر العائلات الحاكمة في الأنظمة الإستبدادية، يقول الموقع بأن عائلة الأسد، وكما سائر “الوطنيين الإسميين”، لا تحتفظ بأموالها في سوريا، بل هي موزعة في حسابات مصرفية كثيرة في الخليج. ومن المهم جدا للأسد أن يطمئن على مصيرها، وهو على إستعداد للإقدام على أي شيئ في سبيلها، وليس على حلفيتيه روسيا وإيران أن تنتظرا طويلاً “لعبته” التالية، “والسؤال فقط كيف سيتم ذلك”.
موقع GEOFOR الروسي المتخصص بتحليل الشؤون الدولية نشر نصاً في 18 الجاري إستعرض فيه أهداف زيارة زير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وكيف ترتبط ب”إتفاقيات إبراهيم” التي لم يمض أكثر من سنة بقليل على توقيعها بإشراف إدارة دونالد ترامب. ابو ظبي لم تضع الوقت سدى، فخلال هذه السنة أقامت أساساً صلباً للتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجالات الإستثمار والتجارة والتكنولوجيا. وأصبحت الإمارات في الحقيقة الشريك الرئيسي لإسرائيل في العالم العربي، حيث وضعت بمتناول يدها رؤوس أموالها وأسواقها وبنيتها التحتية اللوجستية. وبذلك وفرت لنفسها ضمانة كلية ضد أية تهديدات محتملة من جانب الولايات المتحدة.
يؤكد الموقع أن هذه “المناعة” الأميركية التي إكتسبتها الإمارات بفضل اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، سمحت لها بمتابعة تعاونها مع نظام الأسد بعد إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق. ويرى أن نشاط الإمارات في سوريا تم “على الأغلب تنسيقه مع الجانب الإسرائيلي”، وهذا مفهوم لأن تل أبيب ليست قادرة على الدخول في حوار مباشر مع دمشق.
وقد دفع تنامي هذا التعاون بعض المراقبين الروس إلى القول بسعي الإمارات إلى إبعاد تركيا عن سوريا وإحتلال موقع الصدارة في العملية المقبلة لإعادة إعمار سوريا. لكن الموقع يرفض هذه الفرضية، ويقول بأن عوائد مشاريع بناء سوريا جديدة لا يمكنها أن تغطي المسؤولية السياسية الهائلة المترتبة عليها، ومشايخ الإمارات ليسوا “على هذا القدر من الغباء” ليتحملوها. ومع أنهم ليسوا ضد توظيف رؤوس اموالهم في قطاعات إقتصادية سورية معينة والتحكم بتوجيهها، إلا أنهم يسعون لأمر آخر يتمثل في توظيف الساحة السورية لإقامة وبلورة معادلة جديدة لميزان القوى الإقليمي. هذه المعادلة تستهدف ربط أربعة عناصر إقليمية رئيسية: العرب، إسرائيل، تركيا وإيران، على أن يحصل كل منها على موقعه ودوره وصوته.
للوهلة الأولى يبدو من العسير جداً أخذ مصالح إيران في المعادلة الإقليمية الجديدة، لكن الموقع يذكر بكلام وزير الخارجية الإيراني في وصفه للزيارة بأنها “خطوة إيجابية”والعلاقات الإماراتية الإيرانية بأنها “تقليدية وإيجابية”. وهذا مع بلد عقد منذ سنة فقط “إتفاقيات إبراهيم” مع العدو الصهيوني” وبإشراف ومباركة “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة. ويرى الموقع أن الكلام الإيراني هذا يمكن فهمه كإشارة إلى أن إيران ليست ضد الحوار مع إسرائيل عبر أبو ظبي، خاصة حول الشان السوري.
وبعد أن يتحدث الموقع عن العلاقات الإماراتية التركية وتدهورها خلال السنوات الأخيرة، وليس بسبب الخلاف حول مسألة “الإخوان المسلمين”، بشير إلى الزيارة المتوقعة لمحمد بن زايد إلى أنقرة قبل نهاية الشهر الجاري، وإلى زيارة وزير الخارجية التركية إلى طهران والبحث خلالها في مشروع ممر بري يربط الخيج بتركيا عبر إيران واالعراق.
ويقول الموقع أن مشروع المعادلة الجديدة لميزان القوى الإقليمي “هش للغاية”، ويرتبط نجاحه بمتغبرات عديدة تتمثل إحداها بموقف الولايات المتحدة وروسيا منه. فالولايات المتحدة يبدو أنها لا تعارضه، وقد يكون لأنها تسعى منذ زمن بعيد للتخلص من المسؤلية الكاملة عن الشرق الأوسط، والتفرغ للمواجهة مع الصين.
أما بالنسبة لروسيا، يعتقد الموقع أن إستراتيجية الإمارات هذه تنطوي على مخاطر معينة، حيث أن روسيا وظفت الكثير جداً في سوريا حتى توافق على شطب مصالحها من المعادلة الإقليمية. فالأسد مدين “لنا بإنقاذه”، وإيران مدينة بإمكانية تثبيت وجودها العسكري السياسي في سوريا وتشريعه، وتركيا “بفضل وجودنا” تمكنت من تحاشي المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران على الأرض السورية. لكنه يستدرك بالقول أن هذا ليس حجة في السياسة، خاصة في الشرق الأوسط. فالحجة الوحيدة التي يمكنها إجبار الجميع الأخذ بالحسبان رأي روسيا ومصالحها هو دورها كضامن للأمن. فجميع التصاميم البارعة التي يجري تطويرها في أبو ظبي أو تل ابيب، في أنقرة أو طهران، لا معنى لها إلا في ظل الأمن في سوريا الذي لا يمكن سوى لموسكو أن توفره، شرط تعاون جميع اللاعبين في المنطقة”. ولا يستبعد الموقع أن تستقبل موسكو أو سوتشي قريباً “أحداً من آل النهيان”.